الشعب أسقط النظام .. ومعه أشياء آخرى

تاريخ النشر: الأربعاء، 16 فبراير، 2011 | آخر تحديث: الأربعاء، 16 فبراير، 2011
"أنا من جيل الثورة"

التمس لي العذر عزيزي القارئ إذا وجدتني أكرر هاتين الجملتين كثيرا: "إسقاط النظام"، و"الرئيس السابق حسني مبارك".

أيضا لا تتوقع أن ترى تحليلا سياسيا لما حدث، أو رسما لخريطة مستقبلية لمصر في الفترة المقبلة، فهذه أشياء "ليها ناسها"، وأنا هنا فقط أنقل رأي ووجهة نظر شخص يفتخر بأنه "من جيل الثورة".

وحالي لا يختلف عن جميع الشباب الذين شاركوا في الثورة المصرية، فقد تعرضنا لسخرية من هاجمونا في البداية، والذين أكدوا أنه يستحيل أن تنجح ثورة تم الإعلان عن توقيتها ومكانها!

قصة ثورة

وفي الأيام الأولى من الثورة اتهمونا بتخريب البلاد، قبل أن يصفونا "بالخونة" و"المرتزقة"، وأننا نحصل على أموال مقابل ما نفعله.

كما أننا واجهنا إحباطات كثيرة، سواء قبل بداية الثورة من نوعية "هو إنتوا يعني هتعملوا حاجة"، و"كان غيركوا أشطر"، أو في منتصف الثورة حين طالب الكثيرين بالتوقف، مُعللين ذلك بأن النظام لن يرحل!

لذلك فإن من أبسط حقوقنا أن نفتخر بما فعلناه، وأن نبحث عمن سخروا منا وأحبطونا ونعتونا بأقذر الألفاظ على شاشات التليفزيون الحكومي والصحف القومية، لمجرد أننا نبحث عن مصلحة بلدنا.

وربما يتهم البعض شباب الثورة بأنهم ليسوا "ديمقراطيين"، وأنهم لم يتحاوروا مع منتقديهم أثناء الثورة، وأنهم خرجوا للبحث عن الديمقراطية وهم في الأساس لا يعملون بها.

وبالطبع من حق الجميع الاعتراض على أي شيء وإبداء رأيه، ولكن كان هناك من يريد إخماد نار الثورة بعد إشعالها، وكان علينا منع ذلك بأي شكل من الأشكال.

الموضوع أشبه بسيارة تسير بطريق جبلي، وقد قاربت من حافة الهاوية، وأغلب ركابها يريدون العودة وسلك طريقا آخر، ولكن هناك "أقلية" ترى أنه لابد من استكمال رحلتهم بنفس الطريق! وفي هذه الحالة من الطبيعي أن يُصر الفريق الأول على رأيه، وهو ما حدث أثناء الثورة، والجميع حاليا تأكد أننا كنا على صواب.

ليس النظام وحده من سقط

أفضل ما في ثورة 25 يناير أنها لم تُسقط النظام فقط، بل أسقطت سلبيات كثيرة كانت موجودة في مجتمعنا.

أسقطنا سلبية كانت موجودة في بعض منا ممن يؤمنوا بنظريات "مفيش حاجة هتتغير"، و"اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش".

أسقطنا سلبية تليفزيون وصحف عاشت سنوات تعمل في خدمة النظام دون مراعاة أخلاق المهنة.

أسقطنا خوفا تعشش في صدورنا لسنوات، وتربى على يد النظام الذي قهرنا كثيرا، هذا الخوف زال بعد أن شاهدنا قنابل الغاز المسيل للدموع التي قذفونا بها في جمعة الغضب، بعد أن استمعنا لصوت الذخيرة الحية التي ضربونا بها وأوقعت شهداء من بيننا في اليوم ذاته، أسقطنا خوفا من نظام فاسد سمح لرجاله بإمطارنا بالمياة كالحشرات ونحن نقف بين يدي الله نؤدي صلاة العصر فوق كوبري "قصر النيل".

أسقطنا نظرة البعض إلينا بأننا "شباب تافه" لا يهتم سوى بالكرة والموسيقى، أثبتنا لهم جميعنا أننا الجيل الأفضل، وأن إيماننا بأنفسنا الذي استلهمناه من إيماننا بالله جعلنا نُسقط نظام حكم كانوا ربما لا يحلمون بتعديله في نومهم!

أفتخر بأنني واحدا من عشرات الآلاف الذين آمنوا بالثورة قبل قيامها، وأحد مئات الآلاف الذين خرجوا في جمعة الغضب مطالبين بإسقاط النظام، وواحدا من ملايين تواجدوا بميدان "شهداء التحرير".

فخور بأنني لم أنخدع بخطاب رئيس خرج علينا وسط دماء الشهداء ليخبرنا أنه سيموت في هذه الأرض، وأنني لم أتأثر حين ذكرنا بإنجازاته التي حدثت جميعها في الماضي البعيد.

سأحكي لأطفالي قصة جيل غًير التاريخ، وسأوصيهم بأن يُعلموا أبنائهم الإيمان بقدراتهم ومطالبهم بدون خوف أو كسل.

