الغناء على طريقة "السبعة راكب"!

تاريخ النشر: الخميس، 10 نوفمبر، 2005 | آخر تحديث: الخميس، 10 نوفمبر، 2005

نظرية التاكسي السبعة راكب نظرية قديمة لم أكن أؤمن بها كثيراً ، وهي لمن لا يعرفها ، خلاصة عبقرية العقل المصري في تحليل السلوك المصري ، "بأن رجلاً كانت لديه سيارة بيجو سبعة راكب ، فقرر تحويلها إلى تاكسي ليجري على أكل عيشه ، وبعده انتشرت التاكسيات السبعة راكب في شوارع ابنة المعز" دون سبب مفهوم!

وقس على ذلك كل شيء في مصر ، التجارة في المنبهات الصينية الصنع ، إعلان قيام المنظمات الشعبية ، والأغاني الدينية في رمضان!

لم أقتنع بهذه النظرية إلا بعدما وجدت أنه يمكن تطبيقها أيضا على المطربين ، فقد انتشر هذا الداء بين من يفترض في أنهم مبدعون يبحثون عن الجديد.

وأنا لا أتكلم هنا على الموسيقى ، والكلمات ، والتي قد تكون واحدة في كل الأغاني ، إذ أن الرد جاهز دائماً "توارد خواطر" ، لكن الأمر الجديد هو ظهور الغناء على طريقة "المواسم" أو بتعبير أدق "الهوجة" الغنائية.

لم أنس حتى الآن كيف تذكر مطربونا فجأة فلسطين المحتلة منذ 1948 مع بداية انتفاضة الأقصى المستمرة حتى الآن ، حينها هاجت القلوب العاطفية للمطربين ، عادت الذاكرة الفنية إلى أجواء الستينيات حينما كان عبد الحليم يبيت في الاستوديو مع عبد الرحمن الأبنودي وبليغ حمدي كمال الطويل لكي ينتهوا من أغنية تذاع بعدها على الفور ، وكأنهم يعبئون مدفعاً.

حينها – أقصد في أيام الانتفاضة - امتلأت الفضائيات وأسواق الكاسيت بالأغاني الفلسطينية ، بداية من أوبريت "القدس" والذي قدمه أغلب فناني مصر والعالم العربي ، مروراً بالأغاني الفردية مثل "الأقصى نادى" و"أم الشهيد" لمحمد فؤاد ، و "يا بلادي" لمصطفى قمر ، و"آخر كلام" لعمرو دياب ، و"نحلم إيه" لذكرى وأنغام ، وصولاً إلى "أنا باكره إسرائيل" لشعبان عبد الرحيم.

حينها كنت أستمع لهذه الأغاني وعيناي تدمع لمشاهدة تلك الصور البشعة التي اشتركت جميعها في أنها وضعت خلفية لصوت المطرب ، والذي كان عادة ما يرتدي السواد ، لكن بكائي هذا انقلب لابتسامة ساخرة بيني وبين نفسي ، حينما استمرت المذابح في فلسطين ، واختفت الهوجة تدريجياً ، ليلتفت كل مغني إلى سوق الكاسيت ، والبحث عن مكان لتصوير الكليب الجديد.

نظرية "الهوجة" عادت مرة أخرى للظهور بشكل أوضح في الفترة السابقة للتصويت على الدستور المصري ، وأصبحت أغنيات الصحوة الوطنية تعاد بشكل مستفز على جميع الفضائيات القومية والخاصة ، ما بين "أكيد في مصر" ، و"لو كنا بنحبها" ، واللتين كانت تذاعان في شكل ثنائيات ، بعدهما بقليل لحقت بهما أغنية نانسي عجرم "إنت مصري" ، وأغنية الملحن محمد رفاعي "، وأغنية هيثم شاكر "إرمي حمولك علية" ، وغيرهم ممن صوروا الأهرامات والنيل وليل القاهرة الساحر ، حيث يرتدي المطرب الزي الأبيض وسط الحقول الخضراء الواسعة وهو يغني مزهوا ببلده!

الجديد في الأمر جاء مع "هوجة" من نوع جديد ، نوع ديني ، لكن الجديد في الأمر هنا ، أن "الهوجة" لم ترتبط بحدث ، كما كان الحال مع المرتين السابقتين ، بل كانت تطبيقاً عملياً لنظرية "تاكسي السبعة راكب" ، بعدما ظهر على الساحة الغنائية مطرب جذب إليه الأنظار وحقق نجاحاً مقبولاً ، طرح ألبوماً كاملاً لا يضم إلا أغان دينية ، ولمع اسم سامي يوسف بشدة ، خاصة مع الطريقة التي قدم بها فنه.

