إسلام سعيد
إسلام سعيد تاريخ النشر: الأحد، 15 يناير، 2012 | آخر تحديث: الأحد، 15 يناير، 2012
ليلى علوي أثناء المؤتمر

بينما كانت روائح نتائج المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب تفوح بتفوق للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، كان علي الحجار يقف على مسرح ساقية الصاوي يشدو بـ"اصحى يا نااااير"، ويداعب جماهيره المعتاد على حفل آخر أربعاء في الشهر "احنا لازم نعمل حفلة كل أسبوع ما حدش ضامن هنغني تاني ولا لأ".

وفي استراحة حفل الحجار كانت أذني تخترقها كلمات البعض: "هو فعلا ممكن ما يبقاش في غنا تاني... وطب ما هو طول عمرنا في فن محترم... بصراحة يا ريت يمنعوا البنات المسهوكة بتوع ميلودي دول"، وعند بدء الوصلة الثانية كانت إحدى الحضور تصرخ بصوت عالي طلبا لأغنية صلينا الفجر، ليرد عليها المطرب الكبير "شكلنا مش هنغني غيرها بعد كدة"، ليضحك الجميع بصوت يملأه القلق.

وعلى نحو 45 يوما من حفل الحجار، وتأكد وصول الأحزاب الإسلامية خطوة بخطوة نحو استلام السلطتين التنفيذية والتشريعية- بإرادة الشعب- كان المبدعين من كتاب وفناني ورسامي ومثالي مصر يرتعدون خوفا من نموذج "طالباني" أو على أقل تقدير "سعودي" في مصر، يلقي بظلاله على مستقبل بلد الأهرام الذي دوما ما كان منارة للفن والثقافة.

وعلى الرغم من تطمينات البعض من الأحزاب الإسلامية المعتدلة، لا سيما الحرية والعدالة والوسط، حول بقاء النموذج الفني دون مساس، مستقبلا، إلا أن آراء السلفيين المعلنة والمستترة كانت تقف حائلا ضد محاولات "الطبطبة على الفنانين".

بكل هذه التخوفات والتطمينات ذهب نحو ألفين من مبدعي مصر في الفن والثقافة والأدب إلى مسرح نقابة الصحفيين ليقرأوا على مصر، بل وعلى العالم كله- باعتبار الفن مرآة الشعب- بيانا يقولون فيه: "لا لن يتحجب الفن المصري، ولن يستطيع أحد قمعه... ونحن مستمرون في نضالنا الفني".

وسط هتافات ضد السلطات الدينية وكذلك المجلس العسكري الحاكم من ناحية، وتصفيق البعض، صعد الفنان الكبير محمود ياسين ليقرأ بيان المؤتمر، والذي كان ملخصه: "لن نقبل بإرهاب العقول وتكفير التفكير واعتبار أن من يعارض المجلس العسكري خائناً أو من يهاجم التيارات التي تسمي نفسها بالدينية كافراً".

"ولأننا من نسيج هذا المجتمع فإننا حماة ثوابته ونرفض استخدام كلمة (ثوابت المجتمع) كذريعة للحد والتقييد من حرية الإبداع".

بعد أن نزل ياسين من على المسرح، فوجئت بالناشر الكبير الرفيق محمد هاشم، صاحب دار ميريت، يخرج من القاعة رافضا البيان.

سألت هاشم: "إيه اللي خلاك تمشي.. احنا مفروض نتكتل إيد واحد؟"، أجابني: "الكلام مايع أوي.. إحنا لازم نقول السلفيين بيعملوا ايه وعايزين يعملوا إيه فينا، لكن كل واحد يطلع يتكلملي ع المتغطي، هو فيه إيه هيموتونا يعني زي فرج فودة... طب ما يموتونا"، ليخرج بعد ذلك مغادرا النقابة في اتجاه ميريت.

بعد دخولي للقاعة مباشرة، كانت فريدة الشوباشي تقول كلمة الصحفيين، والتي أوجزتها في "هم خايفين من الصحافة وعايزين يكمموها".

لتكمل "ليست فقط المومس هي من تبيع جسدها، ولكن من يبيع قلمه أيضا".

وبعد أن شبهت من باعوا عقولهم بالعاهرات، أعطى المنتج محمد العدل الكلمة للشيخ جمال قطب، العالم الأزهري الجليل، والذي أكد أن القرآن كفل للإنسان الحق في القول دون تشريع من أي شخص، ليصفق الجميع وينزل من المسرح مقبلا أحد القساوسة المتواجدين في الصف الأول.. ويستمر الهتاف ضد العسكري!

وبعد وصلة من الهتافات الوطنية ضد المجلس العسكري، وكذا مع تأكيد الوحدة الوطنية، أتت الكلمة إلى المخرج الكبير داود عبد السيد، ليشدد على أن السينما هي قوة ناعمة، وأي فرض للرقابة- سواء الحالية أو المتوقعة- تعتبر رقابة على الفكر.

وعلى الرغم من أن مخرج "أرض الخوف" و"رسائل البحر" عانى كثيرا من ظلم الرقابة، إلا أنه عاد ليوضح أن ما يمكن أن تفرضه السلطات الدينية قد يكون أصعب مما تم من قمع في عهد مبارك، ليصفق المخرج الكبير الباكستاني محمد خان، والذي ناضل بشدة لحصوله على الجنسية المصرية مثل والدته، إلا أنه همس لمن حوله "مش هيغيروا مصر مهما عملوا".

إلا أن خالد يوسف- الذي ربما سمع كلام خان- صعد للمسرح مرة أخرى ليقول "لازم نبقى كتلة واحدة ضد هجمة محتملة علينا". وأكمل المخرج الناصري "إحنا هنناضل عشان شغلنا وفننا ومش هننسى بلدنا ونازلين يوم 25 عشان الثورة لسة مكملة"، ليقف البطل أحمد حرارة الذي فقد عينيه بطلقات خرطوش، ليهتف مع سميرة إبراهيم وأسماء محفوظ "الثوار راجعين يوم 25".. وتكمل القاعة بقية هتافات الثوار.

وفور انتهاء هذا الفاصل من الهتاف، كان مسك الختام مع الرائع محمود حميدة، الذي تحدث لدقيقة واحدة ليقول متسائلا "أبعد هذا العمر الطويل من حرية الإبداع نناقش الآن حرية الإبداع؟!". ليتابع "إحنا مع الحرية حتى الموت".

وقبل الانتهاء خرج العدل ليقول "إن ما حدث سيخرج به توصيات سترفع لمجلس الشعب في أولى جلساته، وسنطالب بتضمين حرية الإبداع في الدستور الجديد، ووجود ممثلين لمبدعي مصر في لجنة إعداده".

وبعد كلام إنشائي من البعض، يشبه سابقيه، وقف الشاعر جمال بخيت ليقول قصيدته بناء على طلب الحضور "دين أبوهم إسمه إيه؟"، قبل أن يطلب من الجميع الوقوف لإلقاء قسم أعضاء جبهة الإبداع المصرية، والذي كان:

أقسم بالله

أن أكون مخلصاً لقيم الحرية.

أقسم بالله الذي منحنا الحرية: أن أدافع بكل كياني عن حرية الإبداع في الفكر والأدب والفن و العلم .

أقسم بالله الذي منحنا الحرية ووهبنا العلم: أن أدافع بكل كياني عن هوية مصر وملامحها وتراثها الحضاري بكل منجزاته الأثرية والأدبية والفكرية والفنية.

أقسم بالله العظيم: أن أكون على استعداد للتضحية بحياتي ثمناً لحقي وحق الآخرين في التعبير عن الرأي بكل حرية.