"Nostalgia" .. هلاك النبش في الماضي

تاريخ النشر: الجمعة، 18 نوفمبر، 2022 | آخر تحديث: الجمعة، 18 نوفمبر، 2022
لقطة من فيلم حنين

ثمة تفاصيل مصرية حاضرة في الفيلم الإيطالي Nostalgia أو حنين، منها أغنية لكاريوكي وبطاقة هوية مصرية ومصريون يطهون البيتزا أفضل من الإيطالين وغيرها، تجعل الاستعانة بكلمات أغنية "خدني الحنين" التي لحنها وغناها محمد فؤاد، من كلمات الشاعر الغنائي أيمن بهجت قمر، أمر غير غريب.

لكن ليست التفاصيل المصرية فقط تجعل الأغنية مناسبة لمقدمة المقال، فإذا رددت كلماتها وأنت تقرأ، فما تقوله هو وصف دقيق لحالة "فيليس" الذي قدم دوره الممثل الإيطالي "بييرفرانشيسكو فافينو"، حين عاد إلى بلده نابولي الإيطالية، من أجل أن يرى أمه العجوز، ويعود إلى وجهته القادم منها مرة أخرى.

يتعمد الفيلم الذي أخرجه ماريو مارتوني، وعرض ضمن الدورة ال44 لمهرجان القاهرة السينمائي أن يربكك في البداية، فكيف لشخص إيطالي يتحدث العربية؟ ولغته الإيطالية ضعيفة؟، ثم تجده يتوضأ بينما أمه إيطالية مسيحية.

لا يقذف الفيلم إجاباته في وجهك مرة واحدة، بل يعتمد دائما على مشاهد تخبرك بشكل تدريجي، فبطل الفيلم خرج من نابولي قبل 40 عاما سافر مع عمه إلى لبنان، ومنها لجنوب أفريقيا، ثم مصر، حيث استقر هناك وتزوج، وفي وسط هذا تغيرت ديانته للإسلام، دون معرفة وقت أو سبب ذلك، تاركًا أمه مع زوجها الجديد.

ماذا يربط شخص تغيرت حياته بهذا الشكل بوطنه الأصلي "نابولي"، هل الأم؟.. هو بالفعل عاد من أجل الأم، لكن الأم لم تكن كما تركها، رأى أمه الشابة، أصبحت عجوز لا تقوى على شيء، لا تستحم كثيرا، تركت شقتها الكبيرة وسكنت في الدور الأرضي في غرفة صغيرة تكفيها، ضعف نظرها، شاخت الأم وأصبحت لا تنتظر شيء من الحياة.

لا، يبدو أنها كانت تنتظر شيء واحد، أن ترى ابنها لكي تغادر العالم إلى رحلتها الأبدية، لم تترك الفرصة طويلا لابنها لكي يعوضها عن سنوات غيابه، لكنها رحلت بعد أن متع كل منهما عينه بالآخر. يقول لزوجته إنه سعيد لأنه رأى أمه قبل رحيلها، ما كان ليسامح نفسه، لو رحلت دون أن يراها.

لنعد إلى السؤال مرة أخرى: "ماذا يربط شخص تغيرت حياته بهذا الشكل بوطنه الأصلي "نابولي"، هل الأم؟".. رحلت "الأم"، فما الذي يربطه بالوطن.

الوطن نفسه أم، تربطنا به ذكريات، ربما مع الأجيال اللاحقة التي تنشأ في بيئة أخرى غير موطنها الأصلي تنفصل عن مسقط الرأس، لكن كيف لشخص عاش طفولته ومراهقته في أزقة نابولي؟ وله في كل ركن ذكرى، أن يتخلى عن الوطن مرة أخرى بسهولة، إنه "الحنين".

