محمد الأمير
محمد الأمير تاريخ النشر: الأحد، 5 مارس، 2006 | آخر تحديث: الأحد، 5 مارس، 2006
هاني أبو أسعد وهو يحمل جائزة "جولدن جلوب" لأفضل فيلم أجنبي عن فيلمه "الجنة الآن" - الصورة من رويترز

بعد ترشيحه لجائزة أفضل فيلم أجنبي من أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية الأمريكية ، وفوزه بجائزة الكرة الذهبية لنفس الفئة ، عاد إسم هاني أبو أسعد مخرج فيلم "الجنة الآن" للظهور على صفحات الصحف الإسرائيلية ، وهذه المرة بوصفه "أول مخرج "إسرائيلي" يرشح فيلمه لجائزة الأوسكار"!

قدمت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عبر موقعها الرسمي لقرائها أبو أسعد على أنه المخرج الإسرائيلي المولد الذي وصل إلى هذا النجاح العالمي ، رغم ما يواجهه فيلمه في هوليوود من محاولات جماعات ضغط يهودية لرفض الترشيح ولتضييع أي فرص على الفيلم للفوز بالجائزة ، وهو ما أكده أبو أسعد بقوله "الجماعات اليهودية لن تدعني لكي أفوز بالجائزة".

في بداية حوار المخرج – الذي وصفته الصحيفة بأنه مثيراً للجدل مثل فيلمه الأخير – طالب أبو أسعد المحاورة بعدم استخدام كلمات مثل "الإرهابيين" لوصف المفجرين الاستشهاديين ، الذين وصفتهم الصحيفة بأنهم من يفجرون أنفسهم في الحافلات والأسواق!

وفسر أبو أسعد للصحفية وجهة نظره : "نعم إنه نوع من الإرهاب .. لكنه موجه بدافع إرهاب آخر أصلي تسبب فيه ، التفجيرات الإنتحارية هي رد فعل لإرهابكم" ، وطالب أبو أسعد بإستخدام كلمة "رد فعل الإرهاب" بدلاً من وصفهم بالإرهابيين.

وأضاف أبو أسعد أن الإرهابيين الحقيقين هم المحتلون ، وقال : "الإرهاب بعينه هو الإحتلال ، هو سرقة حقوق الفلسطينين ، وحرمانهم من العيش بحرية فوق أراضيهم".

وفيما فسرته الصحيفة محاولة من أبو أسعد لمنع تفسير كلماته على أنها دفاع عن "المفجرين" قال المخرج - 45 عاماً - إنه "لتفسير ما نراه إرهاباً علينا النظر إلى الصورة كاملة".

ومع إشارة المحررة إلى مقال خبيرة القانون الدولي ليرت لينور الذي نشرته الصحيفة ووصفت فيه الفيلم بأنه "نازي حتى النخاغ" ، رفض أبو أسعد تفسير لينور للفيلم بهذه الرؤية تماماً ، وقال أبو أسعد : "إن مثل هذه المقالات تجعل موقفي في الوقوف أمام التحامل ضد اليهود صعب .. مثل هذه المقالات لا تعارض فيلمي ، وإنما تطالبني بأن أظهر جميع صور اليهود" ، ووصف تلك المقالات بأنها "عنصرية وفاشية".

وأشار أبو أسعد إلى أن لينور تؤمن بإخلاص أن من ينتمون إلى أي دولة غير إسرائيل هم إناس مغايرون للطبيعة ، "من وجهة نظرها .. الذين لا يؤمنون بأن الثقافة الفلسطينية هي جذور الإرهاب وليس الإحتلال الإسرائيلي هم الشر نفسه".

وتابع قائلاً : "بهذه الطريقة يصبح صعباً عليك تقبل فكر اليهود .. لقد كانوا يوماً ضحايا الاضطهاد والتمييز العنصري .. والآن ينفذون ما عانوا منه قبل ذلك" ، ثم أردف : "إن هذا يدفع أي شخص إلى الميل إلى عدم تصديق إنسانية الموقف".

ثم قالت المحاورة : "لكن في وقت محرقة النازي (الهلوكوست) لم نر أناس يتحزمون المتفجرات" ، أجابها أبو أسعد : "هذا موقف مختلف .. لم تظهر التفجيرات إلا في السنوات الست الأخيرة فقط ، وعلى مدار ثلاثين عاماً لم نرها ، من يعلم ما كنا سنراه إذا استمرت الحملة النازية لثلاثة عقود"!

وأكد المخرج الفلسطيني على أنه : "رافض للعنف بأشكاله .. أنا ضد القتل ، وأرى أن الكفاح غير المسلح هو الطريق الأمثل لتحقيق الأهداف" ، ولكنه وضح أن موقفه الحالي هو ما وفر له إمتياز التفكير بهذه الطريقة ، "ففي مواقف أخرى قد تصبح معتقداتي مختلفة".

