عن باسم يوسف و"الذات المُرسية"!

تاريخ النشر: الأربعاء، 6 مارس، 2013 | آخر تحديث:

مساء الجمعة، عقارب الساعة قاربت على التاسعة والنصف، يجلس رجل الأعمال الشهير أمام شاشة العرض الضخمة في القاعة الكبيرة بقصره الفسيح متابعا المظاهرات والمسيرات التي خرجت منذ الصباح مطالبة برحيله هو وجماعته عن السلطة.

الرجل الذي يتحكم ويتدخل في كل شئون البلاد رغم عدم توليه منصبا رسميا، لا يبالي بأي شيء، يعرف جيدا إن المظاهرات تلك لن تُغير من الأمر شيئا، وأن أنصار جماعته سيقفون لهم بالمرصاد عن الخطر كما حدث من قبل.

الرجل ذو الملامح الحادة تعود على "عدم اللامبالاه" طيلة حياته، سُجن أغلب فترات حياته ولم يتأثر، يعرف جيدا معنى الظلم ومع ذلك يمارسه يوميا، يأخذ "اللامبالاه" كمبدأ في الحُكم، وهي إحدى أهم صفات المشروع المزعوم الذي كان من المفترض أن يطبقه بنفسه في العلن، قبل أن يضطر في الاستعانه بصديقه الذي يسير على المبدأ ذاته.

وباعتبار أن الرجل لا يبالي شيئا، فلا مانع من مشاهدة ذلك الإعلامي الساخر الذي يذيقه هو وجماعته أسبوعيا بقسوه، ويكشفهم صفاتهم التي ربما لن يعرفها البعض إلا من خلاله.

دقات الساعة أعلنت التاسعة والنصف، الرجل القوي يجلس مداعبا لحيته وهو يشاهد المذيع الوسيم، كلما ازدادت السخرية تجاه جماعته كلما قهقه بصوته الأجش قائلا "خليهم يتسلوا".

ولكن ماذا حدث هذه المرة؟

السخرية زادت عن حدها -هكذا يظن- وربما لو تُرك هذا المذيع هكذا لاقتنع الشعب بما يعرضه ويقلب الطاوله على الجماعة، لابد من حل سريع قبل فوات الآوان، استخدام "النائب الخاص" الآن هو الحل.

إصدار المستشار طلعت عبد الله قرارا بالتحقيق مع باسم يوسف بتهمة إهانة الرئيس ليس شيئا مستغربا في وسط ما تعيشه مصر حاليا، وهو أحد الأمور "المشينة" التي نراها بشكل شبه يومي.

الأمر يتعلق بحرية التعبير، وهو الأمر الذي تحدث الكثير عنه قلقا بعدما وصل الإخوان لحكم البلاد، ولذلك على من يحكم مصر "أيا كان من هو تحديدا" أن يضع في اعتقاده ذلك، وأن الشعب لن يسمح لأحد بكتم حريته والعوده به للوراء.

كما أن التهمة ذاتها ليست مفهومة، ما الذي أهان الرئيس فيما حدث؟ أين الأزمة في أن يتم عرض صورة للرئيس حاملا جائزة أوسكار تعليقا على لقاءا له عُرض في نفس توقيت الحفل السنوي لتوزيع الجوائز؟

هناك العديد من البلاغات التي قُدمت ضد باسم يوسف في الأسابيع الماضية، ولكن جميعها لم يرق لتحويله للتحقيق، فلماذا حدث ذلك الآن؟ هل وصلت إليه تهديدات بالكف عما يفعله؟

أم أن الأمر ربما يتعلق بحديث الرئيس مع عمرو الليثي قبل أيام قليلة من إحالة باسم يوسف للتحقيق، وهو الحديث الذي أبدى الرئيس فيه استياءه من البرامج الساخرة التي تسخر منه ومن نظام الحكم في مصر.

أم ربما الأمر يتعلق بأن الحلقة سبب الأزمة تضمنت سخرية صريحة للمرة الأولى للمرشد!

فكرة استخدام النائب العام للتخلص من معارضي الحكم ستعيد للأذهان المشهد الذي جاء به للمنصب، وإصرار النظام على استمراره وعدم تغييره، وهل اهتم النائب العام بجميع المطالب التي تُقدم إليه بمثل اهتمامه بتحويل إعلامي للتحقيق؟

النظام يعرف جيدا ماذا يفعل، باسم يوسف وأقرانه هم الذين يمثلون الخطر الحقيقي عليه، وليس رموز المعارضة الذين "اغتيلوا" سياسيا منذ زمن، لذلك فليست هناك حاجة لوضعهم في السجون أو حتى "قتلهم" كما أباح العديد من "شيوخ الفضائيات".

السطور الماضية لم تُكتب دفاعا عن باسم يوسف، والإعلامي الشهير لديه العديد من المشكلات في برنامجه تحدثت عنها قبل ذلك، ولكن الأمر كما ذكرت يتعلق بحرية التعبير، خاصة وأنه لم يحدث أن تم الخوض في عرض الرئيس مثلا.

لسنا في احتياج للقول بإن مثل هذه البرامج تتواجد في جميع الدول ذو الأنظمة "المحترمة"، أو ما يفعل الإعلاميين ورسامين الكاريكاتير في أوباما يوميا.

التحقيق مع باسم يوسف إذا مر مثل أيا من الأمور الاعتيادية، ستترسخ لدينا أفكارا تتعلق بعدم انتقاد الرموز، وسيصبح الرئيس شيئا لا يقبل اللمس أو الحديث.

المجد لحرية التعبير

للتواصل عبر Facebook



وعلى Twitter