بوجونيا "يورجس لانثيموس": كائن فضائي يفضح حقيقة زيف الواقع وفن صناعة المؤامرة

تاريخ النشر: الأحد، 30 نوفمبر 2025 | آخر تحديث:
بوجونيا

* د.أحمد مجدي ناقد وعضو هيئة تدريس بقسم الدراما والنقد المسرحي بكلية الآداب جامعة عين شمس

طرح" نيك بوستروم Nick Bostrom" الفيلسوف السويدي المتخصص في مجال الفلسفة والتكنولوجيا، فرضية عام 2003، تؤيد احتمالية أن العالم الذي نعيشه ما هو إلا محاكاة حاسوبية، مثل فيلم المصفوفة (The Matrix) عندما يكتشف البشر أنهم مجرد عبيد عند مجموعة من الآلات المتطورة التي تستخدمهم في إنتاج الطاقة، وأن العالم الذي نعرفه لا يعد سوى خداع بصري متقن، يعمينا عن حقيقة عدم وجود واقع، وأن الحياة برمتها غير حقيقة، تشبه ألعاب الحاسوب المتقنة ليس إلا.

نرشح لك: دموع وأحضان واحتفالات العروسين ... 15 صورة من احتفال محمد هنيدي بعقد قران ابنته

فرضية بوستروم تفتح المجال أمام أسئلة وجودية مثل: من نحن؟ وإلى أين سنذهب؟ وما هي الحقيقة؟

يسأل البشر نفسهم نفس الأسئلة المصيرية وذلك منذ قديم الأزل، وهو ما طرحته السينما في العديد من الأفلام الهامة، وعلى رأسها فيلم بوجونيا (Bugonia) للمخرج اليوناني (يورجس لانثيموس)، وهو فيلم مشتق من عمل كوري يحمل عنوان "أنقذوا الكوكب الأخضر"، وقد حصل بوجونيا على إشادات نقدية واسعة نظرًا لفكرته الذكية والمبتكرة في طرح مزيج فكري فلسفي يجمع بين فرضية (بوستروم)، وبين معتقد في الثقافات القديمة (ظهر في أشعار فيرجيل) أن النحل يولد من جسد ثور أو بقرة نافقة، وهو معنى فلسفي لصيرورة الحياة، وظاهرة تتابع الحقب والأجيال على كوكب الأرض، حيث مر الكوكب بمراحل وحقب احلال وتجديد عدة منذ ملايين السنوات، مثل حقبة الطوفان الأعظم عندما هلك البشر، وبدأ كوكب الأرض في إعادة البناء مرة أخرى بشعوب وقبائل جديدة، وذلك في تجسيد لفكرة ولادة النحل؛ أي ظهور الشعوب الجديدة، من جسد نافق؛ في إشارة لكل ما هو قديم.

وقد عرض المخرج في بداية الأحداث عدة مشاهد لأسراب النحل، وذلك في لقطات قريبة Close وهي تلقح الأزهار، حتى ينتبه الجمهور إلى نقطة مرجعية وهي أن الفيلم سوف يشهد احلالًا وتجديدًا على جميع المستويات، وانتقال من مرحلة النفوق إلى مرحلة الخصوبة الرمزية وإعادة الحياة، وذلك لتسليط الضوء على الدور الحيوي للنحل في التلقيح لإنتاج الغذاء والحفاظ على التنوع البيولوجي، فهو المصدر المُلقِح الرئيسي على كوكب الأرض وبزواله تنتهي الحياة، ووجوده معناه أن الأرض تشهد حياة جديدة وفرصة للإصلاح مرة أخرى.

بوجونيا "يورجس لانثيموس"

