من قلبي وبأعلى صوتي: أنا مصرية .. وأفتخر

تاريخ النشر: الأربعاء، 2 فبراير، 2011 | آخر تحديث: الأربعاء، 2 فبراير، 2011

تغمرني هذه الأيام مشاعر لم أتصور أن أعيشها في يوم من الأيام بهذه الطريقة، وهو ما أظن أنه سيوافقني عليه الأغلبية العظمى من "ولاد وبنات بلدي" المصريين.

بصراحة شديدة، أنا لم أكن من مشجعي المتظاهرين وحركة 25 يناير، ولكني كنت معجبة بحماسهم وإجماعهم على موقف واحد، أمر يدعو للإعجاب حتى لو كانت هناك أمور غير منطقية في الحركة نفسها.

عيوب مظاهرة الشباب المثيرة للإعجاب

اسمحوا لي أن أعبر عن رأيي، وأن أقول أني كنت أرى أن الموضوع على حماسته إلا أنه غير منظم بشكل محترف، فبديهي إذا رغبت مثلا الحكومة في التحدث إلى هؤلاء الشباب وسألوا "لما أحب أكلم شعب مصر أكلم مين؟" لن تجد شاب واحد يمكنه أن يكون المتحدث عنهم، بل ستجد، وهذا المتوقع، من يخرج ليقول أنا هتكلم نيابة عنهم، مثل رؤساء أحزاب المعارضة أو حتى هذا "الكائن" البرادعي أو "الشخص" أيمن نور، تشعر وكأنهم "ما صدقوا وبيتمحكوا فيهم وعايزين ينهشوا في تورتة البلد بأي طريقة".

"مين دول علشان يتكلموا على لساني أو لسان باقي الشباب أصلاً، مين اللي إداهم الحق في ده، أنا لو طلع ولد محترم من المتظاهرين وقالي أنا هتكلم باسمك وباسم شباب مصر هقولوا أنا موافقة، لكن دول بيتكلموا باسمهم هما وباللي هما عايزينه!!".

إلى جانب أني في رأيي لابد وأن تكون المطالب واضحة و"مقنعة"، فمن يقول "مبارك لازم يمشي، وخلاص" مطالبه لن تؤخذ على محمل جد، لابد من أن تحدد لمن هم أمامك المطالب التي تريدها بشكل مرتب، وتقنعهم بإمكانية تنفيذها بأن تعطيهم الحلول المقنعة، مثل من سيحل محله الآن وبسرعة وبشكل يضمن عدم إنهيار الدولة المفاجئ! من لديه القدرة على إنه "يجرب فينا" التحكم فيها وإدراتها دون أن "يضعنا"!

ولكن إلى جانب حماس المتظاهرين المبهر، يمكنني القول أننا كشباب أسكتنا أي شخص "ينبح" ويقول أن مصر فيها فتنة طائفية، انت لا يمكنك أبدا تحديد المسيحي من المسلم في هذه المظاهرة والجميع يهتف من أجل حب ومصلحة مصر.

الجماعة المدسوسة، ومخطط التدمير

ولكن غير ذلك، بصراحة أنا لم أتوقع كل هذا الهرج و"السفالة" التي حدثت من بعض الخارجين ومنعدمي الإحساس أو الضمير واستغلالهم مشاعر المتظاهرين النبيلة وحماسهم المثير للإعجاب لصالح أغراضهم الـ"زبالة".

في مساء الجمعة ظهرت الناس الذين يحرقون سيارات الشرطة، ويحرقون مبنى الحزب الوطني ويسرقون محتوياته، لأجد نفسي أقول "العيال الزبالة دي مش هما النضاف ولاد الناس اللي كانوا بيهتفوا الصبح"، وبدأت معالم مخطط التدمير تظهر بسرعة، واكتشفت ليلتها ومع الأيام أن هناك خيانة داخلية وخارجية للبلد ومبارك والشعب.

هؤلاء ليسوا مصريين، والأيام ستثبت للجميع أن هناك مخطط قذر، بدأ داخليا وأصبح دوليا، لانهيار مصر وغرقها من الداخل.

