مصر بتتغير بينا و"الشعب يريد ..."

تاريخ النشر: الأربعاء، 9 فبراير، 2011 | آخر تحديث: الأربعاء، 9 فبراير، 2011
الدعوة للتظاهر في جمعة الغضب يوم 28 يناير

ذهب عهد شعارات الحزب الأوحد "فكر جديد" و"مصر بتتقدم بينا"، وفرض الشباب المصري الأصيل شعارا واحدا لم يتمثل في قول فارغ عالي الصوت كالطبل الأجوف، وإنما فرض على الشارع حالة من الحرية والتمرد، التي ظل لسنوات طويلة محروما منها، حتى ظن الجميع أنه نسيها، تحية حب وإجلال وتقدير واحترام لثوار مصر شباب "25 يناير".

وقبل ترك أنفسنا لرصد ما أسفرت عنه الثورة حتى الآن، وما ستحققه خلال الفترة المقبلة، أسمحوا لي أن أسجل ذكريات عشتها بين مئات الآلاف من الشباب المصري، في شهادة لا أعتبرها شهادة شخصية، بقدر ما أراها تسجيلا ليوم عاش فيه شباب مصر الحلم، وحققوه على الأرض....

دقائق مرت طويلة جدا داخل المسجد أثناء صلاة جمعة 28 يناير 2011، منتظرا انتهاء الصلاة ليهب المسجد بمن فيه في مظاهرة مدوية تطالب بعودة مصر لنا، ورغم أن لا المسجد الذي صليت به، ولا غيره من المساجد المحيطة خرج في مظاهرة، كنت محظوظا عندما وجدت بالصدفة مجموعة صغيرة من الشباب يهتفون مطالبين بـ"التغيير" وأقصد هنا بالتغيير: تغيير كل شيء.

سارت مظاهرتنا الصغيرة في الشوارع وقبل مرور ربع ساعة كانت الجموع تتزايد بشكل كبير يبث الحماس في نفوس المتظاهرين اللذين حرصوا طوال مسيرتهم على ترديد الهتافات السلمية، والحفاظ على الممتلكات العامة، حتى أنني رأيت بعيني الشباب وهم يطلبون بعض الصبية بعدم الصعود عل السيارات لتصوير المسيرات، التي لم تشهدها الأجيال الجديدة إلا في الأفلام العربي القديمة.

لم ندر بأنفسنا إلا وأننا قد سرنا من "عين شمس" إلى "ميدان التحرير" على أقدامنا، ولم تتوقف حناجرنا عن الهتاف طوال الطريق، تتضاعف أعداد الشباب الذين التحموا مع المسيرة من كل المناطق التي مررنا بها، لا نعرف بعضنا البعض، ولم نجتمع معا من قبل، لكن الهتاف وحد الجميع وكانهم فرد واحد.

وصلنا "باب اللوق" بعد صدور قرار حظر التجول بدقائق، وكانت المصادمات لا تزال دائرة بين المتظاهرين الذين سبقونا وبين قوات الأمن المركزي، ونالنا من القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي قدر غير بسيط، إلى أن بدأت قوات الجيش تظهر لتأمين مبني ووزارة الداخلية، الذي كان المتظاهرون مصرون على اقتحامه.

كانت نهاية هذا اليوم الذي عرف فيما بعد بـ"جمعة الغضب"، التفاف المتظاهرين حول عربات الجيش التي نزلت ميدان التحرير، والتي لم يرها معظمهم أيضا تجوب شوارع القاهرة، التي كان آخر تواجد لها فيها منذ عام 86 أثناء ما عرف وقتها بـ"أحداث الأمن المركزي"، وردد المتظاهرون هتافات "عاوزين الجيش يحمينا الشرطة بتضرب فينا"، و"الشعب والجيش إيد واحدة"، وتحول هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام" إلى "الشعب يريد من الجيش إسقاط النظام".

انتهت ساعات هذا اليوم، لكن آثاره لم تنته حتى الآن، ولن ينساه التاريخ المصري الحديث، فقد استقر المتظاهرون الذين واجهوا رصاص الشرطة، وامتلأت صدورهم بدخان قنابلها المسيلة للدموع، ساحة ميدان التحرير رافعين مطلبا واحد لم تستطع كل الإصلاحات التي "وعدت" بها الحكومة والرئيس حتى الآن، أن تجعلهم يتراجعوا عنه، وهو "الشعب يريد إسقاط النظام"، الذي حاولوا أن يجعلوه أكثر وضوحا وتحديدا فجعلوه: "الشعب يريد رحيل الرئيس".

ورغم المحاولات العديدة التي يبذلها الداعون للاستكانة، والعودة لمزاحمة النمل في جحوره تحت دعوى "الاستقرار"، وأعوانهم بمختلف أشكالهم وفئاتهم، بدءا من التليفزيون المصري الذي يستحق وحده ثورة من هذا الشعب الذي يصر هذا التليفزيون أن يحتقره ويستخف بعقوله، ونهاية بأصحاب المصالح الذين استغلوا طيبة وجهل بعض فئات الشعب لترويع الثوار، فإن الحرية عندما يضيء شعاعها مكان يكون من الصعب بل من المستحيل أن يطفئه أحد.

وفي وجهة نظري أن الإعلام المصري بكل فروعه "المقروء والمرئي والمسموع"، استفاد من هذه الثورة، استفاد بأن عرف وتأكد أن الحقيقة لا يمكن إخفاؤها، وأن صوت الحق يصل مهما كان ضعيفا، ومهما حاول الرافضون التشويش عليه، وهو ما وضح مؤخرا فيما شاهدناه من تحول كامل لموقفه من الأحداث التي فرضت نفسها، فأصبحنا نرى الإعلام المصري الذي كان يقول على المتظاهرين أنهم قلة مندسة، وعملاء وخونة وأصحاب أجندات و"يأكلون الكنتاكي"، يصف هؤلاء الشباب بأنهم أعظم ما أنجبت مصر، وبأنهم أصحاب الثورة التي حققت للشعب المصري داخل وخارج مصر ما فشل فيه الجميع خلال 30 عاما.

مرة ثانية، تحية حب وإجلال وتقدير واحترام لثوار مصر شباب "25 يناير"، ولشهداء الثورة الذين رسموا لنا بدماهم خريطة الحرية، واضحة الملامح.

واسمحوا لي أن يقرأ المسلمون "الفاتحة" على أرواحهم الطاهرة، ويصلى لهم المسيحيون.