فيلم السعفة الذهبية: "تشريح سقوط".. عن الذنب والأسئلة الشائكة وفن إفساد اللحظة

تاريخ النشر: الثلاثاء، 30 مايو، 2023 | آخر تحديث: الثلاثاء، 30 مايو، 2023
المخرجة الفرنسية جوستين ترييه تتسلم جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي

جاء إعلان حصول فيلم "تشريح سقوط Anatomy of a Fall" للمخرجة الفرنسية جوستين ترييه على السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي السادس والسبعين بمثابة مفاجئة لأغلب المتابعين، فالفيلم على جودته الملحوظة لم يكن بين العناوين المترددة بين توقعات الجائزة، ومالت التقديرات للاكتفاء بحصول بطلته ساندرا هولر على جائزة أحسن ممثلة، لكن لجنة تحكيم السويدي روبن أوستلوند كان لها رأي آخر.

اقرأ أيضا: فيلم "بنات ألفة".. وثنائية الشخصية والممثل على الشاشة

لكن ترييه لم تمنح الصحفيين والنقاد فرصة كافية للنقاش حول أحقيتها بالجائزة، عندما ألقت كلمة حماسية سياسية تحولت خلال دقائق موضوع جدل ضخم، و"ترند" شغل الرأي العام الفرنسي. المخرجة أعلنت تضامنها مع المظاهرات التي خرجت ضد قانون تعديل سن التقاعد، وتوسعت في انتقاد السياسات النيو ليبرالية للحكومة منددة بالوضع الحالي لنظام تمويل الأفلام في بلدها والذي تراه "يحطم نموذج الاستثناء الثقافي الفرنسي".

"أهدي الجائزة للمخرجات والمخرجين الشباب غير القادرين على صنع أفلامهم. يجب أن نمنحهم فرصة ليجدوا المكان الذي وجدته عندما بدأت قبل 15 سنة، في عالم كان أقل عدائية، يُمكنك فيه أن تُخطئ ثم تبدأ من جديد".

كلمة ترييه دفعت وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملاك للتعليق، مبدية دهشتها مما قالته المخرجة، ومؤكدة أن فيلم ترييه "لم يكن ليرى النور لولا نموذج تمويل الأفلام الفرنسي الفريد من نوعه في العالم. علينا ألا ننسى ذلك".

فاعلية برنامج التمويل أمر يخص الفرنسيين بالأساس، مثله مثل قانون التقاعد، لكن ما يمكننا قوله إن الخاسر الأكبر من مثل هذه الوقائع هو دائمًا الفيلم، فالكل ينشغل بالحديث عما دار وقيل، ليُنسى العمل الفني نفسه في خضم هذا الجدل. ولدينا في مصر حالة شهيرة للفنان فتحي عبد الوهاب الذي تحمس عندما فاز بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة، ليُلقى تعليقًا كرويًا سياسيًا حوّل أهم لحظة انتصار في مسيرته إلى "ميم" يتداوله الناس دون أن يعرفوا سياقه.

محاكمة من نوع خاص

المثير أن "تشريح سقوط" ليس فيلمًا فنيًا منعزلًا عن الثقافة العامة المعاصرة، بل إنه على العكس ينخرط كليًا في عدد من الموضوعات القابلة للنقاش المجتمعي خارج حيز الشاشة ومحترفي السينما ونقادها، عبر دراما محاكمة courtroom drama غير معتادة، تتعامل فيها المخرجة مع النوع الشهير متعمدةً ألا تسقط في فخ صياغاته المحفوظة، ومحاولةً (مع شريكها في الكتابة والحياة المخرج أرتور هراري) توظيف المحاكمة في طرح طيف من الأفكار المربكة اجتماعيًا وأخلاقيًا.

لقطة من فيلم "تشريح سقوط" افائز بجائزة السعفة اذهبية في مهرجان "كان"

يبدأ الفيلم بمحاولة لعمل مقابلة صحفية مع البطلة التي نعرف أنها كاتبة شهيرة، في منزل أنيق منعزل في جبال الألب. يستحيل استكمال المقابلة عندما يتعمد زوجها سماع موسيقى صاخبة بلا توقف مما يضطرها لتأجيل اللقاء بهدوء، قبل دقائق قليلة من العثور على جثة الزوج وقد سقط من شرفة المنزل مصابًا في رأسه إصابة قاتلة. هل سقط بالخطأ، أم انتحر، أم دفعه أحدهم؟ وهل تسبب اصطدامه خلال السقوط بإصابة الرأس أم أن القاتل هو من ضربه ثم دفعه من الشرفة؟

تبدو الأسئلة السابقة ملائمة تمامًا لفيلم تحقيق في جريمة على طريقة "من فعلها Whodunnit" الشهيرة، لكن جوستين ترييه لا تنجرف لهذا الإغراء، وبدلًا من اكتشاف الأدلة التي تحاول حل لغز الوفاة، يسير الفيلم في نهج آخر هو اكتشاف الحقائق حول البطلة وزوجها وتاريخ علاقتهما معًا، وبالطبع حول ابنهما الوحيد، الطفل المصاب بإعاقة بصرية والذي يعد الشاهد الوحيد على ما جرى.

الإعاقة سببها حادث وقع خلال رعاية الأب للابن، وهو ما خلق شرخًا بين الزوجين بسبب لومها له على ما جرى، يُضاف لشعوره بالغبن نتيجة نجاحها وتحققها الأدبي بينما يعجز هو عن إنهاء كتابه الأول، وتعقيدات إضافية تتعلق بحياتهما في قرية فرنسية بناء على طلبه (وهي ألمانية الجنسية)، واضطراره لتجهيز المنزل الجبلي كي يتم تأجير حجراته لنزلاء بغرض تدبير نفقات الأسرة، ناهيك عن علاقة جنسية ربطت الزوجة بامرأة أخرى كانت أحد الأسباب الرئيسية في زيادة قناعة الادعاء بكونها القاتلة.

