عندما ران الصمت

تاريخ النشر: الأربعاء، 2 أغسطس، 2006 | آخر تحديث: الأربعاء، 2 أغسطس، 2006

أتذكر وصف أستاذي للشعب اللبناني كيف يعيش حياته كأغنية ، الناس في الشوارع يترنمون بأغاني فيروز ووديع الصافي ، يغنون لرئيسهم على نغمات ماجدة الرومي ، يمرحون مع نانسي عجرم ، ويصحوا جنونهم مع يوري مرقدي.

تعود الشارع العربي - خاصة في الفترة الأخيرة – على سماع ومشاهدة الأغاني اللبنانية ، بدءاً من "الحب والوفاء" وصولاً إلى "الواوا" ، إلى أن علت نغمة "جديدة" على المشاهد "معتادة" على الشارع اللبناني.. طاحت آلة الحرب الإسرائيلية ، وصار إيقاع الحياة هناك مرهوناً بدانات المدافع وأزيز الطائرات ، بينما تكفل العرب بالسكتات في تلك المقطوعة الموسيقية.

لست بصدد رصد ردود الفعل الرسمية ، ولكن دعونا نسأل أين فنانو العرب مما يحدث في بيروت؟ أشعر برد فعل صادم من مطربينا ، تكرره يومياً القنوات الفضائية ، لم يكن صمتاً فقط ، بل شيئاً أشبه بحالة من التوهان ، قد تديننا كعرب وتمسح عنا أي شبهة تعاطف مع اللبنانيين.

فأغاني الراقصات تشغل المساحة الأكبر من ساعات البث ، وما يصور مؤخراً ويبث يؤكد أن العدوان الإسرائيلي قد لا يأتي ببال مطربينا ، وأنا لا أتكلم على غير اللبنانيين فقط ، بل حتى أبناء لبنان أنفسهم لم يقدموا جديداً غير تصريحات في الصحف عن حزنهم على بلدهم ، ووقوفهم مع المقاومة.

أنا لا أدعو لمنع الغناء ، فأنا أؤمن أن الشعوب تبقى ببقاء ثقافاتها – هذا إن كان ما نراه يعد ثقافة – لكني أدعو لأن يقول الغناء كلمته في تلك الحرب ، إن فصيلة مقاومة تقف أمام إسرائيل ومن ورائها أمريكا ، تثبت لنا أن قليلاً يطلقه الميكرفون قد يعلو على صوت المدافع.

هذا الصوت لن يحقق نجاحه إلا بخروجه من قلب صادق ، من حناجر لن تركب موجة التعاطف الشعبي لتحقق مكاسب مادية ، ومن عقول لن تخاف من تعارض مع الموقف الرسمي لبلدانها ، ذلك الموقف الذي يقفز إلى أذهاننا ونحن نتذكر كيف تسارع المطربون في بداية الانتفاضة الفلسطينية للوقوف بجوارها حينما كان الزعماء العرب بالإجماع يدينون إسرائيل ، لنسأل هل تناقض الموقف العربي الرسمي وراء الغياب الفني؟

حسناً.. قالوا قديماً "الناس معادن" ولا يكشف معدنها إلا الشدائد ، وبين هذه الشدائد قد نجد المطرب الإنجليزي سامي يوسف ينفذ أغنيتين جديدتين في جولته الأخيرة بعنوان "لن نخضع" و"يا الله" من أجل المقاومة اللبنانية ، مع إصراره على عدم تصويرها ، لأنه لم يلحنها من أجل كليب يزاحم ، ثم نرى حفلات نيكول سابا وصديقاتها ممتلئة في الساحل الشمالي ، مع شعار : "نحنا بنغني لنثبت إنا راح نظل عايشين" ، نعم يا نيكول أثبتي لهم أنا قد نكون "عايشين .. لكن تايهين".