رسالة إلى ماسبيرو: احذر الحرية الانتقالية!

تاريخ النشر: الأحد، 20 فبراير، 2011 | آخر تحديث: الأحد، 20 فبراير، 2011
مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون

ربما لم يكن إطلاق سراح ألسنة مذيعي ومقدمي البرامج التليفزيونية والإذاعية بماسبيرو للتعبير بحرية عن مشاعر المصريين أمرا صادما في ظل أحداث تاريخية تشهدها البلاد، لكنه بالطبع يحتاج إلى وقفة لأنه سلاح ذو حدين.

مع انطلاق شرارة التغيير باستئصال رؤوس الفساد في مصر، خرج مذيعو ماسبيرو من كبتهم، فتحدثوا بجرأة بل وابتعدوا عن الموضوعية في بعض الأحيان في الهجوم على النظام السابق، ولكن .. ماذا بعد؟

لم يكن في أحلام أي معارض للنظام السابق أن يدخل مبنى الإذاعة والتليفزيون في عهد الرئيس السابق، لكن برحيله أصبح من الممكن أن ترى إبراهيم عيسى أو بلال فضل أو وائل الإبراشي أو أيا ممن شئت من المعارضين، ليتحدثوا في أي أمر يروق إليهم، لكن ماذا بعد؟

أصبح من حق المواطن المصري أن يشعر بمصريته بسماع ومشاهدة من يدافع عن حقوقه على تليفزيون وإذاعة بلده، ولم يعد المذيع يتعمد وضع كمامة من كمامات الغاز المسيلة للدموع، التي اعتدنا عليها خلال أحداث يناير، على عينه كلما رأى اسم وزير يهاجم من خلال رسالة أحد المتابعين من الجمهور .. وماذا بعد؟

وصلت درجات الحرية أقصاها بمطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمنح وسائل الإعلام الحرية في إظهار الآراء جميعها، فأصبح من حق رجال ماسبيرو الهجوم حتى على جهاز الشرطة وأمن الدولة، بعدما كان خطا يفوق الأحمر بمراحل.

عندما قلت "وماذا بعد؟" في الفقرات السابقة، أقصد بالطبع بعد تولي رئيس جديد قيادة مصر خلال الشهور الستة المقبلة، هل يعود الحال إلى ما كان عليه؟

سلاح الحرية الذي أعاد لماسبيرو جزءا من هيبته أمام مستمعيه في الفترة القصيرة الماضية ـ بعد 11 فبراير بالتحديد ـ قد يكون هو السلاح نفسه الذي ينهي مسيرة مبنى شهد ريادة إعلامية مصرية بدأت منذ تأسيسه عام 1960.

فالتراجع عن السياسة "الانتقالية" سيكون بمثابة المقبرة التي تضم ما تبقى من آذان لاتزال تستمع لما تقدمه الإذاعة والتليفزيون من برامج، وستكون هي الخيانة الأكبر للجمهور بل وأكثر فداحة من طريقة تناول أحداث الثورة.

السياسة التي اتبعها مسؤولو ماسبيرو خلال الأيام السابقة تنص على أن الإعلام داخل المبنى هو إعلام الشعب وليس إعلام الحكومة، (وهو بالمناسبة قاعدة طبيعية حولتها الأنظمة السابقة لاستثناء)، والعودة إلى عكسها هو الكارثة.

ولن يكون هناك مبرر أكثر بلاغة لدى الجمهور للسياسة الحالية سوى بأنها كانت سياسة تهدئة لشعب لم يعد أحمق على الإطلاق، سياسة استغلت أنها بلد "بلا ريس" لترضي جميع الأطراف.

لست متشائما، لكنني لن أدعي التفاؤل المبالغ فيه .. فهي المرة الأولى التي يبرق فيها جمال ماسبيرو بعدما نفض التراب عنه منذ زمن بعيد، ولكن أي غبار جديد لن يزول بسهولة.

أيا كان الرئيس المقبل، فعليه ألا يقع في فخ الاستيلاء على ماسبيرو، وعلى ماسبيرو ألا يسلم نفسه طواعية للحاكم المقبل.

الرئيس المقبل سيكون حاكما لا مالكا .. وبناء عليه، لن يكون مبنى الإذاعة والتليفزيون مأوى للدفاع عن أي خطأ للحكومة أو الحاكم، وإلا فاقرأوا الفاتحة على آخر متابع للبث الأرضي.

ملحوظة: إن كان استمر التليفزيون والإذاعة المصرية في الانحياز للحكومة حتى اليوم، خير لهما من التزام الحياد في فترة انتقالية ثم العودة للانحياز مجددا.