المساحات الرمادية

توضح المعلومات السابقة زخم المادة الخام المُشكّلة لمحاكمة ساندرا، سواء كقضية تحمل الكثير من التفاصيل فتتيح مساحة مثالية للمرافعات والمواجهات، أو كموضوع يشغل الرأي العام ويتأثر به (يقول أحد المعلقين على القضية في ستوديو تلفزيوني: مهما كانت الحقيقة فإن قتل كاتبة لزوجها أمر مشوّق أكثر بكثير من انتحار رجل مُحبَط)، أو كمساحة درامية تتيح المكاشفة والاطلاع على مناطق حساسة من حياة البشر ونُظُمهم القيمية.

"تشريح سقوط" من هذه الزاوية عمل روائي بامتياز، يمتلك ما في الأدب الكلاسيكي من تعقيدات، فلا مجال إطلاقًا للأبيض والأسود، ولا للقطع ببراءة ساندرا أو إدانتها. جوستين ترييه تختار أن تجعل بطلتها بعيدة عن مُسببات التعاطف، امرأة جادة عقلانية لا يمنعها المأزق الضخم من أن تحاول تأمله من بعيد وإن انغمست في قلبه، وهو ما يجعلها هدفًا مثاليًا للهجوم والتشويه؛ ويضعنا كمشاهدين في مكان غير معتاد من دراما المحاكمات، تتناقص فيه قيمة الوصول للحقيقة وإقناع القضاة ببراءة البطلة، في مقابل التفكير في الأفكار المحيطة بحياتها وأسرتها.

ما مدى مسؤوليتنا عما تتعرض له حياتنا من تقلبات؟ كيف يمكن التعامل مع حادث يتسبب في خرق لا يُرتق؟ كيف يمكن أن يتحول الحب إلى غيرة مسممة إذا ما نجح أحد طرفي علاقة ولم يحقق الآخر النجاح نفسه؟ ما مدى أخلاقية استعانة الكاتب بحكايات من حوله في أدبه؟ هل ارتكاب خيانة يصم الشخص إلى الأبد؟ وغيرها من الأسئلة الشائكة التي تُناقش هنا بانفتاح، مستفيدة من طبيعة النوع الفيلمي الذي يسمح بطرح مثل هذه الأفكار فلا تبدو مقحمة أو خارج السياق.

لقطة من فيلم "تشريح سقوط" افائز بجائزة السعفة اذهبية في مهرجان "كان"

الخاسر الأكبر

تقدم الممثلة الألمانية ساندرا هولر واحدًا من أفضل الأداءات التي شاهدناها خلال الأعوام الأخيرة، ولعل هولر هي الخاسرة الأكبر في مهرجان كان هذا العام، فبالرغم من تتويج الفيلمين اللذين لعبت بطولتهما بأكبر جائزتين في المهرجان، بحصول "منطقة اهتمام Zone of Interest" لجوناثان جليزر على الجائزة الكبرى بالإضافة لسعفة "تشريح سقوط" الذهبية، فإن هذا التتويج منعها طبقًا للائحة المهرجان من الحصول على جائزة أحسن ممثلة التي كانت تستحقها مرتين وليس مرة واحدة.

هولر تتنقل بين اللغات الفرنسية والإنجليزية وقليل من الألمانية، تُعبر باقتصادٍ ملفت عن تضارب المشاعر المسيطر على البطلة، وهي امرأة بالغة الذكاء تعلم أن كثيرًا مما يقال ليس في صالحها، تتحرك مشاعرها خاصةً فيما يتعلق بحضور ابنها في المحكمة وإدلاءه بشهادةٍ قد تكون سببًا في براءتها أو إدانتها، لكنها تفعل ذلك دون ذرة مبالغة أو شاعرية مفرطة، بفهمٍ مدهشٍ لتعقيد الشخصية يمكن اعتباره مع السيناريو العمادين اللذين قام عليهما تميز الفيلم الذي قاده للتتويج.

قد لا يكون "تشريح سقوط" الاختيار الأفضل للسعفة الذهبية في ظل حضور أفلام أكثر حداثة وسينمائية في المسابقة، لكنه بالتأكيد عمل فارق ومشبع دراميًا وفكريًا، حكاية متدفقة يصعب الفكاك من شباكها، تطرح في الأذهان قائمة من الأفكار والفرضيات الشائكة التي تبقى داخلك طويلًا بعد مشاهدة الفيلم. أفكار ربما كان من الأفضل أن تكتفي جوستين ترييه بها بدلًا من أن تشوشها بتصريحات وجهت انتباه المتابعين في الاتجاه الخطأ.

اقرأ أيضا:

بالصور ... 12 تصريحا لأحمد حلمي عن اهتمامه بعلم الطاقة وعدم استعانته بمدير أعمال ومواضيع أخرى

بدأت الرقص الشرقي في عمر الـ15 وفيفي عبده مثلها الأعلى وواجهت أزمة تسريب فيديوهات خاصة في 2019 و"شوجر دادي" أول تجربة تمثيل حقيقية لها … ما لا تعرفه عن جوهرة

بعد انفصالها عن تامر حسني.. بسمة بوسيل تغني "مين اللي بيختار" لهبة طوجي على طريقتها

أحمد سعد لـ "في الفن": لم اتفق على حفل للنادي الأهلي حتى يتم استبعادي واتشرف بالغناء له


لا يفوتك: تحليل النغمات مع عمك البات: تقييم أغنية "بعلنها" لهيثم سعيد


حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)

جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt

آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ

هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5