الثورة لم تنته

مهلا قبل أن تفكر في أنني أدعو لمظاهرات واعتصامات من جديد، فالثورة ضد النظام حققت نتائجها بإسقاطه، والثورة في الميدان انتهت بعدما تسلم الجيش مسئولية البلاد، ورغم وجود بعض المطالب المتبقية، إلا أن احترامنا للمؤسسة العسكرية يمنعنا من فعل شيء قد يغضبهم، ويعطلهم عن عملهم الذي لابد أن نساعدهم عليه.


"الثورة لم تنتهي بعد، ما فعلنا هو مجرد فتح طريق طويل علينا السير به"

هكذا أخبرتني أسماء محفوظ وأنا أتحدث معها عن ملامح الفترة المقبلة، وقد قالت أسماء: نحتاج مجهود أكبر خلال الفترة المقبلة، ونحتاج أن نكون يدا واحدة، لابد من نسيان ما قبل 25 يناير، موظفي الحكومة لابد أن يسقطوا من ذاكرتهم شغل "البسلة والبامية" الذي انتهجوا بعضهم سابقا! عليهم أن يعملوا جيدا وأن يبدعوا ويبتكروا، لابد أن نمحو أمية الجميع، محو الأمية لم يكن يعني يوما من الأيام تعليم القراءة والكتابة، لابد أن ننزع الجهل من أجساد وعقول الجميع، علينا أن نذهب للشباب الجالسين على القهوة دائما، يجب أن نعرف مطالبهم، لابد من التفكير جديا في كيفية بناء هذه البلد، وعلى كل شخص البداية بنفسه.

عار التليفزيون الحكومي والصحف القومية

أخجل أنني أعمل بجهة إعلامية ويكون هذا هو حال التليفزيون والصحافة في بلدي.

مثلما سيتذكر التاريخ هذا الجيل بأنه استطاع تغيير نظام الحكم في مصر .. سيتذكر أيضا تليفزيون تفنن في خداع مشاهديه، وصحفا احترف كُتابها نفاق النظام وخداع الشعب.

وعند الحديث عن التليفزيون، ربما لا أرغب في تسميته بالتليفزيون المصري، فهو تليفزيون حكومي، يُسخر كل جوانبه لخدمة النظام، وقد وصل للقمة أثناء تغطية أحداث الثورة حين أوهم الجميع في بدايتها أنه ليست هناك ثورة، وأن كل ما في الأمر أن قلة قليلة تقوم بمظاهرات بسيطة، وقد تعامل معهم الأمن بمنتهى الهدوء.

ثم بدأ الخداع يأخذ طريقا آخر، فالتليفزيون لم يجد حرجا في اتهام شباب بلاده بالخيانة والعمالة لجهات خارجية، والحصول على أموال مقابل الخروج في مظاهرات والاعتصام في الميدان.

وبالطبع لن ينسى أحد النقل الحي لكوبري أكتوبر وكورنيش النيل، وقد اكتسى كل منهما بالهدوء، بينما تكتظ الأرض بمئات الآلآف من البشر الذين خرجوا لإسقاط النظام!

كما تخلى التليفزيون عن الأمانة المهنية حين استمر في تركيز كاميراته على نقاط هادئة في فجر الخميس الأسود، في الوقت الذي قُتل فيه كثيرون بميدان التحرير وعلى أبواب المتحف المصري، وهو ما كنا لنعلمه لولا وجود كاميرات قنوات "الجزيرة" و"العربية".

بالإضافة للمهازل التي حدثت على شاشات قنوات مصرية خاصة، أبرزها على الإطلاق الفتاة التي ظهرت على "المحور" لتخبرنا بأنها تدربت على قلب نظام الحكم في مصر على يد إسرائيلين، وأنها تم تدريبها في قطر، "واخدين بالكوا من موضوع قطر ده"!

الأمر ذاته بالنسبة للصحافة المفترض أنها قومية، والتي اكتشفت فجأة بعد إسقاط النظام أنه كان فاسدا، ووجهت دعوة لكشف الفاسدين، وكأنها لم تكن تعلم.

التناول الصحفي للثورة كان بالفعل مثيرا للسخرية، فصحيفة الجمهورية كتبت في صدر صفحتها الأولى في عدد 26 يناير أن القاهرة شهدت مظاهرات شارك بها عشرات الأشخاص فشلوا في جذب انتباه المارة! أما الأهرام فقط تحدثت عن نزول المواطنين للشوارع لإهداء شوكولاتة ووردة لكل عسكري بالشارع، والاحتفال معهم بعيد الشرطة!

كل هذه الأشياء كانت تجعلنا نستمر في ثورتنا، وعدم الاكتراث بما يُقال بجانبنا، وكان من المستحيل أن نُصدق رئيس تحرير كان سيُزيد من خداعة لنا في حالة فشل الثورة، وكان سيتحدث عن "الشباب السيس" الذين كادوا يُخربون البلاد لولا حكمة ودهاء رأس النظام!

المجد للشهداء

أحمد بسيوني، سالي زهران، مصطفى رجب، سليمان صابر، إسلام بكير، مصطفى الصاوي، الطفل بلال، وغيرهم، أنتم من صنعتم ما حدث، يستحيل نسيانكم بعد أن فارقتم الحياة أمامنا، صوركم ستظل دائما في أذهاننا، ونتعهد بأننا سنحقق ما كنت ترغبون فيه عندما عرضتم حياتكم للخطر، رحمكم الله جميعا.

حكمة الثورة: الجدع جدع .. والجبان جبـــــــــان