لأول مرة أقول "مصرية وأفتخر"

وما حدث من "ولاد بلدي" مساء الجمعة هو ما قشعرني ومازال يُدمع عيني كلما أتذكره، "بجد رجالة ما شاء الله"، عندما وصلني البيان الرسمي من المتظاهرين وكيف أكدوا أننا لا علاقة لنا بالنهب والسرقة ونناشد الجيش المصري ليساعدنا لى حماية البلد وممتلكاته، وكيف وقفوا و"طوّقوا" المتحف المصري لحمايته من هؤلاء "الزبالة" الذين حاولوا سرقته قلت في نفسي "الله أكبر، ربنا يحمي ولادك يا مصر".

وأن يسهر كل ولاد المنطقة التي أسكن فيها، رجالها وشبابها وحتى صغارها "13 سنة مثلاً"، كل ليلة ويتناوبوا على حراستي أنا وغيري من الأهالي، جعلني أدعو الله من كل قلبي "يا رب احفظ كل ولاد وبنات مصر من كل شر ومن كل سوء وبارك فيهم"، وملأني احساس "أنا مصرية .. وأفتخر".

لا توجد دولة واحدة في العالم كله يمكن أن يقف شعبها بهذه الطريقة مع بعضه أبداً، لم ولن ترى شعب أي دولة أخرى يدافع عن أرضه وأهله بكل هذا الشغف والحماس.

"والله مصر مطمع دولي"!

أقصى توقعاتي السيئة من المظاهرة كانت أن الدول الخارجية ستحاول استغلال الموقف و"تبيع" مبارك وتقول لشعب مصر "احنا مع شعب مصر الطيبين الحلوين وهنساعدكم يا شعب مصر علشان تتخلصوا من الراجل الطاغية الوحش اللي متحكم فيكم ده"، وفجأة نجد أنفسنا مثل "العراق"!

لأن مصر دائما وأبداً هى مطمع للجميع، أينعم خلال 30 عام من هم فيها هم من نعموا في خيرها وسرقوها، لكن هذا لا يمنع أنها طالما كانت تثير لعاب أي دولة أجنبية، وفي انتظار أي "خرم يقدروا يخشوا مصر منه"!

لقد كنت أحبس أنفاسي وأنا منتظرة أول بيان لهيلاري كلينتون الجمعة الماضي عقب ما حدث في مصر، و"السخيف" أنها طال انتظارها، ولكنها في هذا اليوم أكدت أن أمريكا مازالت باقية على مبارك ومتمسكة به و"من الآخر" هتديلوا فرصة، تنفست وقلت الحمد لله.

لكن ما أرعبني هو ما حدث في الأيام التالية، لا توجد دولة أجنبية واحدة إلا وتحدثت عن مصر، "اللي أصلا عمرهم ما جابوا سيرة مصر إلا عن الأهرامات والجـِمال اللي فيها"، كل دولة أجنبية "جتلها الجرأة للأسف دلوقتي" لتتحدث عن شعب مصر والقمع الذي يشعر به!

وأمريكا بدأت تغير في نبرة صوتها نحو مصر، "مبارك معملش اللي عليه"، "الحكومة هتتغير"، "إسرائيل مركزة أوي مع اللي بيحصل في مصر"، "كل السفارات الأجنبية تقوم بترحيل مواطنيها خارج مصر"، تشعر وكأنه إنذارا بقيام الحرب في أي لحظة!


لا أسمح لغيري التحدث عن بلدي وِحش!

وطبعا ما زاد وغطا على الأمر، تناول القنوات العربية - عربية اللغة فقط - الأخرى لما يحدث في مصر بتشفي و"قلة أدب" واضحة، وكيف كانوا يلقون الأضواء على كل ما هو سلبي ويزيد من "تسخين المصريين اللي مش ناقصين".

