سيدي السابق .. لسنا أشقاءك!

تاريخ النشر: الاثنين، 11 أبريل، 2011 | آخر تحديث: الاثنين، 11 أبريل، 2011
مبارك

شهدنا جميعا بأن أفضل ما في ثورة 25 يناير أنها غيرت مفاهيم كثيرة لدى المواطن المصري، فقد علمته المطالبة بحقه وعدم الرضوخ للفاسدين، علمته الصبر على البلاء وعدم اليأس، علمته التمسك بحلمه والتضحية من أجله، علمته أن يثق في نفسه ويؤمن بأن لسانه ودمائه هما القادرين على إحداث التغيير، الكل تعلم، والعالم أجمع أشاد بشعبنا، ولكن هناك شخصا واحدا وضح أنه لم يتعلم بعد.

المشكلة الرئيسية في أي فرد منا تكمن في عدم تعلمه من أخطائه، فتكرار الخطأ لعدة مرات يُبين أوجه القصور في تفكير الفرد، وعدم إدراكه وفهمه للأحداث، أو تقديرها بالشكل الصحيح، وتأكيدا منه على أنه هو المخطئ، وأن الباقون كانوا على صواب.

مشكلة أخرى تواجه هذه النوعية من البشر، فتماديهم في الخطأ يُولد بشكل تتابعي صفات بشرية قبيحة مثل الغرور والتكبر وعدم الصدق أثناء الحديث.

وكلما تماديت في ذلك .. كلما أصبحت أكثر خبرة في تطبيقه .. وأصبح مُتلقي حديثك أكثر ذكاءا في التعامل معه.

ويبدو أن رئيسنا المخلوع لم يتعلم الدرس، ليس هذا فقط، بل إنه لم يتفهم الدرس من البداية بالشكل الصحيح، فهو يعتقد أننا لا نزال شعبه، يُحدثنا كما كان يفعل من قبل، يتحدث بتلك النبرة القوية مُعتقدا أننا سننبهر بما يقوله، يصعد ويهبط بكلمات خطابه باعتباره رئيسا يتحدث إلى شعبه، يُنادينا بالأخوة والأخوات دون أن يعلم أنها كانت أياما ذهبت بلا رجعة، مثله تماما.

خطاب الرئيس السابق، رغم قصر مدته، حمل كل مساوئ قائله، اللعب على عواطف الناس، محاولة خداعهم، واستخدام ذكريات عتيقة والتفاخر بها حيا، ثم التعامل مع الاتهامات وكأنها غير موجودة أصلا، والإلتفاف حولها دون تكذيبها بشكل عملي، وهو أمر يحتاج بالطبع لبعض من الخداع والمراوغة.

مبارك مازال مُصرا أن يُحدثنا كإخوه له، رغم مشاهدته ما حدث في ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر بأكملها، على مدار ثماني عشر يوما، وما نقوله في التظاهرات المليونية في أيام الجمعة خلال الأسابيع الماضية.

كما ذكرنا أيضا بالتاريخ العسكري الذي لطالما أرهق نفسه وأرهق معها أعصابنا بالحديث عنه، على الرغم من أن ما فعله مبارك عسكريا ماهو إلا واجب وطني فعله العديد من أبناء مصر، كما أنه عملا ووظيفة يؤديها مقابل راتبا يحصل عليه، ومعاشا شهريا يصله إلى محل إقامته بشرم الشيخ.

رئيسنا السابق يتحدث عن آلام أصابته من حديث الشعب عنه بشكل لا يروق له، وأمام هذا لا يجد حلا سوى التذكير بالإنجازات العسكرية، على الرغم من أن الشعب ذاته يعلم جيدا حقائق، ويعرف فردا يُدعى سعد الدين الشاذلي، ويعلم حقيقة دوره خلال الحرب، وحقيقة دور الآخرين أيضا، كما يعلم حقيقة صورة تم "فبركتها" لإخفاء دور أشخاص لعبوا الدور الرئيسي خلال حرب أكتوبر، وتسليط الضوء على شخص واحد باعتباره صانع الإنجاز، واكتفي بذلك مراعاة لآلآم رئيسنا السابق!
هكذا كان اللعب على وتر العاطفة، فماذا عن الخداع؟

لقد آثرت التخلي عن منصبي كرئيس للجمهورية، واضعاً مصالح الوطن وأبنائه فوق كل اعتبار، واخترت الابتعاد عن الحياة السياسية.

الجملة السابقة قالها مبارك "نصا" في خطابه، وفيها أعطى رئيسنا السابق درسا في كيفية الالتفاف حول القرار بطريقة: كيف يقوم شعبك بإجبارك على التنحي وترك منصبك، ثم تحاول أنت إقناعهم بأنك من رحلت برغبتك!

أما بالنسبة لمصالح الوطن وأبنائه، عذرا، قد يكون هذا الكلام صحيحا إذا ألقيته في 25 يناير أو حتى 28، ولكنك لم تفعل، ولم تكن ترغب، رغم ما شاهدته من دماء "شهدائنا"، وهنا أستغير كلمتك في الخطاب الثالث، حين وصفتهم بشهدائكم واستثنيت نفسك من هذا الوصف.

عذرا سيادة الرئيس السابق، الابتعاد عن الحياة السياسية لم يكن قرارك، بل كان قرار الشعب، كفى خداعا.

وتحدث مبارك عن التزامه الصمت خلال الفترة الماضية، وعدم الرد على اتهامات تخصه، وبالطبع جميعنا يعلم جيدا لماذا كان هذا الصمت من رئيسنا السابق، بالطبع كان مشغولا بأشياء أهم، عليه فعلها ليخرج متحدثا بكل هذه الثقة!!

كما حاول الرئيس السابق أن يُقنعنا بأنه لا يمتلك أموالا في الخارج، ناسيا ما صرحت به سويسرا وبلجيكا عن تجميدها لأصول له!

ولإن الخطاب بأكمله لا يحمل شيئا دقيقا، كان طبيعيا أن ينتهي بتلك الجملة المستفزة: وبناء عليه وبعد انتهاء الجهات المعنية من هذا والتأكد من سلامته وصحته فإنني أحتفظ بكافة حقوقي القانونية تجاه كل من تعمد النيل مني ومن سمعتي ومن سمعة أسرتي بالداخل وبالخارج.

وتلك الجملة تكشف عن محاولة من مبارك لكي يصمت الجميع، ولا يتحدث أحد أو يحاول الكشف عن الحقيقة، ولكن يبدوا أن رئيسنا السابق لا يعرف أن مصر بعد 25 يناير تختلف كثيرا عن مصر قبل هذا التاريخ، وأن الشعب الذي صنع حريته بيده، واستعاد كرامته بدمائه، وكشف عن معدنه الحقيقي الذي تعمد آخرون إخفائه على مدار 30 عاما، لن يتنازل عن كل ذلك بعد اليوم.

سيدي الرئيس السابق، أخرست ألسنتنا وقيدت حريتنا ثلاثون عاما ولم تكتف بذلك، ومازلت تنادينا بالإخوة على الرغم من أننا لسنا كذلك، اتركنا نصنع بلادنا من جديد وننعم بحرية نحن من صنعناها، وننتظرك في القاهرة بعد أيام للتحقيق، وكما قلت في خطابك الثاني، ليكتب التاريخ ما لنا وما علينا.