وهنا سألته المحررة : "هل عشت موقفاً دفعك للتفكير في الموت (شهيداً)"؟ ، فتمهل أبو أسعد قبل الإجابة بالإيجاب قائلاً : "مررت بعدة مواقف أذلني فيها الجنود الإسرائيليون .. ذات يوم كنت عند حاجز تفتيش قرابة القدس ، وفهمت من طريقة تعاملهم المهينة معي ما الذي يدور في عقول من يفجرون أنفسهم فيما بعد".

ويصف أبو أسعد الأمر أكثر : "تبدأ في الشعور بأنك جبان .. ذلك الجبن يجعلك تكره حياتك ، ويشعرك بهوانك" ، وهو ما وصفته الصحيفة بأنه محاولة من المخرج لتفسير التفجيرات على أنها فقط كنتيجة إذلال شخص ما ، يُدفع للتفكير في الموت ومعه أعداءه ، مثل بطل التوراة "شمشون" وردت عليه بقولها "أنت ترى أنهم لا يفعلون ذلك بدافع معاداة السامية"؟

ويصف أبو أسعد طريقة صياغة السؤال بأنها "عنصرية" ويفسرها بقوله : "لا أحد في فلسطين يكره اليهود لأنهم يهود كما كان الحال في أوروبا ، الفلسطينيون لديهم سببهم لكره إسرائيل .. إنكم تجبرونهم على العيش في مخيمات اللاجئين بعدما تطردونهم من مدنهم التي تحتلونها".

ويرد أبو أسعد بسؤال "هل تظنون حقاً أنهم يقتلون بدافع قتل اليهود"؟ ، ويتبعه بأن الفلسطينين إناس مثلكم تماماً ، وإذا رأيتموهم مختلفون عنكم فهذه هي "العنصرية الحقيقية".

وفسر أبو أسعد التفكير الإسرائيلي بأنه نتيجة : "غسيل عقول قامت به الدولة - إسرائيل – لإقناعكم بأن العرب خطر على الديموقراطية وتهديد لأمنكم" ، وهنا تسائلت المحررة "وهل تفكيرك قد يكون مفتاحاً لحل الأزمة"؟ ، أكد المخرج بالإيجاب.

وتابع أبو أسعد "الأزمة ستحل نهائياً عند قبولكم بتساوي الطرفين في الحقوق ، بما في ذلك الأراضي حتى في تل أبيب والناصرة ، والإيمان بحق العودة للاجئين ، حينما تؤمنون بهذه المبادئ ، حينها سيصبح لدينا دولتان متساويتان في الحقوق ، هذا هو الحل الوحيد".

ويرى أبو أسعد – المولود في الناصرة - أنه نفسه رغم نجاحه في هولندا – التي سافر إليها قبل عشرين عاماً وأنتج فيها عدداً من أفلامه – يعد مثلاً لما أخذه الإحتلال من الفلسطينين : "يدفعني فضولي كثيراً للتفكير في حالي إذا بقيت في إسرائيل .. بالطبع كنت سأصبح فلسطيني مراهق عاطل ، في إسرائيل صعب أن يحقق فلسطيني هذا النجاح".

وهنا ذكرته المحاورة بأنه قد يصبح أول "مخرج إسرائيلي يفوز بالأوسكار" ، فكانت إجابته ضحكة ساخرة وقال في هدوء "عزيزتي .. أنا لست إسرائيلي" ، فأردفت المحاورة "لكنك تحمل جواز سفر إسرائيلي" ، فأجاب أبو أسعد "نعم ، لكني لست إسرائيلي .. إسرائيل تسمي نفسها دولة قومية لليهود ، وأنا لست يهودياً ، حين تصبح إسرائيل دولة كل من عليها ، قد تصح تسميتي إسرائيلياً".

واختتم أبو أسعد – الذي ينتظر إعلان نتائج الأوسكار مساء الأحد – حواره بقوله إنه : "يرفض القبول بالدولة اليهودية طالما لم تتم التسوية على أرض الواقع".

وفاز فيلم "الجنة الآن" - الذي تكلف مليونين فقط من الدولارات بإنتاج ألماني فرنسي هولندي مشترك – بعددٍ من كبرى جوائز السينما العالمية بدأها مع الملاك الأزرق في مهرجان بريلن عام 2005 ، ويتناول قصة صديقي طفولة من مدينة نابلس المحتلة تضيق بهما سبل الحياة ، لينضما إلى كتائب شهداء الأقصى لتنفيذ عملية استشهادية ضد أهداف إسرائيلية ، إلا أن عمليتهما تتعرض للفشل في منتصفها ، حيث يقرر أحدهما العودة إلى نابلس خالي الوفاض ، فيما يحاول الثاني إكمالها بتفجير حافلة إسرائيلية ، إلا أن رؤيته لفتاة صغيرة تجبره على إلغاء العملية برمتها.