كنت أشعر وكأن ما يحدث مثلا عندما تكون هناك "خناقة" بيني وبين أحد من أهلي أبويا أو أمي، وأتحدث مع صديقة لي عما حدث، فأجدها تتحدث بعدها بشكل سئ عن أبويا أو أمي، "لأ كده مينفعش، محدش يتكلم عن أهلي أو بيتي أو بلدي وِحش غيري"، عيب أوي ما حدث فعلاً!

"ارحموا عزيز قوم إتذل!"

والله صعب عليا مبارك واللي حصلوا، أنا مع أي أحد يقول أن هذا البلد فيها كثير من الفساد وموافقة تماما معه، وكنت أرى أن متظاهري 25 يناير وصباح جمعة الغضب واضحين فيما يطلبون و"محترمين"، فلم أر مثلا في المظاهرتين من يرفع صورة مبارك مشطوب على صورته وآخر يمسك "جزمته" ويضرب بها وجه مبارك في الصورة! لم أر وقتها من يرفع دمية لمبارك ويقوم بشنقها في الميدان! لم أر من يطالبه ليس فقط بالتنحي عن الحكم بل من الرحيل عن مصر كلها!

لكني رأيته في المظاهرات التي وقعت بعدها وبعد النهب وبعد تغيير الحكومة، رأيته في المظاهرات التي كان يقوم بها أشكال عجيبة من الناس لا يفقهون معنى التظاهر أو الهدف منها، عندما يتحدث أي منهم على الشاشة تشعر وكأنه "حافظ مش فاهم" ينظر إلى أعلى وهو يرد ويتذكر سبب وجوده في ميدان التحرير "آه .. إحنا مش عاجبنا الظلم .. آه ه ه ه واااا مش لاقيين ناكل ..." كأنه على وشك أن "يخبط دماغه ويقول أنا فاكر شكل الجملة دي وأنا بحفظها... فاكرها والله"!!

ولأنه مش فاهم بدأت مطالب هؤلاء تكون أكثر حدة عن الحد المنطقي، ودون أن حتى يفكر في العواقب التي تعيش البلد فيها الآن من وقف حال البلد وعدم تمكن أهلها من الذهاب إلى أعمالهم وعدم حصول الجميع على رواتبهم، حالنا وقف فعلاً!

وأنا متأكدة والأيام ستثبت لكم صحة كلامي، أغلب هؤلاء الجاهلين والـ"حافظين مش فاهمين" مجموعة أجيرة يقفون في التحرير بأجر، والله على ما أقوله شهيد، وأكرر أن الأيام ستثبت لكم صحة كلامي.

واستعيبت ما يحدث جداً، عيب بجد، حال البلد يسوء، وتم إذلال هذا الرجل بشكل مهين أمام العالم أجمع، الراجل ده على سنه وكهولته، على الرغم من كل المساوئ التي وقعت في مصر، والتي قد يكون هو ليس السبب الرئيسي والفعلي فيها – الله أعلم فعلاً إلا إذا كان هناك من لديه فيديو يظهر فيه مبارك نفسه وليس العصابة التي حوله وهو يسرقنا وينهبنا كما يقال! – إلا أن ما حدث هذا الأسبوع أكد لي أن الراجل ده "حاش عننا" الذئاب الجائعة والطامعة فينا من الدول الأخرى لمدة 30 سنة، لم تفكر أي دولة من مجرد حتى التحدث عن مصر ولا شعبها.

لم أعش في أي يوم طوال سنوات عمري وأنا خائفة ولا استطيع نزول الشارع وأنام وبجانبي سكينة كبيرة، هذا إذا نمت أصلاً، إلا هذا الأسبوع.

ما حدث في مصر جعل الدول الأجنبية تجد "الخرم" الذي شعروا أنهم سيدخلون مصر من خلاله، كما أتاح فرصة لخونة من الداخل ليبيعوا البلد، متوقعين أنها ستغرق بشعبها رافعين شعار "عليا وعلى أعدائي".

ولكن ما لم يتوقعه أحد هو أن مصر فيها رجالة، هيحافظوا على أرضها وعرض أهلها تحت أي ظرف وأي خطر داخلي أو حتى خارجي.

