تقييم و نقد ذاتي للثورة والثوار

تاريخ النشر: الأحد، 17 أبريل، 2011 | آخر تحديث: الأحد، 17 أبريل، 2011

بسجن مبارك وكل رموز حكمه نحتاج وقفه مع النفس، فاليوم تحقق أكثر بكثير مما طالبنا به في الميدان، ولمن لا يذكر فإن مطالب الثوره كانت معلقه على عماره في الميدان (تنحية مبارك – تشكيل حكومه وطنيه – حل مجلسي الشعب والشوري -إلغاء قانون الطوارئ - محاكمة الفاسدين) وقد تم تنفيذها كلها.

إن جمعة التطهير كانت ضروره ملحه وسط أحداث يصر الجميع على تفسيرها بأنها ثوره مضاده وأن ورائها رموز النظام القديم ... الحمد لله الآن بعد التخلص من هذه الرموز ستتوقف هذه الأحداث أو سنتوقف نحن عن تعليق كل مشاكلنا على شماعه الثوره المضاده ونلتفت للمشاكل الحقيقيه ... المهم أنها فرصه سانحه لبدايه جديده.

قبل أن أوجه نقد ذاتي للثوار، أو لمن يتكلموا باسم الثوره، يجب أن أذكر بحياديه أن تباطؤ الجيش وعدم خبرته الإعلاميه والسياسيه هي أهم أسباب وصولنا إلى لحظة صدام بين الجيش والشعب.

بالتأكيد إن الحديث عن تباطؤ الجيش يكون مجحفاً إذا تناسينا كم الإصلاحات والقرارات الفاصله التي تمت في وقت أقل ما يوصف به أنه قصير، إلا أن الجيش (بالرغم من سرعته) ظل دائماً متأخراً بخطوه عن الشارع. خطوه لو سبق بها الجيش لتحول الأمر إلى احتفاء دائم، بدلاً من تأخر بسيط يحول إحساس الشارع إلى أنه انتزع حق لم يرد الجيش أن يعطيه بإرادته.

إن الشفافيه التي مازلنا نفتقدها في خطاب الجيش يمكن أن تحل الكثير. إذ أن مشكله مثل حوادث التعذيب المبلغ عنها ضد بعض أفراد الجيش كان يمكن احتوائها ببساطه لو تم الاعتراف بها من القيادات مع التأكيد أنها أخطاء فرديه وليست منهجيه.

نفس الكلام ينطبق على تعامل الجيش الإعلامي مع معتصمي التحرير بعد جمعة التطهير، فالجيش أصر على اختراع قصه فلول النظام بدلاً من مواجهة الأمر بشفافيه وتوضيح موقفه الذي لم يكن يحتاج لشماعه لتحسينه .. وعلى الرغم من ضعف منطق المعتصمين إلا أن محاولة طمس الحقيقه (ولو لهدف نبيل وهو المحافظه على العلاقه بين الجيش والشعب) أدت لعناد المعتصمين تعللاً بأن الجيش لا يقول الحقيقه.

وأخيراً فإن المصريين جميعاً لا يقبلون أن يتعرض أي مصري لعنف بسبب تعبيره عن رأيه بسلمية ... أو أن يتعرض ناشط لمحاكمه عسكريه تحت أي ظرف.

انتقدت الجيش قبلاً وسأنتقده مره أخرى لو شعرت أن نقدي الاستباقي أو بتسميه أخرى نصيحتي يمكن أن تحول دون حدوث مشكله ولكن أنا أرفض تماماً تخوين الجيش، أرفض تماماً محاولة التأليب على الجيش أو الوقيعه بين الجيش والشعب.

كان يجب أن أبدأ بهذه المقدمه قبل أن أصل للحديث عن الثوار أو عن كثيرين ممن يتكلمون باسمهم.

أولآً فإنني لا أجد ما يصف شكري وتقديري لكل ثائر وكل من شارك في هذه الثوره ولو بقلبه أو حتى دعاءه ... و لكن أعتقد أن الوقت قد حان لمحاسبه ذاتيه نحتاجها لنكمل على الطريق الصحيح.

