دار الأوبرا المصرية و... "مظاهر التغيير"

تاريخ النشر: الأربعاء، 13 أبريل، 2005 | آخر تحديث: الأربعاء، 13 أبريل، 2005

منذ ما يقرب من عامين ، حضرت عرضاً لأوبرا كارمينا بورانا بالمسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية ، وقبيل بدايته ، كان أفراد الأوركسترا قد استقروا في أماكنهم ، وهدأت الجماهير تماماً ، حتى إنك كنت تكاد تسمع "رنة الإبرة" لو سقطت على الأرض!

ومع بداية عزف الموسيقى - موسيقى الأوركسترا - بدأت موسيقى أخرى لم تكن معتادة وقتها في الأوبرا ، وخاصة في المسرح الكبير ، كانت هذه الموسيقى غير المعتادة مصدرها التليفون المحمول الخاص بأحد الحاضرين ، ومهما دققت في الوصف ، لن أستطيع التعبير عن مدى الازدراء الذي نظر به الحضور لهذا الرجل الذي بدا عليه الوقار شكلاً ببدلته الأنيقة وربطة عنقه الفاخرة بالإضافة إلى سنوات عمره التي ربما تخطت الخمسين ببضعة أعوام ، ناهيك عن خجله هو الشخصي من فعلته التي كانت تعد وقتها "شنعاء".

لم يتوقف الأمر يومها عند الازدراء الجماهيري أو الخجل الشخصي ، ولكن الأوركسترا توقف فوراً عن العزف ، كنوع من التعبير العملي عن الاستياء الشديد من الرنين غير المكترث للفن الذي يقدمه أعضاؤه ، كما حضر أفراد الأمن في التو مطالبين "رجل التليفون المحمول" بمغادرة المسرح بهدوء.

وبالأمس .. شاهدت عرضاً رائعاً لباليه "زوربا" في نفس المسرح الكبير بنفس دار الأوبرا المصرية ، ولكن منذ أن وطأت قدماي مدخل المسرح حتى لاحظت التغيير في القواعد الخاصة به ، فلم يسألني أحد عن تليفوني المحمول الذي من المعتاد أن يتم الاحتفاظ به في مكان مخصص لدى الأمن لهذا الغرض ، أو على الأقل يطلب مني إغلاقه تماماً - وليس فقط إغلاق الصوت - بل إنه حتى لم يهتم أحد بالنظر داخل حقيبتي للتأكد من عدم احتوائها على "متفجرات" مثلاً!

المهم ، بعد أن جلست في مكاني أنا ومعظم الحاضرين الذين التزموا بميعاد العرض المحدد ، وانطفأت الأنوار وتم إغلاق باب القاعة ليبدأ العرض ، تأكد لدي "الشعور بالتغيير" ، حيث بدأ عدد من الهواتف المحمولة في الرنين ما بين نغمات رنين ورسائل ، لم يكترث الراقصون أو الأوركسترا بها ، كأنما شيئاً لم يحدث ، ولكن الجانب المشرق كان أن الجميع – والحمد لله - لم يبدأ بالحديث بصوت عال في الهاتف!

رنين المحمول لم يكن هو مظهر "التغيير" الوحيد في انتظاري ، فقد تزامن انطفاء الأنوار مع وصول بعض الحاضرين متأخرين عن الميعاد المحدد ، ومع ظهور الفول السوداني على المقعد المجاور لي ، وعدد من "السندويتشات" الشهية في الصفوف المجاورة التي بدا أن أصحابها لا يطيقون صبراً على التهامها ، أو ربما لا يسعهم تقضية ساعتين من الزمن دون نشاط "مضغي"!

مظهر أخير من مظاهر التغيير لاحظته ، كان عدم التدقيق على قاعدة "الدخول بالملابس الرسمية" ، حيث كان عدد من الحاضرات ترتدين البنطلونات الجينز الزرقاء مع قمصان مشغولة.

وكان هذا المظهر الأخير ، هو الوحيد ذو الجانب الإيجابي في رأيي ، لأن مسألة "الملابس الرسمية" تلك تكون عقبة في طريق بعض الناس ، الذين ربما قد يهتمون بإغلاق هواتفهم المحمولة احتراماً للفن الذي جاءوا للاستمتاع به ، أو ربما استطاعوا الإضراب عن الطعام لساعتين هما مدة العرض.

على أي حال ، وبدون إطالة ، أعتقد أن السواد الأعظم من جمهور الفن الراقي ، لن يسرهم متابعته على أنغام الهواتف المحمولة المتنوعة جداً ما بين راقصة وهابطة ومزعجة أو حتى هادئة ، في الخلفية ، وأنا عن نفسي لن يكون السرور شعوري وأنا أرى المسرح المحترم يلقى نفس مصير سينما الدرجة الثالثة!