معارك فكرية وأزمات إعلامية لعب بطولتها مسلسل "العائلة" للمؤلف الكبير الراحل وحيد حامد، والذي عرض في رمضان عام 1994 .
في سلسلة "حكايات الدراما" يسترجع معكم FilFan تفاصيل حكايات ساخنة ومعارك فنية تاريخية عاشتها أشهر مسلسلات الدراما الرمضانية في كواليس صناعتها .
حالة كبيرة من الجدل أثارها المسلسل الذي لعب بطولته الفنان الكبير محمود مرسي والنجمة ليلى علوي وأخرجه اسماعيل عبد الحافظ ، خاصة وأنه كان نقطة إنطلاق وحيد حامد في معركته الفنية والفكرية ضد التطرف ، في مرحلة عانت فيها مصر ويلات الإرهاب مطلع تسعينات القرن الماضي.
نرشح لك : إلهام شاهين تقود نساء داعش في مسلسل "بطلوع الروح"
قلم وحيد حامد اتسم بجرأة غير معهودة ، وقف وراءها حماس كبير من قطاع الانتاج بالتليفزيون المصري والذي ترأسه وقتها المنتج والسيناريست الراحل ممدوح الليثي ، إلا أن هذه الجرأة اصطدمت بالأزهر الشريف وعلمائه في الحلقة 22 من المسلسل .. ولكن لماذا ؟
"عذاب القبر" بين رؤية وحيد حامد وغضب الأزهر
مشهد عن عذاب القبر كاد أن يتسبب في وقف عرض المسلسل ، بل وتكفير وحيد حامد واعتباره منكرًا لعذاب القبر، حيث ظهر في أحد مشاهد الحلقة شيخ يلقي خطبة بالمسجد عن عذاب القبر، واستشهد خلاله بحديث شريف قال فيه إن سيدة دخلت على رسول الله فسمعته يقول: "وتعوذوا بالله من عذاب القبر"، فسألته: "يا رسول الله، أو للقبر عذاب؟"، فأجابها: "إنهم ليعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم".
خلال المشهد شكك محمود مرسي "كامل سويلم" في الحديث الذي ألقاه الشيخ قبل أن يشتعل الموقف بجدل بينهما لينهي مرسي كلامه قائلا : "تاخد الوزر" ، ثم شرح لصديقه وجهة نظره بأن الدعوة للدين يجب أن تكون عن طريق الترغيب، وليس الترهيب، وظهر الشيخ ضعيفًا غير قادر على إيجاد سند لما قاله .
بمجرد عرض الحلقة ثار علماء الأزهر الشريف وعلى رأسهم الدكتور جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر ، والذي طالب القيادة السياسية متمثلة في وزير الإعلام صفوت الشريف بوقف عرض المسلسل ، وأصدر بيانا شديد اللهجة طالب فيه وزارتي الإعلام والثقافة باعتبار الأزهر الشريف هو وحده صاحب الرأى الملزم فى تقدير الشأن الإسلامى للترخيص أو رفض الترخيص بالمصنفات السمعية والسمعية البصرية ، وفقا للقانون الذي نص على أن يقوم جهاز الرقابة على المصنفات الفنية بإحالة أي عمل يتناول شأنا متعلقًا بالدين الإسلامي إلى الأزهر الشريف لكي يبت في أمره ويحدد إمكانية عرضه من عدمه .
حل سحري من ممدوح الليثي
سارع ممدوح الليثي رئيس قطاع الانتاج بعقد لقاء مع شيخ الأزهر ، وشرح له خلاله هدف المسلسل ، والذي يسعى لمواجهة الفكر المتطرف ، ومن يمتطون المنابر بدون علم ، وأشار إلى أن العمل ينتصر أولا وأخيرًا لسماحة الإسلام ، إلا أن شيخ الأزهر أصر على ضرورة رد المسلسل على ماتم نفيه في الحلقة 22 بأي طريقة ، وشكل لجنة من العلماء ليوضحوا لصناع العمل حقيقة الحديث الشريف وخطورة إنكاره تماما .