أنا متأكدة من أن ما قام به رجالة مصر، بعيدا حتى عن الجيش، أدخل الرعب في قلوب كل من فكر للحظة أن مصر فريسة سهلة أو يمكن الوقوع بها.

أرجوكم التعقل للحظة

فكروا بعقلانية، وبعيدا عن الشعارات، وستجدوا أن ما حدث لنا خلال الأيام الماضية لهو "حاجة بسيطة أوي" من "المصيبة" التي يمكن أن تحل على مصر إذا مات مبارك فجأة أو تنحى فجأة أو سافر واختفى فجأة، بعد كل ما حدث له وكل الذل والإهانة لم يتركنا فجأة كما فعل رئيس تونس، بل تحمل وانتظر وعين لنفسه أول نائب منذ 30 عام، ومن يركز في اختيار السيد عمر سليمان تشعر أنه بالتأكيد اختاره ليكون مكانه الأكثر تعاملا مع الدول الأخرى ليبعدهم عنا في حالة توليه المنصب، والسيد أحمد شفيق أرى أنه شخص محترم جدا وأعجبت بحديثه أمس في المحطات المختلفة وأنه ذو عقلية منطقية حكيمة.


ما أرجوه وأطلبه من رجالة مصر

-أن يتركوا ميدان التحرير، والشارع في كل محافظات مصر، وأن يتوقفوا عن التظاهر لتتمكن حياتنا من العودة من جديد.
-أن يعطوا الفرصة للحكومة الجديدة لكي تثبت وجهات نظرها الجديدة، أنا أرى أننا صبرنا على الحكومة السابقة لمدة 7 سنوات لكي "تمص دمنا"، أرجوكم أعطوا الحكومة الجديدة الأشهر المقبلة لكي تصل بنا لحالة من الاستقرار مرة أخرى، وسنرى معاً إذا كانوا سيغيرون من الدستور وأحوال البلد كما وعدوا أم لا.
-في جميع الأحوال، يمكنني أن أقول لكم، لقد فعلتموها يا رجالة مصر وشبابها المثقفين، أوصلتم مطالبكم وغيرتم الحكومة، وإذا لم يعجبكم ما سيحدث في المستقبل القريب، فلقد تعلمتم وتعلمنا جميعاً الآن الطريقة الصحيحة للمطالبة بالحق بشكل "محترف" ومؤثر.
-أرجوكم اتركوا مبارك في حاله بآخر أيامه، و"ارحموا من في الأرض يرحمكم من بالسماء"، ويكفيه ما شهد عليه من ذل له وإهانة تفوق الوصف، وأن يموت هذا الرجل على أرض مصر، كما يتمنى، لهو أقل ما يمكن أن تقدمه البلد له فعلاً.

ويا حكومة، أرجوكم رجعوا ثقة شعب مصر فيكم وأوفوا بعهدكم لنا، لأنكم إذا حققتم ذلك ستجدون الشعب والله بجانبكم ومعكم من جديد لهدف واحد، وهو مصلحة "مصر".

وقبل أن أنهي كلامي، أحب أن أحيي كل فنان وفنانة شاركوا في دفاعهم عن مصر ومصلحة شعبها من البداية طلبا للتغير وحتى عقب تغيير الحكومة والدعوة لاستقرار أحوال البلاد.

من رأيتهم يعيني هم: أشرف زكي - خالد الصاوي - خالد صالح - عمرو واكد - خالد يوسف - بلال فضل - أيمن بهجت قمر - زينة - كاملة أيو ذكري - حسن يوسف وغيرهم.

كما أشكر رجل الأعمال نجيب ساويرس، المحامي مرتضى منصور والشقيقين حسام وإبراهيم حسن على رأيهم المنطقي وكونهم صوت العقل في ما يحدث الآن.

اللهم بحق عظمتك وعزتك وجلالك وعدد خلقك ومداد كلماتك أن تحفظ مصر وشعبها من كل سوء.

آسفة على الإطالة، وأختم كلامي بقولي: أنا وبكل فخر في الدنيا .. الحمد لله، مصرية :)