"أبو الليف" والعودة لزمن "الفن الجميل"

تاريخ النشر: الأحد، 28 مارس، 2010 | آخر تحديث: الأحد، 28 مارس، 2010
أبو الليف في بوستر الألبوم

عندما سمعت أغنيته "كينج كونج"، تعاملت معها باعتبارها "نكتة"، أو أحد الإيفيهات التي انتشرت مؤخرا في عالمنا الغنائي، اعتمادا على أننا شعب يحب الكلمة السهلة التي تعلق بالذاكرة، أو بأسلوب آخر يناسب مود المقال: "تلزق في الدماغ".

أعجبتني الأغنية، ونشرتها على صفحتي الخاصة على الفيس بوك، وكتبت وقتها معلقا عليها: "الفنان أبو الليف يناقش قضية الفيس بوك والتكنولوجيا الحديثة التي تهدد بانهيار الأسرة المصرية... هكذا يكون الفن الهادف :P:P"، ولا يخفى عليكم كما تقول العبارة، ما يحمله تعليقي من سخرية، رغم اعترافي برسالة الأغنية.

ثم نسيت الأغنية ولم تنل مني اهتماما أكثر منذ ذلك، إلى أن سمعت من زميلي محمد عاشور، أن الشاعر المبدع أيمن بهجت قمر، الذي احتضن "أبو الليف" واعتبره مشروعه الشخصي، لدرجة أن البعض شك في أن تكون شخصية "أبو الليف" الغامضة هي أيمن نفسه، خاصة في ظل الصورة التي ظهر بها على أغنية "كينج كونج" والتي لم يتخيل أحد أن تكون الصورة الحقيقية، والجميع قال إنها صورة لاستكمال السخرية التي تحملها الأغنية، المهم... أعود إلى ما سمعته، سمعت أن أيمن سيقوم بكتابة كلمة على "كوفر الألبوم" يقدم فيها لكل أغنية، ويشرح الهدف منها.

مرة أخرى ومع هذا الكلام، شعرت أن أيمن قد يكون مل من الكتابة الجادة، أو "شبع نجاح وتقدير"، ويريد أن "يهرج ويهيس شوية"، خاصة أنني لمست ميله إلى هذا الجو في فيلمه "عندليب الدقي" لمحمد هنيدي، الذي كانت واضحة فيه نبرة السخرية ولا أقول الكوميديا.

إلى أن جاء يوم صدور الألبوم، وأمام تحمس الزميلة ياسمين السماحي الشديد للألبوم، خاصة أنها ماهرة بشدة في نقل حماسها للآخرين، وجاهزية الزميل محمد صالح، الذي وجدته في ثواني قد أحضر لي الألبوم، و"اسمع يا ريس أبو الليف حلو قوي"، فسمعته.

وكانت المفاجأة، ولأول مرة أجد نفسي أمام ألبوم غنائي يحمل رسالة، نعم، رسالة وأنا أعي ما أقول وأتحمل مسئوليته، نعم رسالة لا تتوفر في الألبومات الغنائية التي نستمع إليها، وهذا ليس عيبا فيها، وإنما لأنها تختلف عن "أبو الليف" الذي يجب أن نعرف قبل سماعه وقبل سن السكاكين وشحذ الأقلام والسيوف لذبحه والتهكم عليه، أن نعرف أن هذا الفنان ذو الصوت القوي، ليس مطربا بالمعنى التقليدي، الذي يقدم أغاني رومانسية، ولا يمكن أن نضعه في مقارنة مع أحد من المطربين بدون تحديد أسماء، وليس هناك أيضا ضرورة لفرقة "الندابين" الذين يجلسون في انتظار الجديد، ليهبوا مترحمين على الفن الجميل، والزمن الجميل، والكلمة الجميلة، وكل الحاجات الجميلة التي انتهت بلا رجعة من وجهة نظرهم، لكل هؤلاء أقول: استمعوا لفن "المونولوج".

المونولوج: فن نقد الذات والمجتمع

"المونولوج" تقنية فنية تستخدم في جميع الفنون تقريبا في الدراما والغناء والمسرح، وحسب تعريف "المونولوج" في موسوعة "ويكيبيديا" هو: "حديث النفس هو حوار يوجد في الروايات، ويكون قائما ما بين الشخصية وذاتها أي ضميرها، بمعنى آخر هو الحوار مع النفس، ... مصدر الكلمة يوناني "مونو" يعني أحادي و"لوجوس" تعني خطاب، ونعني به شخصا وحيدا يقف على خشبة المسرح ويقدم قطعة صغيرة".

جذب "المونولوج" مجموعة من الملحنين بما فيهم محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، ورغم عدم تمتع من قدموه بالصوت الحسن، فقد تغلبوا على هذا بالقبول الجماهيري وبالألحان الطربية التي ساعدهم على تقديمها حسهم الموسيقي العالي، إلى أن الأعمال الجديدة انتابها ضعف في الكلمات والألحان، وفضل مقدموها وضعها بأنفسهم، وتخلل أداء المونولوج الكثير من الوقفات لإلقاء النكات على المسرح، مما أضعف من قيمته كشكل غنائي، فبدأ في الانحسار، إلى أن انتهى بالانقراض تدريجيا.

أيمن بهجت قمر وأبو الليف وإحياء "المولونوج":

هذا بالتحديد ما فعله "أبو الليف" بالتعاون مع "بيرم تونسي العصر" أيمن بهجت قمر، والملحن محمد يحيى والموزع الموسيقي توما، بالألبوم عدة مونولوجات رائعة، استمتعت بها، وذكرتني بمونولوجات الراحل إسماعيل يس، التي كانت من أقوى وأظرف وسائل النقد المجتمعي في عصره، وتعاون فيها مع عدد من الشعراء والملحنين الكبار أمثال بيرم التونسي وأبو السعود الإبياري في الكلمات وفريد الأطرش في الألحان.

فانتقد أبو الليف المشاكل العائلية وانهيار العلاقات الإنسانية في "كله بينفسن"، وقدم درسا تعليميا رائعا للأطفال في "قبل ما أنام" وهذه الأغنية أنا شخصيا سأحرص على تحفيظها "لزياد" ابني، لمدى علمي بتأثير الأغاني والتليفزيون في الأطفال، و"جبت شقة" التي تناقش بدم خفيف مشكلة الشباب المادية والالتزامات الكثيرة التي تطلب منهم في بداية حياتهم، ومونولوج "دولا مجانين الستات" التي أعتبرها "قنبلة الألبوم"، مع الاعتزار لقارئات الموقع، إلى آخر مونولوجات الألبوم.


شاهد واستمع لمونولوج "الكدب" لإسماعيل يس ألحان الموسيقار فريد الأطرش



استمع لمونولوج "كينج كونج" لأبو الليف