أفضل فيلم مصري!

تاريخ النشر: الثلاثاء، 29 مارس، 2005 | آخر تحديث: الثلاثاء، 29 مارس، 2005

طالب أجنبى يسأل زميله المصرى "ما هو أفضل فيلم مصرى ترشحه لى لمشاهدته، يشعرنى أنى دخلت إلى عالمكم؟" هذا السؤال البسيط البرئ كان سبباً فى إثارة الصداع و بعض الآلام المعدة و كثير من الحيرة للطالب المصرى ، فهل يجيب إجابة نابعة عن تقديره الشخصى، أم يقوم باقتراح إجابة نموذجية من المقرر، و فى النهاية لم يتمكن الطالب المصرى من الإجابة على السؤال إلا بعد عشرة دقائق كاملة من تمارين التأمل الذهنى، ليقترح خمسة عناوين كاملة يغلفها شك كبير من مقترحها. و ذلك لسبب بسيط مفاده أنها المرة الأولى التى يطرح فيها عليه هذا السؤال.

ربما كان استخدام "أفعل تفضيل" فى مجال الفنون يصيب الاكادميين بالضيق، معللين هذا بأن كلمة الأفضل لا وجود له فى قاموس الفنون، و لكن ريثما يقفز أسم ما يلمس وتراً حساساً لدى أستاذنا فأنه يبادر على نحو عفوى بالقول "انه من أفضل خمسة مخرجين عرفتهم". و لا يمكننا أن نعتبر هذا تناقضاً فكرياً أكثر من أنه فقط مجرد ميل انسانى طبيعى لتمييز الأشياء، و ربما وضع اختيارتنا و اذواقنا الشخصية تحت دائرة الضوء قليلاً، و ربما مشاطرة تلك الأفكار مع الآخرين، و التنازع معهم. كما حاولت الكاتبة صافيناز كاظم من قبل توجيه لطمة للنقاد باعتبار فيلم "اللمبى" من أهم خسة أفلام مصرية فى تاريخها". ونفس الأمر حدث مع الكاتب "الاقتصادى" جلال أمين فى مقالاته المثيرة للعواصف عن "اسماعيلية رايح جاى".

قد يرى البعض أن هذا السؤال من قبيل الرفاهية أو التسلية، على اعتبار أن "الصناعة" لديها أولويات أخرى غير البحث عن هذا السؤال. و لكن الغريب أن هذا السؤال الساذج بمفرده قادر على إجبار العديد من خفافيشنا السينمائية على الخروج من جحورها، لينتج عنها أسئلة أكثر ألماً مثل . هل عندنا "صناعة" أصلاً؟ هل نملك حركة نقدية حقيقية؟، هل نملك مؤرخين بالمعنى المتطور للكلمة؟ نجوماً بالمعنى التقليدى للكلمة، هل نملك أنماطاً سينمائياً بالمعنى التقليدى أيضاً للكلمة؟ هل نملك مفهوماً للفيلم الغنائى أو السياسى أو للواقعية؟ هل نملك أفلاماً مهمة ؟ و هل أهميتها نابعة من أنها الأنجح فى شباك التذاكر؟ أو الأنجح فى رسالتها الاجتماعية و السياسية، أم الأنجح لاعتبارات جمالية، أم لأنها كانت نقطة تحول فارقة لما بعدها؟ هل نعلم أنه إذا بادرنا بسؤال مشاهد مصرى عادى فإنه سيحتاج إلى عدة مراجع ليتذكر أولاً اسماء أفلامه المفضلة؟ ثم السؤال الأكثر أهمية ...هل نعلم حقاً ما نحبه؟

بصرف النظر عن تلك المحاولات الفردية من ذلك الباحث أو ذاك الناقد كانت واحدة من تلك المحاولات النادرة للإجابة على هذه الأسئلة كان استفتاء النقاد المصريين لأفضل 100 فيلم مصرى الذى أقيم عام 1996 على هامش مهرجان القاهرة السينمائى الدولى احتفالاً بمرور 100 عام على وجود السينما فى حياة المصريين، و بصرف النظر عن كونها الخطوة الأشجع و الأكثر جدية من نوعها على المستوى النقدى إلا أنه من الواضح أن عملية الاختيار لم تكن بالصعوبة المتوقعة، فى ظل احتواء القائمة على العديد من العناوين المثيرة للجدل، و إن كان الأكثر إثارة هى قائمة الأفلام العشر الأولى، و التى عرفت اكتساحاً تاماً من فترتى الخمسينات و الستينات، و اشارة عابرة للسبعينات بفيلم لا يمثلها بأى حال، و الفتات للثمانينات، و المجد لأواخر الثلاثينات و اواخر الاربعينات. من خلال وجود غير مبرر ل"غزل البنات" (1949) فى المركز التاسع و "العزيمة" 1939 على القمة لأسباب "كلاسيكية" يعود أصلها إلى ثلاثين عاماً ماضية، دون أن يتم التفكير فى إعادة تحليلها مرة أخرى.

