أفلام التحرش

تاريخ النشر: الثلاثاء، 4 يناير، 2011 | آخر تحديث: الثلاثاء، 4 يناير، 2011
فيلم 678 يحارب التحرش

أمام إحدى دور العرض في مدينة نصر نظرت إلى إعلاني فيلمين لا ثالث لهما، 678 و"بون سواريه".

كنت قد شاهدت جميع الإعلانات (تريلر) الخاصة بالفيلمين وقرأت واستمعت إلى مجموعة من الآراء، واتخذت قرارا مسبقا قبل الوصول إلى دار العرض بدخول 678، وهو قرار لم أندم عليه.

كل من في صالة العرض يعرف جيدا أن 678 فيلم يعالج ظاهرة التحرش الجنسي التي تفشت في مصر مؤخرا، ولذلك حرصت بجانب مشاهدتي للفيلم على مراقبة رد فعل الجمهور ومعظمه من الشباب.

لن أخوض في أحداث العمل الذي رأيت مؤلفه موفقا إلى حد كبير في عرض المشكلة من خلال قصص واقعية حدثت بالفعل، لكن ما لفت انتباهي هو التعليقات الساخرة لبعض الشباب خلال المشاهد الأولى للفيلم وسخريتهم من موضوعه خلال أول ربع ساعة.

وربما كانت أجمل لحظات الفيلم هي تحول السخرية إلى حالة السكون بين الجمهور وهو يتابع المعاناة النفسية والإنسانية للضحايا أو لأقاربهم من الرجال، وكأن جمهور الصالة يتعرف للمرة الأولى على الوجه المقيت للتحرش الجنسي، وكأن الفيلم يزيل طبقة من التجاهل ودفن الرؤوس في الرمال لفترة طويلة جدا.

حالة الصمت كانت تنقطع بتعليق من هنا أو من هناك لإنكار واقعية ما يحدث باعتباره "شغل أفلام"، وفي الاستراحة أشعل الكثيرون سجائرهم ليؤكدوا أمام باب القاعة أن الظاهرة ليست بهذا السوء، وهي كلها مؤشرات إيجابية لأنها تؤكد أن رسالة الفيلم وصلت للجميع بفضل أداء مميز لطاقم العمل وأخص منهم بشرى وناهد السباعي، بمساعدة من الموهوبين باسم سمرة وماجد الكدواني.

678 نجح في التعبير عن الشارع المصري وعن قيمه بدون إسفاف أو مشاهد يخجل رب الأسرة من مشاهدتها مع أفراد أسرته وأيضا دون مشاهد العنف التي تضمنتها أفلام مرحلة التسعينات التي تناولت قضايا الاغتصاب مثلا، وذلك برفع شعار الصراحة الشديدة وتحدي ما يسميه البعض بالـ"عيب" دون أي سند أخلاقي، كما تزامن الفيلم مع مبادرة إطلاق خريطة التحرش الجنسي على الإنترنت بواسطة شباب مصري من الجنسين وذلك دون اتفاق سابق بين المبادرة أو الفيلم.

وعلى الجانب الآخر الموضوعية تقتضي أن نشير إلى أن عيوب الفيلم تمثلت في الأسلوب المباشر في الطرح بالإضافة لعدم وجود مبررات درامية كافية للإقناع بالتحول في شخصية ضابط الشرطة أو الزوجة المتمنعة عن زوجها وعلاقة التدين بانتشار ظاهرة التحرش حتى من جانب الضحية نفسها، لكن إجمالا العيوب الفنية مقبولة جدا أمام مضمون الفيلم.

وبالخروج من قاعة العرض استرقت السمع لمناقشات المشاهدين عن قصص بطلات الفيلم، واقتربت من مجموعة أخرى تنتظر الحفلة القادمة من فيلم "بون سواريه" في نفس دار العرض، ورغم عدم اختلاف المرحلة العمرية للمشاهدين إلا أن نقاشهم كان عن بطلات الفيلم أيضا ولكنه كان عن أشياء مختلفة تماما.

باختصار كانت مصادفة مهمة أن تجمع دور العرض المصرية بين فيلمين يجمع التحرش الجنسي بينهما، مع الفارق أن أحدهما يساهم في حل المشكلة بإثارة الذهن، والآخر يساهم في تفاقمها بإثارة أشياء أخرى.

وفي الطريق للمنزل تذكرت كيف يحرك بعض المحامين دعاوى ضد الأفلام التي تضمن مشاهد عري باعتبارها تسيء لسمعة مصر أو لعادات وتقاليد المجتمع المصري، وكيف أن بعض هذه الدعاوى يجب أن يتم رفعها ليس للعري غير الموظف دراميا أو للابتذال إنما لسوء مضمون هذه الأفلام واحتوائها على مشاهد تتعامل مع التحرش باعتباره نوعا من "خفة الدم" وهي مسألة متكررة في أفلام صغار الممثلين وكبارهم أيضا.

كنت أشعر بالأمل والتفاؤل، وبمجرد عودتي إلى المنزل فتحت الكومبيوتر لقراءة المزيد عن 678 لتتبخر مشاعري بعد قراءة الخبر التالي على موقع "المصري اليوم": بلاغ للنائب العام يطالب بوقف عرض فيلم «٦٧٨» ويتهمه بتحريض الفتيات على ضرب الشباب في مناطق حساسة!

تابعوني على تويتر

http://twitter.com/nasry

أو على فيس بوك

http://www.facebook.com/people/Nasry-Esmat/529965924