تفتق وقتها إلى ذهن الليثي حل ديبلوماسي وفني يحمي المسلسل من منع العرض خاصة وأنه شارف على حلقاته الأخيرة ، فاتفق مع وحيد حامد على كتابة مشهد في الحلقة 28 يرد فيه على المشهد الذي أثار الأزمة ، ولكي يحقق هذا المشهد المرجو منه تم الاستعانة بالفنان القدير حمدي غيث صاحب الشعبية الكبيرة وقتها وبطل ، وأيضًا صاحب الرصيد الكبير من الأعمال الفنية الدينية ليوصل الرسالة المرادة على لسان شخصية جديدة تم إضافتها للعمل كضيف شرف .
تم كتابة المشهد وتصويره على عجالة يوم 26 رمضان ليعرض في الحلقة الـ 28 والأخيرة حيث كانت المسلسلات وقتها غير ملزمة بإكمال عدد الـ 30 حلقة .
ظهر حمدي غيث في شخصية شيخ أزهري يلقي درسًا دينيا بأحد المساجد ، وجلس إلى جواره محمود مرسي يستمع حديثه قبل أن يسأله : "حضرت ندوة من الندوات الدينية اللي بيسجلوها على كاسيت، وكان الداعية بيتكلم عن عذاب القبر وأسلوب فيه ترويع وتخويف، فلما ناقشته إذا به يغضب .. فهل عذاب القبر حقيقة ؟"
وهنا أجاب الشيخ : "نعم هو ثابت بالقرآن والسنة والإجماع".
ثم واصل الشيخ حديثه : "الموعظة الحسنة تشمل على الترغيب والترهيب معاً ومن يريد للإسلام الخير عليه أن يرغب الناس فيه، وأن يشرح لهم مبادئ الإسلام التي تدعو إلى الخير والسماحة ومكارم الأخلاق والعمل الصالح هؤلاء لهم ثواب من الله، يجدونه في القبر كما يجدونه يوم القيامة، وذكر العذاب في القبر وعذاب النار فهؤلاء لا يفهمون الأسلوب الصحيح للدعوة".
ما علاقة "العائلة" باغتيال فرج فودة؟
ليست هذه الحكاية هي الوحيدة في كواليس أحد أهم المسلسلات في تاريخ الدراما التليفزيونية المصرية .
فخلال تحضيرات المسلسل ، تم ترشيح محمود مرسي للعب دور البطولة ، إلا أنه بمجرد قراءة الحلقات اعتذر، ونفس الشيء فعله المخرج عاطف الطيب ، وذلك خوفا من الهجوم الشديد الذي تعرض له المسلسل فور الإعلان عن تصويره بسبب تصريحات وحيد حامد ضد التطرف وهجوم التيارات المتشددة على العمل ، ولكن بعد فترة وافق مرسي على الدور إكراما لصديقه المفكر الراحل فرج فودة والذي اغتالته رصاصات الإرهاب عام 1992 بعد مناظرة فكرية مثيرة واجه فيها الداعية محمد عمارة ، وتم خلالها تكفير فرج فودة وإهدار دمه .
تدور أحداث مسلسل العائلة في مصر بداية من فترة حرب الاستنزاف وما تلاها، من خلال عمارة وسكانها وعلاقتهم ببعضهم البعض، وحول الأسرة التي تفقد أحد ابنائها في الحرب وتأثير ذلك عليها، كما تناول قضية الإرهاب والفقر الذي يؤدي بالفقراء إلى الانجراف وراء التيارات المتطرفة.
المسلسل شارك في بطولته : محمود مرسي ، عبد المنعم مدبولي ، ليلى علوي ، طارق لطفي ، خيرية أحمد ، محمد رياض ، سناء يونس ، إنعام الجريتلي ، ندى بسيوني ، وناصر سيف.
اقرأ أيضًا :
ابراهيم عيسى يسعى لتغيير قانون الأحوال الشخصية بمسلسل "أمل فاتن حربي" فماذا قال ؟
ابنة أسامة أنور عكاشة تهاجم الفنانين بعد رحيل زكي فطين عبد الوهاب: محدش كان بيفتكره بكلمتين