محمد الأمير
محمد الأمير تاريخ النشر: الخميس، 10 نوفمبر، 2005 | آخر تحديث: الخميس، 10 نوفمبر، 2005
مصطفى العقاد

قبل سبعين عاماً تقريبا ، استقبلت أسرة فقيرة في حلب عضواً جديدا ، قبل أن ينخلع قلب من بقي من هذه الأسرة بعد سماعهم بأنباء تفجيرات عمان التي وقعت مساء الأربعاء أثناء زيارة ابنهم - الأمريكي الجنسية السوري الأصل والهوية - مصطفى العقاد للعاصمة الأردنية ، وعلموا من وسائل الإعلام نبأ إصابته في التفجيرات ، ليتابعوا دقات ذلك القلب قبل ان يتوقف عن النبض ، ليرحل العقاد متأثراً بجراحه.

قتل العقاد ضمن سلسلة التفجيرات الانتحارية التي ضربت ثلاثة فنادق في الأردن باسم الدين ، ولم يتذكر أحد من أولئك الذين نفذوا عمليات التفجير أو خططوا لها أنه قد يكون من بين الضحايا مخرج قدم للإسلام والمسلمين ما كان صوته مدوياً ليسمعه العالم كله باحترام فاق دوي انفجاراتهم ، رغم أن أعماله لم تزد عن فيلمين فقط.

فقد لا يتذكر كثيرون صاحب الاسم ، لكن ذكر فيلميه "الرسالة" و"عمر المختار" كفيل بإثارة مزيج من الدهشة والإعجاب والتقدير والتعجب حول من قد يعده كل عربي ومسلم أعظم مخرجي السينما العالمية ، رغم إقلاله الرهيب الذي وصل إلى حد الندرة في تقديم أعماله ، بعد أن كان الإخراج حلمه منذ الصغر.

كان ذلك الطفل الحلبي يعشق الذهاب إلى جاره صاحب دار العرض السينمائي ، ليشاهد الأفلام الجديدة ، ويتعلم منه كيف يقطع المشاهد الممنوعة ، ليقرر فجأة السفر إلى هوليود لدراسة الإخراج ، رافضاً كل عبارات الاستهزاء والتقليل من قدراته مثل "إحلم على قدك" ، أو رجاء والده له "بالتعقل" نظرا لفقر الأسرة ، لكن القدر يشاء أن يُقبل طلب العقاد بالدراسة في كلية ucla في هوليود ، ليبدأ العمل لمدة سنة كاملة ليوفر نفقات رحلته ، وهناك يقابل تحديا آخر ، باعتباره شابا عربيا يقيم في قلب هوليود في ظل تأزم المسألة الفلسطينية – الإسرائيلية.

يقول العقاد إنه "قابل أمريكا بمركب النقص الموروث لدى كل عربي يبهره ذلك المجتمع فجأة" ، لكن وسيلة العقاد في مواجهة الصدمة كان بالهرب إلى داخله ، وإلى الموروث الثقافي والديني الذي انشأه عليه والده ، الذي كان آخر ما أعطاه إلى ابنه مصحفاً ومائتي دولاراً اقتطعها من دخل البيت ، ثم استمر الهروب إلى الداخل ، ليصل الشاب السوري الذي حصل على الجنسية الأمريكية لاحقاً إلى التحول من إقناع نفسه إلى إقناع من حوله بأن ما قدمه العرب والمسلمين يدعوه للفخر باسمه مصطفى ، ويجعله يرفض تغيير آخرين لأسمائهم ولهجتهم العربية.

أخرج العقاد وأنتج في عام 1976 فيلمه "الرسالة" ، والذي روي فيه قصة مولد رسالة الإسلام ، وكان ذلك في نسختين : عربية وإنجليزية ، مع أسماء لها وزنها على رأسهم أنطوني كوين ، ليعلن أنه اختار السينما وسيلة يسمع بها العالم صوت الإسلام الحقيقي ، ولكن بأعين غربية ، وممثلين وكتاب سيناريو غربيين ، وذلك انطلاقاً من قناعة شخصية بأن "إقناع العقل الغربي لابد أن يتم من خلال ما تعود عليه وبلغته وأدواته".

يعود العقاد في بداية الثمانينيات بفيلمه الشهير أيضا عن أسد الصحراء "عمر المختار" ، والذي حقق نجاحاً كبيراً كنظيره السابق ، وحظى بترحيب البلدان العربية والإسلامية ، كان أوفر حظاً من "الرسالة" الذي منع عرضه في سوريا ومصر ، رغم موافقة الأزهر الشريف على الفيلم ، وقول داعية بحجم الشيخ محمد متولي الشعراوي له : "نريد منك المزيد" ، كما قال العقاد في أحد حواراته.

وبعد "الرسالة" ، حاول العقاد تقديم فيلم عن صلاح الدين الأيوبي" ، لكنه لم يجد له ممولاً حتى قضى نحبه ، خاصة مع ضخامة ميزانيته التي رصد لها العقاد مبلغا أوليا وصل إلى 80 مليون دولار ، ليظل سيناريو كاتبه الأمريكي جون هيل حبيس الانتظار.

رغم أعمال العقاد القليلة إلا أنه حقق النجاح التاريخي مع تحفتيه ، وحقق أيضاً النجاح التجاري مع سلسلة أفلام الرعب والإثارة " halloween" ، لكن العقل العربي لم يعرفه إلا حينما تكلم العقاد بلسانه ، رغم أنه لا يجد مسانداً له في مشاريع عديدة تدور في رأسه لتقديم الإسلام في صورته الحقيقية ، وتقديم تراث العرب الثقافي مثل مشروعي "صبيحة الأندلسية" ، وفيلم عن ملك إنجلترا جون الثالث الذي راسل خليفة المسلمين في قرطبة لكي يضع إنجلترا تحت الحماية الإسلامية ، وكذلك فيلم عن العالم العربي والإسلامي حالياً باسم "تلج فوق صدور ساخنة" الذي كتبه الدكتور مدكور ثابت ، إلا أنه تراجع عن الأخير بعدما لم يجد من يساعده على سرد الماضي ، فكيف سيكون الحال مع الحاضر الذي يخشاه الكثيرون.

العقاد الذي انتقلت علاقة الجمهور العربي معه من شاشات السينما إلى الندوات الثقافية ، والتجمعات اليسارية الرافضة ، واجه هجوماً من كثيرين منهم بدعوى أنه لا يستثمر عالميته بالشكل الصحيح لخدمة العالم الإسلامي والعربي ، كقول مواطنته السورية الدكتورة وفاء سلطان إنها حينما بحثت عنه "لم أستطع أن أتقفى من<