يعرض المخرج هذه الفرضيات والأفكار الجادة المصيرية ، في إطار قصة خيالية كوميدية ساخرة، حيث يقوم "تيدي" و "دون" وهما شابان مهووسان بنظريات المؤامرة باختطاف" ميشيل" الرئيسة التنفيذية لشركة كبرى (تلعب دورها إيما ستون)، مقتنعين بأنها كائن فضائي ينوي تدمير كوكب الأرض، حيث يُلقي "تيدي" (يلعب دوره جيسي باليموس) باللوم على "ميشيل" لتناقص أعداد النحل بسبب الكارثة البيئية التي سببتها شركة أدوية تملكها، ونعرف من خلال الأحداث أن اختطاف" ميشيل" لا يأتي مصادفة، بل أنه مقصود، حيث أنها الرئيسة التنفيذية للشركة التي يعمل بها " تيدي" وهو أحد الخاطفين. تندهش "ميشيل" من تلك الادعاءات الغريبة التي يقولها "تيدي"، وتحاول اقناعه بشتى الطرق أنها بشرية مثله، ولكنه لا يقتنع، إلا أن تعترف اعترافًا زائفًا أنها كائنة فضائية، تحت وطأة التعذيب.

يظهر الرابط الذكي بين فكرة الهوس بوجود الكائنات الفضائية التي تسيطر على كوكب الأرض، وبين فكرة تفشي الرأسمالية في الغرب أن "ميشيل" التي يظن "تيدي" أنها قادمة من الفضاء للسيطرة على كوكب الأرض، تلعب دورًا مزدوجًا، حيث أنها في نفس الوقت الرئيسة التنفيذية لأهم الشركات التي تقدم خدمات دوائية وعلاجية للمرضى، بهدف ظاهر؛ أن تعالجهم من الأمراض المستعصية، وبهدف باطن وهو تسويق هذه الأدوية وبيعها بأموال طائلة، حتى لو كانت لا تحقق فائدة حقيقية، وذلك في فضح لفكرة سيطرة أصحاب رأس الأموال والشركات الكبرى على الشعوب وخاصة الفقراء، حيث يشير الفيلم إلى أن هذه الشركات قد تكون متورطة في صناعة الأوبئة والأمراض داخل معاملها، بعدها تقوم بتسويق العلاج، حتى تظل في موقف السيطرة على المواطنين بعد أن تحولهم إلى فئران تجارب، وهي إحدى نظريات المؤامرة المنتشرة في العالم، وخاصة بعد جائحة كوفيد 19.

وذلك هو الدافع الأهم الذي يحرك "تيدي" لخطف "ميشيل"، حيث قد ألحقت شركتها ضررًا بالغًا بوالدة "تيدي" المُضطربة، "ساندي" التي تُجسد دورها (أليسيا سيلفرستون)، بسبب أدوية انسحاب الأفيون التجريبية التي تُنتجها، والتي أدت إلى نتائج عكسية، وأضرت بها أكثر مما نفعتها. ولذلك فهو يرى "ميشيل" المتسببة الأولى في مرض والدته، يتشابك ذلك الدافع، مع بحثه المستمر عن وجود قرائن على الحياة خارج كوكب الأرض، وقراءته لبعض نظريات المؤامرة التي تطرح فرضية وجود كائنات فضائية تتجسد في صورة شخصيات عامة بشرية تسيطر وتهيمن على الواقع الاقتصادي والعالمي.

ما يعزز الصورة الذهنية داخل عقل الجمهور أن " تيدي" مختل نفسيًا، وأن ظنونه قد تكون مجرد هلاوس ناتجة عن صدمة ما في حياته، ظهور بعض الإشارات في الفيلم التي تؤكد تعرضه لاعتداء جنسي عندما كان طفلًا صغيرًا، حيث يظهر شرطي المقاطعة أمام منزله، لكي يحقق في قضية اختفاء "ميشيل" لكنه لا يتحدث عن "ميشيل" واختفائها بقدر حديثه عن واقعة اعتدائه على "تيدي" في الماضي، عندما كان ذلك الشرطي يعمل جليسًا للأطفال وقتها، في إشارة مباشرة لانحرافه الجنسي، ورغبته على ما يبدو في استعادة ذكريات العلاقة الجنسية مع "تيدي"، وهي ذكريات مؤلمة بالنسبة لتيدي بالطبع، وينتهي المشهد بقتل "تيدي" للشرطي حتى لا يكتشف واقعة اختطاف "ميشيل" داخل قبو المنزل.

بوجونيا "يورجس لانثيموس"

تحاول "ميشيل" اقناع الشاب الآخر "دون" أن يطلق سراحها في تلك الأثناء وتعده وعدًا زائفًا بأنها سوف تأخذه معها ليعيش في الفضاء، وهي الرغبة التي كان يود تحقيقها الشاب، لكنه يطلق النار على نفسه حتى لا يضطر تحت تأثير الضغط النفسي إطلاق سراحها وخيانة "تيدي" بعد أن تعاهدا على النيل منها، لأنها كائنة فضائية.

