انقذوا مهرجان القاهرة السينمائي أو اعلنوا "وفاته"

تاريخ النشر: الثلاثاء، 14 ديسمبر، 2010 | آخر تحديث: الثلاثاء، 14 ديسمبر، 2010
شعار الدورة الـ34 لمهرجان القاهرة السينمائي

"إذا أردت أن تطاع فأمر بما يُستطاع" حكمة عظيمة جميعنا يعرفها، ولا يختلف عليها اثنان، لأنه بكل بساطة، إذا أمرنا بما لا يستطاع، فلن يكون أمامنا إلا خبط رؤسنا في الحائط، لأن هناك حقيقة ساطعة ألا وهى: لن يستطيع أحد مهما كان مجتهدا ومطيعا تنفيذ المستحيل.

الحقيقة السابقة تنطبق -طبعا- على أشياء عديدة، لكني أقصد بها هنا أمر واحد من هذه الأشياء العديدة، وهو "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، هذا المهرجان العظيم، الذي لا يخفى على أحد مدى أهميته الثقافية والتاريخية لمصر، ولمن يريد التذكر يمكنكم قراءة (تاريخ مهرجان القاهرة السينمائي بعد 34 دورة في سطور)، هذا المهرجان أصبح بحق بحاجة للإنقاذ، بدون تهويل أو تهوين، نعم بحاجة للإنقاذ، ولحسن الحظ لا يزال هناك وقتا، لنظل في الريادة، لا تزال هناك فرصة للحفاظ على موقعنا المتميز والمتقدم، بشرط أن نؤمن أن الوقت ليس طويلا، والفرصة ليست مفتوحة، للأسف البساط يسحب بهدوء وبثبات من تحت أقدام مهرجاننا الأعرق في المنطقة بأسرها، من مهرجانات وليدة، والسبب مجرد حفنة من الدولارات.

آن الأوان أن ننفق أموالنا، أقصد طبعا أموال الدولة، في أمر مفيد، يجعل لكلمة "الريادة" الإعلامية، التي التصقت بألسنتنا وآذاننا منذ عصر وزير الإعلام الأبرز في التاريخ المصري الحديث صفوت الشريف، معنى، خاصة أن هذه الريادة، تم سحبها بالفعل في العديد من المجالات الإعلامية، ومنها: "الإعلام الإخباري" من خلال "الجزيرة القطرية"، و"الإعلام الترفيهي" من خلال القنوات اللبنانية، التي أصبحت لا يشق لها غبار في هذا المجال، وننازع بشدة للتمسك بآخر بقايا الريادة الدرامية، مع الشقيقة سوريا، التي امتطت صهوة الدراما التليفزيونية من سنوات قليلة، وبعد كل هذا ألا يجب علينا التحرك وبكل قوة وسرعة، لإنقاذ آخر وأقوى صروحنا في "الريادة" وأقصد به مهرجان القاهرة السينمائي.

وإذا كانت المشكلة في تمويل المهرجان ماديا، ورئيسه الحالي الفنان عزت أبو عوف، يصرخ مثل رؤسائه السابقين، من قلة التمويل، قائلا: ميزانية المهرجان ثمانية ملايين فقط، ومطلوب منه منافسة مهرجانات مثل دبى، الذى تتعدى ميزانيته 100 مليون جنيه، فلماذا لا تزيد ميزانيته، خاصة أن هناك عدة جهات يمكنها المشاركة في هذا الحدث، منها: وزارة الثقافة، ووزارة السياحة، ووزارة الإعلام، ونقابتي السينمائيين والمهن التمثيلية.

وللحقيقة مبلغ ثمانية ملايين قليل جدا كميزانية لمهرجان دولي، صاحب سمعة طيبة وتاريخ ممتد، وأحد أهم 11 مهرجانا سينمائيا على مستوى العالم، فالميزانية المبدئية لأي فيلم سينمائي حاليا تتجاوز هذا الرقم بمراحل، بل وصل أجر بعض النجوم بالفعل إلى أكثر من هذا بكثير، فكيف إذا ننافس عالميا بهذا المبلغ؟!.

إذا كنا نعتمد على علاقات الفنان عمر الشريف الشخصية الجيدة وسمعته الطيبة عالميا، في اجتذاب نجوم الصف الأول بهوليوود، فإن هذا لا يمكن الاعتماد عليه كثير، أطال الله لنا في عمره، فيجب أن نتعامل بشكل مؤسسي لا فردي، يجب أن نعتمد مثل جميع المهرجانات في العالم كله، على الإمكانيات البشرية والمادية، يجب أن تكون هناك إغراءات لقدوم النجوم الأجانب للمشاركة في المهرجان، وقبل إغراء النجوم الأجانب، علينا أولا التفكير في طريقة نجذب بها النجوم المصريين، الذين ظهر واضحا إحجامهم عن المشاركة في المهرجان، لن أقول "مقاطعتهم"، لأن أحدهم لم يصدر بيانا يقرر فيه مقاطعة المهرجان.

ولنكن صرحاء مع أنفسنا وواقعيين، نحن نعيش عصر الاحتراف، كما في الرياضة هو أيضا في الفن، فلم يعد هناك من يلعب لـ"روح الفانلة"، كما لم يعد الفنان يقدم فنه هبة لـ"ربة الفن"، وإنما أصبح هناك عقود وشروط جزائية، واحتكار، وملايين توزع هنا وهناك، لذا من غير العدل أن نغضب من مشاركة نجم في مهرجان عربي رغم عدم مشاركته في مهرجاننا، لأن المهرجانات العربية، تقدم ما قلت عنه في الفقرة السابقة "إغراءات"، منها السفر والنزول في فندق فخم، فبعض الفنانين يعتبر المشاركة في المهرجانات العربية فترة راحة واستجمام، بالإضافة إلى مبلغ محترم، يمكنه على رأي الفنان محمد هنيدي من أنه: "يسوي شوبينج".

هذا بالإضافة إلى ضرورة التمويل الكافي، لإغراء أفلام عالمية بالمشاركة في المهرجان، أو على الأقل الموافقة على عرضها ضمن فعالياته في وقت مبكر من إنتاجها، فالمهرجان ليس حفل افتتاح يحضره نجما لمدة نصف ساعة ويتم تصويره وقد رسم على وجهه تعبير الاندهاش والإعجاب، أمام أبو الهول، وقد ارتدى "طاقية الدكتور زاهي حواس الخوص"، المهرجان هو ضيوف، وأفلام على مستوى عالي تتنافس، وأقول على مستوى عالي، لأن هذا هو السبيل الوحيد للحفاظ على قمية جوائز المهرجان، التي أصبحت للأسف تذهب لأحسن الوحشين.

استحلفكم بالله، إذاكان كل هذا الكلام الذي أقوله، والذي قاله من قبلي الكثيرون، لن يجد طريقا إلى أسماعكم، وفرصة لتنفيذه، هناك اقتراح آخر يمكن أن أقدمه، وهو أن نحترم تاريخ المهرجان ونعلن إيقافه، لأجل غير مسمى، احتراما لذكري مؤسسيه وكل من تعب في رفع اسمه عاليا، فمن يموت كبيرا يظل كبيرا ... في الذاكرة.