"جزيرة" الشيطان

تاريخ النشر: الثلاثاء، 13 سبتمبر، 2011 | آخر تحديث: الثلاثاء، 13 سبتمبر، 2011

من السذاجة أن يتم التعامل مع شبكة "الجزيرة" الإخبارية كمنظومة تتواجد على الساحة فقط من أجل مصلحة دولة بعينها، أو هدم استقرار دول أخرى من بينها مصر.

ولعل الأكثر سذاجة أن نتعامل مع أمر لم يثبُت صحته بطريقة تبتعد كثيرا عن المهنية، وتجعلنا نحن المخطئون وتضعنا في موقف ليس بالجيد في كل الأحوال، بل ونقتنع بالمبررات التي نقدمها للآخر، وهي بالطبع ليست صحيحة.

وهنا لست بصدد الدفاع عن "الجزيرة" بالتأكيد، وما سأذكره من إيجابيات متواجدة بها، هو شيء ينطبق أيضا على شبكات إخبارية أخرى منها على سبيل المثال "العربية" و"بي بي سي"، ولكن ما يحدث تجاه "الجزيرة" يجعلنا نتحدث عنها أولا.

فما فعلته السلطات المصرية من اقتحام لمكتب "الجزيرة مباشر مصر" قبل يومين هو أمر مسيء لنا قبل أن يكون ضارا للآخرين، وجميعنا يعلم أن الأسباب التي ذُكرت هي ليست صحيحة، وأن أسباب أخرى، جميعنا أيضا يعلمها، هي ما تسببت في حدوث ذلك.

وهنا يجب الإجابة على أكثر من سؤال، لماذا حدث ذلك بعد الأحداث الملتهبة التي شهدتها مصر مؤخرا؟ وهل جميع القنوات الجديدة تحمل تراخيص للبث؟ ولو افترضنا ذلك، فلماذا لم يستجيب المسئولين لطلب "الجزيرة" قبل شهور باستخراج تصريح للبث؟ ولماذا أجابوهم "اشتغلوا انتوا بس وملكوش دعوة"، معللين ذلك بأن الوضع وقتها لا يسمح باستخراج تصاريح؟.

كما أن مداهمة المكتب بهذه الطريقة، واعتقال مهندس البث بها، والسطو على مستندات وأشرطة، أمر غير مقبول على الإطلاق، لأننا بذلك تعاملنا بالشكل الذي تعامل به على سبيل مثال نظام "القذافي" مع موقف كهذا، وهو بالطبع أمر لا نقبله!.

الموقف الأخير الذي حدث يأتي استمرار لطريقة ليست صحيحة في التعامل مع "الجزيرة"، والتي يصر أيضا بعض الناس على أنها "تكره مصر" وتعمل ضد مصالحها، وهو شيء لم يثبُت صحته كما ذكرت أعلاه.

"الجزيرة الإخبارية" بشكل عام كان لها دورا بارزا في نجاح الثورات العربية، وكانت من بين منظومات إعلامية تحاول توصيل صورة حقيقية للأحداث للجمهور، بينما كانت التليفزيونات الحكومية في هذه الدول تعرض شيئا ليس له علاقة بالأحداث، مثل تليفزيونا المبجل الذي استمر 18 يوما في عرض مشهد لكورنيش النيل تحت شعار "ميدان التحرير الآن".

كما أن "الجزيرة" على وجه الخصوص كان لها دورا في اقتناع المصريين بالثورة منذ بدايتها، حيث أن التركيز على ما يحدث بمحافظات مصر في نهار 25 يناير 2011، أعطى انطباعا للمشاهدين الذين لا يعلمون شيئا عن التحضير للثورة، بأن شيء ما يحدث في بلادهم، وجعلهم يتفاعلون مع الأحداث وتهميش ما يتم كتابته في الصحف القومية، كصحيفة الأهرام التي ذكرت في صفحتها الأولى يوم 26 يناير بأن المواطنين احتفلوا مع الشرطة بعيدها، وقدم مواطن لفرد من الشرطة "وردة وشوكولاتة"!!.
وبالنسبة لعدد كبير من المصريين فإن "الجزيرة" كانت من أسباب حماسهم للثورة بعد ذلك، وسط تليفزيون حكومي لا ينطق إلا كذبا، وصحف تتحدث في الخيال، وإنترنت تم قطعه للتعتيم على الحقيقة.

وهناك أشياء كثيرة لم نكن لنتحدث عنها بهذا الشكل لولا "الجزيرة" وغيرها من الشبكات الإخبارية، من بينها "موقعة الجمل"، ولولا وجود مثل هذه الشبكات الإخبارية لما رأينا "المذبحة" التي حدثت يومها وراح ضحيتها العشرات، وما كنا لنضع صفوت الشريف وفتحي سرور وغيرهم داخل القفص، ونعرض أمامهم في المحكمة مثل هذه المشاهد.

و"الجزيرة" تحديدا وقت الثورة فعلت كل ما بوسعها لنقل الحقيقة، وأتذكر عندما تم قطع إرسالها في مصر في الأيام الأولى من فبراير، فأنها فتحت "بث مباشر" للأحداث عبر قناتها الناطقة بالإنجليزية، ونقلت عبر هذه القناة في الساعات الأولى من صباح يوم 3 فبراير استشهاد عدد من الشباب أعلى كوبري أكتوبر من أمام المتحف المصري، برصاص القناصة.

موقف آخر أتذكره للجزيرة يُبين حرصها على المصداقية، حيث كان أحد مذيعيها يجري اتصالا بالمراسل المتواجد بالإسكندرية، والذي يصف المظاهرات التي كانت تجرى هناك، وخلال المكالمة قال المراسل إنه يستمع لصراخ وتهليل كبير بين المتظاهرين، ويبدو أن مبارك قد تنحى عن الحكم، فما كان من القناة إلا أن قطعت الاتصال، وقام المذيع بتعنيف المراسل لاستنتاج معلومة تحمل قدرا كبيرا من الحساسية.

ما بثته "الجزيرة" خلال الثورة من أحداث مباشرة، وبعد الثورة من أفلام تسجيليه وشهادات للتاريخ، يستحق أن يتم توثيقه، لا أن تصادره أجهزة الأمن!.

لا نمتلك الحق في الحديث عن نوايا قناة بعينها، طالما لم نستطع إثبات ما نشك به، وأيضا مع وجود دلالات تؤكد أنهم يفعلون ما في صالحنا وليس العكس.

"الجزيرة" شأنها شأن الآخرين، لا تفعل ذلك من أجل مصالحنا، ولكنها تخرج علينا دائما بتغطية إعلامية تتواجد بها كل معاني المهنية، وطالما هذا يأتي لصالحنا، فلا يمكننا أن نعتبرها "جزيرة" للشيطان كما يصورها البعض.

الذين يرغبون في إخراج منظومات إعلامية مثل "الجزيرة"، يرغبون أن يتم تغييب الشعب وإبعاده عن الحقيقة، ويريدونه أن يجلس في جزيرة منعزلة، ستكون هي بالتأكيد "جزيرة الشيطان".

تواصل معي على Facebook

وعلى Twitter

ناقشني عبر msaleh@sarmady.net