هو لم يعد من أجل الأم "فقط"، كان في ذهنه أنه قادم لأمه، لكن في قرارة نفسه حتى لو لم يكتشف ذلك إلا حين وطأت أقدامه نابولي، أنه عائد لحضن وطنه.. (خدنى الحنين بعد السنين جابنى هنا، هنا بلقى نفسى وروحى هنا ببقى أنا، هنا أجدع جيران هنا أصحاب زمان، تعب السنين بنساه هنا، هنا حضن دافي).

كما لم تكن الأم كما تركها، لم يصبح هو مواطنا في الوطن الذي تركه، فهو غني بالنسبة لحي فقير، مسلم في حي مسيحي، ينسى بعض الكلمات الإيطالية ويضطر لوصفها.

حين كان يتجول في شوارع المدينة، لجأ المخرج لتصويره من زوايا مختلفة بشكل سريع، تعبر عن تفقده للمكان الذي أصبح غريبا عنه.

في مشهد معبر للغاية، حين كان يطلب منه أحد أصدقاء أسرته قديما أن يرحل، قال له: "هذا وطني"، لكن بأي لغة قالها، لقد نطقها باللغة العربية.

لا حنين، لا تنظر خلفك، لا تنفصل عن عالمك الجديد باحثا في عالم قديم ليس لك في شيء، خاصة إذا كان خلفك ماضا سيئا فمن الأفضل ألا تنبش فيه. لا تبحث في الشوارع عن صديق الذكريات الحلوة، فمن تبحث عنه لا يريد بقاءك.

لا يترك الفيلم أي فرصة لجعل الحنين إلى الماضي شيء جميل، لم يغلفه بالصور الوردية، التي يعيشها الناس، وتسري في أجسادهم القشعريرة كلما سمعوا أو شاهدوا ما يربطهم بزمن فائت، فالماضي كثيرا ما يكون محملا بذكريات استعادتها سيكون قاتلا.

"هنا إيد بتمسح دمعتي تهون عليا.. فين ألاقي حنية كده والله ما في"، كان هناك أيادٍ تمتد بالخير.. "نعم"، لكن هناك يدًا أقوى وأكثر بطشا، لا تريد له البقاء، فالذكريات التي يبحث عنها في رؤية صديقه رغم فظاعة بعضها، فإن الأخير لا يريدها ولا يريد أن يتذكرها.

فصديق الطفولة، هو زعيم من زعماء المافيا، استخدم كل الممكن دون أذية مباشرة ليطلب منه الرحيل، فيما يصر الآخر على البقاء ولقائه.

وفي اللحظة التي ظن فيها "فيليس" أنه عاد مواطنًا إيطاليًا مرة أخرى انتهى كل شيء للأبد. "لديك زوجة، وبيت، ووظيفة، ولغة، ورب"، جملة قالها الصديق القديم "أورستو" لـ"فيليس"، ولم يستمع لها، فقاده الحنين إلى الهلاك.

يغمرك الفيلم بمشاعر الحنين، ويخطفك بموسيقاه وشاعريته، لكن في اللحظة التي تشعر فيها أن الحنين للماضي شيء وردي ناسيا أخطائه، ستطعنك المطواة في القاعة قبل أن تطعن فيليس.

اقرأ أيضا:

أحمد حلمي يحمل منى زكي بيد واحدة في عيد ميلادهما: كل سنة وأحنا طيبين

سيد رجب عن فيلم "19 ب": مشهد تحريك الحجر الأصعب.. وصورته من مرة واحدة

سلاف فواخرجي عن زوجها السابق: له فضل عليا ومكانته كبيرة في قلبي رغم الانفصال

الفلسطينية رشا نحاس تغني في المغرب لأول مرة بمهرجان فيزا فور ميوزيك (صور)

#شرطة_الموضة: هنادي مهنى تجري تعديلات على فستانها بعرض "19 ب" ليناسب Dress Code مهرجان القاهرة

لا يفوتك - خناقة فساتين ريد كاربت مهرجان القاهرة السينمائي... يا ترى مين من النجمات التزمت بالدريس كود اللي أعلن عنه حسين فهمي؟

حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)

جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt

آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ

هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5