يقتاد "تيدي" "ميشيل" إلى شركتها الخاصة تحت تهديد السلاح، وذلك حتى تقوم بمساعدته بالاتصال بسفينتها الأم، حتى يتفاوض مع جنسها لكي يرحلوا من كوكب الأرض، يضع " تيدي" بعض المتفجرات حول خصره، لكي يفجر نفسه وميشيل بصحبته، لو ثبت له أنها تتلاعب به، تقنعه بعدها أن يدخل إلى خزانة مكتبها الخاص حتى يستطيع الانتقال من الأرض إلى كوكبها، وأثناء ذلك تنفجر المتفجرات بشكل خاطئ، ليموت " تيدي" وتنجو" ميشيل"، ويختتم المخرج أحداث الفيلم بمفاجأة كبرى وهي انتقال" ميشيل" إلى كوكبها الأم بالفعل، وقتلها لجميع من في كوكب الأرض عبر عملية تبخير الغلاف الجوي، ليتضح في النهاية أن "ميشيل" إمبراطورة شعب فضائي يشبه شعب الأرض إلى حد كبير وأن "تيدي" كان على حق طوال الوقت.

وهنا يتداخل الواقع مع الخيال، ونكتشف أن ما كنا نظنه طوال أحداث الفيلم أنه مجرد هلاوس خيالية في عقل" تيدي" أصبح هو الحقيقة، في تمثيل بصري ورمزي لفرضيات المحاكاة الخاصة بـ "نيك بوستروم" أننا في واقع زائف يسيطر عليها كائنات أخري، بل وشخصيات عامة، في إشارة إلى سيطرة الشركات الرأسمالية على الفقراء، وتفشي نظريات المؤامرة الخاصة بوجود بعض الأثرياء يهيمنون على الاقتصاد العالمي بفعل قوى خفية، وذلك يظهر في اللغة السينمائية والبصرية للفيلم حيث نرى في بداية الأحداث كم التناقض بين منزل "ميشيل" الفخم وسيارتها الفارهة، وملابسها الباهظة، وهي تستعد للخروج. وبين منزل "تيدي" المتهالك وملابسه الرثة ودراجته البسيطة، وذلك قبل التوجه لاختطاف" ميشيل" ليؤكد المخرج من خلال اللقطات المتتابعة والمتلاحقة جيئة وذهابًا بين المكانين (منزل ميشيل/ منزل تيدي) الثنائيات الموجودة في الفيلم بين الطبقة الرأسمالية والكادحة، وذلك لتعزيز فكرة التناقضات، مُجسدةً في جماليات الهندسة المعمارية لمنزل وشركة"ميشيل"، وتناقضهما مع عشوائية منزل "تيدي"، لتأكيد أن بعض المظاهر البراقة قد تخفي خلفها حقائق صادمة ومروعة. ويحاول المخرج عن طريق اللغة السينمائية تبديل المركزيات في هذه الثنائية (المهيمن والمسيطر/ الهامش والتابع).

بوجونيا "يورجس لانثيموس"

لذلك كان أكثر العناصر المميزة في الفيلم هو اللقطات المرتفعة High Angel ، التي تظهر فيها "ميشيل" في موقف الخضوع والضعف، واللقطات المنخفضة Low Angel لـ "تيدي" ويظهر من خلالها في موقف القوة داخل القبو، حيث يقوم المخرج هنا بتبديل مراكز القوى والهيمنة لصالح "تيدي" ،على عكس الحقيقة، وذلك لارساء شعور وهمي بتحكمه وسيطرته على الأمور، بالإضافة إلى الموسيقى التصويرية الأوركسترالية الصاخبة والمُرعبة من "جيرسكين فيندريكس"، التي تنقلنا إلى أجواء الترقب التي يحركها عقل" تيدي" المُحمَل بالهلاوس وبنظريات المؤامرة.