لعل يكون الطريف فى الأمر أن هذه الأختيارات ما كان ليطرأ عليها تغيير حقيقى لو كانت اجريت عام 1986أو حتى عام 1976، و لن تتغير بطبيعة الحال فى حال اجرائها عام 2006، فمن المثير أن يسود هذا الإجماع الغريب بين المشتركين فى الاستطلاع دون أن يجمعوا معاً على عدة معايير موضوعية للاختيار، فإذا كان اختيار "العزيمة" كأفضل فيلم باعتباره أول فيلم واقعى مصرى، عن مناخ و طبقة بأكملها، فما الذى يفعله فيلم "حياة أو موت" خارج القائمة باعتباره أجرأ محاولة تقنية للتصوير خارج فى الشارع و التعامل مع القاهرة كشخصية درامية إضافية. أو "المستحيل" الذى أثار فزع الجميع وقتها لفتوحاته السينمائية. و إذا كان اختيار "الفتوة"، أو "شباب امرأة" أو "الأرض" باعتباره نموذجاً للأكتمال التقنى و النضج فى رسالته الاجتماعية و السياسية، فما الذى يفعله "الكيت كات" أو "البحث عن سيد مرزوق" أو "الصعاليك" خارج قائمة العشرة، هل تم اختيار "باب الحديد" بسبب شخصية قناوى التى كانت فتحاً لبطل غير تقليدى، فما الذى يفعله فارس "الحريف" أو "عيد" أحلام هند و كاميليا" أو يحيى فى "اسكندرية كمان و كمان " خارج القائمة باعتبارهم نماذج ل"بطل – ضد" اكثر نضجاً و حدة؟ للأسف هذه الأسئلة لن تعثر على إجابة عليها لأن الكتيب الذى يتضمن القائمة الكاملة لا يتضمن سوى قصة كل فيلم من الأفلام المائة!!!

من ناحية أخرى المهتمين بصناعة السينما فى مصر يملكون علاقة شديدة التوتر بالجمهور العادى الذى يعد "المستهلك" الرئيسى للأفلام فلم يدر فى ذهنهم أن يبادروه بطرح هذه السؤال ليضع بنفسه قائمته الشخصية فى محاولة لفك لغز "اسماعيلية رايح جاى"، الذى يعد فى نظر الكثير حتى المتخصصين الفيلم الأهم على الإطلاق كتأثير على الصناعة، فلم يسبق لفيلم أن مهد لموجة عاتية من الأفلام التالية مثل "اسماعيلية"، و لكن المثير فى الأمر أن تقفز أسماء أفلام مثل "الكيف" و "العار" ، "4-2-4" "الزوجة الثانية" "الناصر صلاح الدين"، "الخطايا" ، إلى جانب حفنة من أفلام اسماعيل ياسين إلى الصدارة. بل أن قائمة البعض أيضاً ستشمل عناوين حديثة أخرى مثل "عبود على الحدود" ، "الناظر" و ربما "صعيدى فى الجامعة الامريكية"، و هى ملحوظة قد تقود إلى سؤال أخر هل ستشمل قائمة المتخصصين عناوين من التى أنتجت فى السنوات التى تلت أزمة حرب الخليج 1990 –1990؟، و هل تلقت أفلام مثل "عرق البلح"، "أرض الخوف"، "الأبواب المغلقة" الدعم الكافى؟ أو حتى التوقف للحظة لتأمل وجودها فى ظل مزاج عام يوحد المصريين مؤخراً، و هو أننا جميعاً مكتئبين و "عايزين نضحك"!!

على العموم قد يكون الإجابة عن كل هذه الأسئلة مثاراً لصداع أخر مثل الذى داهم الطالب المصرى ، و لكنها جميعها أسئلة تستحق تناول علب اسبرين من أجل الإجابة عنها، و لن يصبح الحال كما أقدمت عدة وسائل إعلام أمريكية بالقيام باستفتاء حول أهم فيلم سياسى شاهدوه على الإطلاق، حيث شمل ذلك الاستفتاء قائمة مفضلة خاصة بالجمهوريين و قائمة اخرى للديموقراطيين، و حفلت نتيجة هذا الاستفتاء بالعديد من النتائج المثيرة للاهتمام. فقط نريد أن نسأل..هم يملكون قائمتهم ..هل نحن نملك واحدة خاصة بنا أيضاُ؟!!