البرادعي الـ "كُخة"!

تاريخ النشر: الخميس، 16 يونيو، 2011 | آخر تحديث: الخميس، 16 يونيو، 2011

سواء تم عرض حلقة الدكتور محمد البرادعي ببرنامج عمرو خالد "بكرة أحلى" أم لا، فإن ما حدث من جانب التليفزيون المصري بهذا الأمر "فضيحة كبرى" لابد من التحقيق بها.

فلا التليفزيون الذي تحول "كآخرون" من مؤسسة تخدم أهداف النظام، إلى أخرى تساعد على كشف الحقيقة وتفتح أبوابها لمن تم إخراس ألسنتهم لسنوات، يصح أن يتعامل بهذا الأسلوب الذي أزالته الثورة، ولا الدكتور البرادعي الذي ظهر لسنوات للمجتمع الدولي كواجهة مشرفة لمصر، خدم خلالها بمنظومة عريقة وحاز احترام العالم بأكثر من موقف وحصل على جوائز رفيعة، يستحق أن يلقى هذه المعاملة.

ولعل التخبط فيما يخص هذا الموضوع يبرهن على أن التليفزيون لازال يعاني من أزمات وتخبط في قراراته، وأن تلك القرارات لا تصدر بناء على مبادئ المنظومة التي لابد أن تُطبق على الجميع بغض النظر عن الأسماء، وهي بالطبع "كارثة".

فما لبث أن تم الإعلان عن استضافة الدكتور محمد البرادعي ببرنامج "بكرة أحلى" مع الداعية عمرو خالد مساء الخميس، حتى فوجئنا بقرار يمنع عرض الحلقة وتصريح للبرادعي يقول إنه ممنوع من التواجد على شاشة التليفزيون المصري.

ثم يُعلن البرادعي بعد ساعات أن القرار قد تم إلغائه، وأنه سيظهر في موعده المقرر، قبل أن تنقلب الطاولة بمساعدة قبضة نهال كمال رئيس التليفزيون، التي أعلنت بمؤتمر صحفي ظهيرة الأربعاء أن الحلقة لن تُعرض إلا في حالة تنفيذ شرط وضعته رئيسة التليفزيون!

وبغض النظر عن كُنية الشرط وماهيته وأبعاده وأسبابه التي لا تعلمها إلا الأستاذة نهال كمال، فإن قرارا كهذا لا يجب أن يصدر من فرد أو مجموعة أفراد بدون شرح لأسبابه، ولا يصح أن يُطبق بدون ما يستدعي ذلك.

أما القرار ذاته، بأن يستضيف عمرو خالد 3 من مرشحي الرئاسة بحلقات أخرى، حتى يتم السماح له بعرض حلقته مع البرادعي، هو طلب يحمل الكثير من اللاموضوعية!

فقد ظهر على شاشة التليفزيون عددا من مرشحي الرئاسة دون أية مشكلات، أذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر عمرو موسى وأيمن نور وحمدين صباحي، فما المشكلة إذن؟ وأي مبدأ لتكافؤ الفرص الذي يتحدث عنه التليفزيون ونحن حتى الآن لا نعلم موعدا محددا للانتخابات الرئاسية، أو وظيفة رئيس الدولة سواء كرئيس يحمل صلاحيات بنظام رئاسي، أم سيكون شاغرا لمنصب شرفي بنظام برلماني؟!
وتصريح الأستاذة نهال كمال بعدم تلقيها ردا من عمرو خالد بخصوص طلبها، يحمل بعضا من المراوغة، فقدت بدت وكأنها ترمي بالكرة في ملعب الداعية الإسلامي، وتُصبح عدم استطاعته استضافة مرشحين آخرين وكأنها هي من تسببت في منع بث الحلقة!

الموقف بالفعل يحمل الكثير من سمات الغموض، فالتليفزيون بهذا الشكل لا فرق بينه وبين بعض الأشخاص الذين يعتقدون بأن الدكتور البرادعي رجلا يحمل فكرا ليبراليا متطرفا سيجعل مصر دولة علمانية لا دين لها ولا أخلاق بها! ورجال ماسبيرو "بأفعالهم" أصبحوا مثل توفيق عكاشة الذي يعارض فكر البرادعي لأنه لا يعلم ثمن "دكر البط" أو "وقفة الجاموسة"!

الأزمة لا تتلخص في عدم ظهور البرادعي بحلقة من برنامج، فقد أجرى، ولايزال، عددا من اللقاءات مع القنوات الفضائية، وليس في احتياج للظهور على القناتين الثانية والفضائية لكي يُعبر عن رأيه، ولكن المشكلة في قرارات تعسفية وشروط واهية لا مبرر لها.

بالفعل موقف التليفزيون المصري مُخزي إلى حد كبير، فهو طبق خلال الثورة وقبلها أبشع مفردات "التليفزيون الحكومي" الذي يخدم النظام وينفذ أوامره ويحرض على قتل الثوار ويخدع من في البيوت ويلعب على وتر "الاستقرار" ويرسخ لفزاعة الفوضى والجوع التي كادت أن تعصف بالثورة وتُحطم مكتسباتها لولا وعي الثوار وصبرهم وإيمانهم بالله.

لذلك فعليه أن يقدم لنا ما يجعلنا ننسى ذلك، وألا يخسر ثقة الشعب بأفعال ساذجة لا مببرات لها ولا أسباب لفعلها، وعلى رجال التليفزيون أن يعلموا بأن ذلك يُضعف نسبة مشاهدته "الضعيفة أصلا" في وجه الفضائيات وبرامجها، وأن المواطن المصري اتجه لقنوات وبرامج تُقدره.

ولكننا نريد تليفزيون قوي يتلائم مع الواقع الجديد الذي نعيشه، وعلى مسئولي التليفزيون ورجاله أن يتذكروا أن رئيس الوزراء عصام شرف لم يحصل على ثقة الكثيرين لولا انحيازه للثورة وتعمد تسمية حكومته بحكومة الثورة، وتكرار ذلك المصطلح كثيرا، وأيضا المؤسسة العسكرية لم تنل ثقة الشعب بشكل كامل إلا بعد أن أعلنت تقديرها للثورة، والتأكيد على ذلك في البيانات التي يُصدرها.

نريد أن نرى "تليفزيون الثورة" الذي لا يقف في وجه أبنائه ولا يكرر أخطاء فعلها من قبل رغما عنه، فنحن الآن نشعر بالحرية ونستنشق نسائمها، ولن نسمح بغير ذلك.