الثورة في مفترق الطرق

تاريخ النشر: الجمعة، 5 أغسطس، 2011 | آخر تحديث: الجمعة، 5 أغسطس، 2011

هذه المقالة تم نشرها في صحيفة "التحرير".

الثورة إلى الآن حققت معجزات كثيرة كنا نظنها مستحيلة، بثمن غال من الدماء أي نعم، ولكنها حققت الكثير.. لا أنكر أن ما زال أمامها الكثير، ولكنها بالفعل أنجزت ما كان سينجز في عقود من الزمن، إن لم نكن تحركنا.

ولكن يجب أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا، ونكون على قدر من التواضع لنسأل أنفسنا عن جدوى كل فعل نفعله، وعن جدوى كل تحرك لتحقيق باقي المطالب.

للعلم، باقى المطالب غير محصور بعدد معين، فقد يكون اليوم هناك سبعة مطالب ولكنها في الغد تتحول إلى عشرين، لأننا كلما أدركنا مشكلة أخرى نسعى لحلها، ولهذا المطالب لا تنتهى إلا في حالتين، الأولى أننا أصبحنا نعيش في المدينة الفاضلة، أو أن تخسف بنا الأرض جميعا.

لكن هل مازالت الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات تأتي بنفس الثمار والمكاسب؟ هذا سؤال مازال لا يوجد لدي رد قاطع عليه، ولكني بدأت أتساءل، وإن لم نتساءل ونقف لنقوم أفعالنا، فهذا لن يدل إلا على غرور، عند أو تكبر.

وحتى إن كانت هذه الطرق تأتي بالمكاسب ونتائجها ساحرة وخيالية، هل هي أخلاقية وتعكس فعلاً ديمقراطياً حوله التفاف شعبي؟

لو أتى الاعتصام مثلا بمكسب ذهبي -من رأيي- مثل علنية المحاكمات مثلا، ولكن هذا المطلب لا يريده إلا أقلية مثقفة، ولكنه بالنسبة لأغلبية كاسحة لا يساوي وقفة كوبري أكتوبر أو زحمة المحور أو قطع المسلسل التركي، فهل هذا فعل يعكس ديمقراطية حقيقية؟ وإن كانت القلة المثقفة مقتنعة أن ذلك "الصح"، والناس أغبية مش فاهمين، يبقى بلاها ديمقراطية بقى، وياريت ما نرجعش للناس في شيء ونحكم إحنا والثقافة تعلو على الديمقراطية لتصبح ديكتاتورية المثقفين.

لكن الديمقراطية الحقيقية لا تعطى لصوت المثقف وزنا أثقل من وزن الجاهل، أول مبادئ الديمقراطية أن كل من يحمل الجنسية له الحق المتساوي في الاختيار.

فماذا سنفعل إذن؟ نروح ونفض المولد ونتغاضى عن تحقيق التطهير والعدالة والحرية؟ ويلا نرفع راية الاستقرار وندحرج عجلة التنمية بالتغاضي عن مطالب مات علشانها أرواح؟

ينقطع لساني، أنا مع استمرار المطالبة بيهم، ولكن ليس بمطالبة السلطة بهم، بل بمطالبة الشعب أن يطلبهم معنا، ولقد فعلنا ذلك قبل الثورة ونحن مكبلون، بينما كان أمن الدولة يلعب دور أمنا الغولة، والرقابة على أشدها.

إلى أن وقف خلفنا الشعب في الثورة، ممكن يكون اللي شارك مش كل الشعب، ولكن دعم الثورة في أولها أغلبية الشعب المصري، حتى لو كان على آخرها اختلف بنسبة لا يمكن أن تقاس على بقاء مبارك لأشهر من عدمه.
هذا الحل هو الأصعب، والأطول، ولكنه بالتأكيد الأصح والأكثر ديمقراطية، خصوصا أنا أظن أن رأي الناس في الثورة، ودعمهم لها، وإحساسهم أنهم جزء منها أهم ألف مرة من مليون مكسب سياسي.

الحشد لمليونية أسهل كثيرا من التوعية السياسية، الحشد لاعتصام أسهل كثيرا من الترويج لفكرة ومبدأ، رفع يافطة أسهل كثيرا من مساعدة الفقراء، أسهل ما يمكن هو أن تقول "الشعب يريد" وتضع بعدها أي جملة، ولكن أصعب ما يكون أن تجعله يريد فعلا هذا المطلب ومستعد لدفع ثمنه.

لنتذكر أن نزولنا للشارع أولا وأخيرا كان استثناء عندما تغيب الديمقراطية وصناديق الاقتراع، ولكن ليست هي القاعدة العامة، لأننا يجب أن يكون هناك مقياس سلمي غير مضر للمجتمع للاتفاق العام، حتى لو كان هذا الاتفاق الديمقراطي مبني على شراء المال لبعض الأصوات، أو غسل أدمغة بعض البسطاء بوعود الجنة ومحاربة الكفر.

ألا يجب أن نركز جميعا جهودنا أن نحاول على قدر الإمكان في تقريب اختيار الأغلبية لما نراه في صالح هذه الأمة بالشكل الديمقراطي الصحي السليم؟

للأسف في فترة الثورات يصبح التصفيق الحار لمن يدهس أكثر على البنزين، ويطول التخوين كل من يحاول أن يدهس قليلا من الفرامل حتى لو قبل مفترق الطرق، ولكننا الآن أمام مفترق طرق حقيقي لو دهسنا بنزين أكثر قد نصطدم بسيارة الشعب الذي بدأ أن يكره الثورة من اليسار أو بسيارة المختلفين معنا في الرأي من اليمين، فيأتي اليوم الذي يلعن كل كبير وكل صغير فيه الثورة من قلبه.

أنا متضامن مع كل المطالب، أنا مع تطهير القضاء وكل مؤسسات الدولة، مع كل حقوق الشهداء والمصابين وأسرهم، مع محاكمات عادلة حتى لو كان عدلها سيحبط توقعاتي، ولكني قد أختلف مع الكثيرين في أفضل طريقة لتحقيقها، وقد أختلف مع نفسي شخصيا من اليوم للآخر، ولكني مهما اختلفت مع أي أحد، لن أزايد عليه لو مطالبي أكثر من مطالبه أو لو الطريقة المثلى من وجهة نظري أعنف من طريقته ولن أخونه، وإن كانت مطالبي أقل أو فضلت طريقة أكثر سلمية وأبطأ لن ألومه باصطناع البطولة وسأقدر وجهة نظره.

وطالما تذهب لسريرك وضميرك مستريح أن ما تفعله لمصلحة مصر أولا وبعيدا عن مصلحتك الشخصية، مصلحة ترويج أفكارك أو طموحاتك السياسية فوقتها الاختلاف في الطريقة لا يفسد للثورة قضية.