كان سامي صريحاً مع الناس ومع نفسه ، إنه رجلاً تخصص في الموسيقى ودرسها ، وقرر خدمة دينه بها ، لكن ما جذب الناس إليه في نظري هي الطريقة التي قدم نفسه بها ، واهتم بطبع ألبوماته ، فلك تكن كشرائط الأناشيد الدينية المباعة على أرصفة الجوامع ، وصور أغنيتين بإنتاج كبير ، وسوقهما بطريقة محترفة ، لكن يبدو أن يوسف لم يجذب إليه أنظار الجمهور فقط ، وإنما جذب له أنظار المغنين الذي وجدوا لوناً جديداً يزاحمهم في القنوات والمحطات وفي إيرادات المبيعات.

كانت الفرصة مواتية لكل من يريد تجريب طريق يوسف خاصة مع حلول شهر رمضان ، فالناس بطبيعتها تلجأ لكل ما هو روحاني ، وهنا تجد أمامك مغنين شاهدتهم كثيراً وهم يرقصون مع الفتيات في كليباتهم ، يغنون ما يسمى بالأغاني "الدينية" ، ولست بعالم دين لكي أحلل موقفهم أم أحرمه ، ولا يمكن لأحد في الدنيا أن يمنعهم بالطبع من تجربة هذا اللون ، لكن كل ما أردته أن أشعر ولو للحظة بصدق الأمر ، وأنها ليست "هوجة وهاتعدي".

فقد ظهر هذا العام كليب الفريق الغنائي الناجح نسبياً "واما" ، وأغنيتهم "كان نفسي" ، وألبوم المطرب خالد علي الديني بأكلمه ، وأخيراً أغنية للمغربي "إيلام" ، ثم من جديد ألبوم لسامي يوسف ، مع أخبار عن استعداد أحمد فوزي لتسجيل ألبومه الديني بأكمله أيضاً ، ودعونا سوياً نقارن بين كل تجربة ، أغنية "واما" ضمت نفس الملامح الربانية التي تجسد الإيمان في عين المشاهد ، اللون الأبيض ، والصحراء ، والموسيقى الهادئة ، ولكن ، هل شعرت بالأغنية؟ هل فهمت معنى قولهم "وأكون معاك في الجنة" مسبوقة بكلمة "كان نفسي" ، وكأنهم فقدوا الأمل في دخولها تماماً ، وهل فهمت كيف خلد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مكانه في الإسلام؟ كما تقول كلمات الأغنية.

في نظري أغنية "واما" المصورة والفردية ، تعبير جيد عن حالة "الجمعية" التي يعيشها الوسط الفني المصري ، فالحال يسير على شاكله ، فإذا نجحت الأفلام الكوميدية ، إذن فليكن الموسم كله كوميديا ، نجحت أغنيات الكليب العارية ، إذن فلتذهب الملابس للجحيم ، نجحت الأغنيات الدينية ، إذن "نديها دين" ، هل سأل أحد أفراد الفريق نفسه هل سيغنون هذه الأغنية أمام فتيات مارينا؟ إلا أني سأعتبر الأمر "مرة وعدت" مع "واما" ، فهم على الأقل لم يقدموا من قبل في أي كليب ما يجعلهم يخجلون من تصوير هذه الأغنية الرمضانية.

لكن الذي جعلني أصرخ "غنت حاسس اللي بتقوله؟ مصدق نفسك"؟ هو عندما شاهدت المغني المغربي إيلام ﭽاي وهو يتغنى بأغنيته الدينية الجديدة "إن شاء الله" ، وإيلام لمن لا يعرفه هو مغني أغنية "مامورينا" ، كما صور أغنية أخرى ، وبالطبع أنا لا أكن للأخ ﭽاي أي ضغينة ، لكني لم أستطع أن أتناسى صورة الراقصات اللاتي شاركنه الغناء في أغانيه ، وأنا أراه أمامي لابساً نفس الملابس البيضاء ، وهو يناجي ربه.

لا أعرف لماذا لم أستطع الشعور بصدق أي كلمة من الأغنية ، قد تكون مراكز الشعور عندي متبلدة ، لكني متأكد من مظاهر الدهشة التي رأيتها في أعين كل من سمع أن ﭽاي يغني أغاني دينية.

أما الإثنان خالد علي وأحمد فوزي فقد قررا تقديم هذا اللون فقط ، وكلاهما مختلف عن الآخر ، فعلي لم يحقق نجاحاً يذكر في الألوان الأخرى ، فابتعد عن الساحة ، ثم قرر تجريب النجاح في لون آخر ، يناسب النزعة الدينية التي يتسم بها الشعب المصري في رمضان ، بينما قرر فوزي التخلي عن نجاح ينتظره بعد شهرة أغنيته "اطمني" ونجاح ألبومه ، لكنه اختار الغناء في هذا المجال عن رغبة لم يكشف لأحد أسبابها.

قد يكون الأمر تجارياً بحتاً ، أو روحانياً ، لكن تعريف أحد المصادر القريبة من المطرب للأغنية الدينية التي يستعد لتسجيلها بأنها "أغنية دينية تناسب الجو ده رمضان ، وكده أنت فاهم" ، وتفكير المغنين أنفسهم حول تلك النوعية من الأغاني بأنها "موسم بقى" يجعلك تجزم أن الأمر كله مرده للهوجة ، ونظرية "السبعة راكب"!