إن ما يحدث الآن من إداره إعلاميه للثوار والثوره هو أكبر دعايه للثوره المضاده ... إن التعامل غير الحكيم مع الكثير من المطالب خاصة توقيتها وطريقة الضغط المتواصل مع عدم الاكتراث على الإطلاق بالرأي العام هو سذاجه سياسيه تصل لحد الغباء أحياناً.

إن الاعتصام الذي لم تدع إليه أي قوى سياسيه وحماية الضباط الشباب المنشقين ومنع القبض عليهم بالقوه رغم مخالفتهم للقوانين العسكريه، ثم إغلاق ميدان التحرير لهو نقطه سوداء في ثوب الثوره بالنسبه للمواطن العادي ... وبدلاً من أن يراعي ائتلاف الثوره الوسطيه في توجيه اللوم للجيش وللمتظاهرين على السواء، آثر الائتلاف أن يرضي الثوار على حساب الثوره .. وصب جام غضبه على الجيش فقط.

والسؤال الآن: هل استبدلنا دكتاتوريه بأخرى؟ أتكلم عن الثوار وليس الجيش ... هذا ما يتداوله العامه الآن.

إن كنتم لا تعلمون فهناك غضب شعبي رهيب على الثوار ... نعم كسبنا الكثير ولكن في قواعد اللعبه السياسيه في بعض الأحيان تكون طريقة المكسب أهم من المكسب ذاته.

إن الرأي العام الذي لا يكترث له الكثير من الثوار هو الذي سيحدد لاحقاً في البرلمان الوزن السياسي الحقيقي لكل فصيل، وأخشى ما أخشاه أن يتحول الأمر لعداء بينهم وبين الثوار ... بل أخشى أن يحول هذا العداء الكثيرين مِن مَن يريدون الاستقرار لمطالبة الجيش في الاستمرار في حكم البلاد، أو على الاقل تمرير قوانين تقييد الحريات بحجة الأمن والاستقرار.

إن نبرة الاستعلاء على المثقفين والأكبر سناً لهي شكوى أسمعها الآن كثيراً ... فأصبح الكثيرون يتعاملون وكأن الحياه بدأت يوم ٢٥ يناير... وفي هذا تناسي لمناضلين حقيقيين ناضلوا لسنوات قبلنا لكي يعدوا لنا الطريق ويؤهلوا المجتمع لهذا اليوم.

شخصياً قبل أن أحدد موقفي من أي أمر أقرأ لأهل الثقه والخبره وإذا وجدت إجماعاً على أمر ما أراجع نفسي ... بمجرد أن أذكر هذا لبعض الثوار أفاجأ بتعليقات من نوعية (إنت معندكش مخ ولا إيه) لأ عندي مخ إنما معنديش الغرور بتاع إني عشان شاركت في ثوره بقى عندي صك الحقيقه المطلقه.

لو خسر الثوار المثقفين والرأي العام فأضمن لكم أن يشاهد الثوار تطورات الثوره من مقاعد المشاهدين لا الفاعلين.

لا أشكك للحظه في وطنية كل من يقع تحت طائلة انتقادي، بل أرجو أن يتقبل الجميع أسفي لو كنت وقعت في أي خطأ مما ذكرت أو أي خطأ آخر لم أتنبه إليه بعد ... ولكن أؤكد أن صوت غالبية من شاركوا في الثوره الآن غير مسموع، وهو صوت التعقل والتهدئه ومراجعة الأولويات.

إن الثوره للثوره فقط أصبحت خطراً على الثورة.

ونفاق الثوره الذي أصبح مهنه للبعض الآن، أسوأ بكثير من نفاق النظام القديم ... فالنفاق في مرحلة التشكيل يؤدي بنا إلى هيكل مشوه ويدفعنا في اتجاه خاطئ.

أدعو كل ثائر، أن يتذكر وصف الشيخ الشعراوي (للثائر الحق) بأنه الذي يتوقف في مرحله ما، بعد أن يحقق هدفه، وأدعو الجميع لنقد ذاتي هدفه التقويم.

الآن وإلى أن يظهر جديد، أرى أن يتم تعليق المظاهرات لمده طويله، ولتبدأ مرحلة البناء.