أما عن الأداء التمثيلي المتميز لإيما ستون، فكان يميل أحيانًا إلى الصرامة والقوة، ويظهر ذلك من خلال إدارتها لشركتها في الصباح، بينما يتحول أدائها بعد حادثة الاختطاف إلى تجسيد مشاعر الضعف واليأس البشري في بعض الأوقات التي تساير فيها "تيدي" وتعترف له أنها كائنة فضائية حتى تتجنب التعذيب، لتقدم إيما مزيجًا فريدًا للشخصية المركبة التي تتمتع بثبات نفسي وقوة داخلية صارمة تتوافق مع طبيعتها الآلية والفضائية، وبين تجسيدها لمراحل غلضعف البشري والسمات الإنسانية التي تقنعنا من خلالها طيلة الأحداث، أنها الضحية، وليست الجاني الذي يتوافق مع صورتها القاسية الباردة في الصباح. ويبقى أدائها التمثيلي البارد المخيف الغامض والمتأرجح بين الجدية والصرامة من ناحية، والمشاعر الإنسانية من ناحية أخرى، علامة فارقة تجعل من لغز ما إذا كانت كائنًا فضائيًا أم لا قائمًا لفترة كافية.

وعلى الرغم من أنها كائنة فضائية، ولكن يبدو أنها تطبعت بطباع البشر وأصبحت مرهفة الحس في بعض الموقف، ولذلك تظهر في المشهد الأخير (الذي تقرر فيه "ميشيل" القضاء على الجنس البشري) من زاوية منخفضة، توضح هيمنتها على البشر، وعودة علاقات القوى والسيطرة إلى مسارها الصحيح، بينما عيناها الدامعة تنبض بالألم والحسرة وهي تقرر قتل البشر، بعد أن تيقنت أن مصيرهم هو الهلاك بسبب طبيعتهم العدوانية، التي سوف تتسبب في كل الأحوال في دمار الكوكب بل والكون بأكمله.

وهنا تنقلب الأدوار ويصبح "تيدي" الذي يقوم بدوره (جيسي باليموس) بتميز، هو الضحية الفعلية وليس الجاني المختبئ خلف هيئته الجنونية التي تجعل الجميع يختزله في صورة الكائن المختل المشوه المهووس، الذي يحمل ذكريات مؤلمة لحادثة الاعتداء عليه، وذلك ما يجعله في بعض الأحيان يظهر وكأنه هو الكائن الفضائي الغريب في المجتمع، بينما هو في الأصل ضحية ظروفه وأداة وعنصر كاشف للمؤامرات الكونية والكائنات الفضائية الحقيقية، التي تعيش بيننا في صور وتجسيدات راقية في الظاهر، لكنها تمثل جميع أشكال الزيف والسيطرة والمركزية والفوقية النخبوية في الباطن، حتى لو كان" تيدي" مبالغًا في رد فعله تجاه بعض الأشياء، حيث نكتشف في النهاية أن البشر كانوا سيلقون حتفهم في جميع الأحوال سواء بسبب طبيعتهم أو لأي سبب آخر باختلاف أجناسهم وأعراقهم، وليس بسبب نظريات المؤامرة المتعلقة بإنقراض النحل كيفما كان يظن، لتبدو أن فكرة الفيلم الرئيسية بسيطة في مجملها، ولكن المخرج يقدمها في صورة كوميديا ساخرة جاذبة تسخر من زيف الواقع ونظريات المؤامرة.. وتبقى النهاية واحدة.. الهلاك الحتمي، وإنتظار خروج النحل أو الأجناس الجديدة من جسد العالم القديم..

اقرأ أيضا:

أحمد العوضي ومحمود حميدة وغادة عادل وناهد السباعي من بينهم … النجوم في حفل زفاف أروى جودة

#شرطة_الموضة: جومانا مراد بفستان مخملي مزين بزهرة الأوركيد في مهرجان "ضيافة" … سعره 346 ألف جنيه وفنانة هندية شهيرة سبقتها في ارتدائه

عمرو يوسف يعتذر عن تصريحه بخصوص الجرأة في الأفلام

فيديو- رقص محمود حميدة وناهد السباعي في حفل زفاف أروى جودة

لو فاتك: فن ولا فنكوش - 16 سؤال كل واحد هيجاوب لوحده ... عرفت كام سؤال منهم؟

حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)

جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt

آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ

هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5