لمن يهمه الأمر: اضربوا مربوطاً واحداً.. حتى يكون عبرة لباقي السايبين

تاريخ النشر: الخميس، 10 ديسمبر، 2009 | آخر تحديث: الخميس، 10 ديسمبر، 2009
"طير إنت"..إنتاج إسعاد يونس

لا أدرى ما هو المطلوب بالظبط من القائمين على صناعة الفنون في بلدنا حتى يصدقهم المسئولون ويدركوا أن هناك كارثة حقيقية تهدد عدة صناعات تدر على الدولة دخلاً مهماً في "عز البلاوى" والأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم من حولنا.. لا أدري السر في حالة الاستهتار واللامبالاة التي تغلف الأجواء المحيطة بنا.. لا أستطيع أن أفسر حالة التنبلة والتناحة والتبلد إزاء هذه المشكلة الخطيرة.

هل المطلوب من المنتجين السينمائيين والموسيقيين ومالكي المصنفات على عمومها أن يسلكوا سلوك أصحاب المشاكل المقهورين، وأن يتوجهوا إلى سلم نقابة الصحفيين ليقفوا وقفة احتجاجية رافعين لافتات الاستغاثة، حاملين الميكروفونات، مفترشين البلاط بالبطاطين في عز الشتا؟.. هل المطلوب أن ينظموا أشعار اللطم وسيمفونيات الصويت على خراب الصناعة وخراب بيتهم وراها؟.. هل مطلوب منهم أن يوجهوا استغاثات مدفوعة في الجرائد لرئيس الجمهورية حتى يلتفت السادة المسئولون إلى حجم الكارثة؟.. يا ريت.. فنحن مستعدون لكل هذا لو كان يأتي بنتيجة.. لو كان!.

وقبل أن تفتح فوهات المدافع لتطلق علىّ اتهامات بأنني أستغل المساحة التي أكتب بها هنا لمصلحتي الشخصية.. أرد عليهم.. نعم أنا أستغل المساحة.. أستغلها لصالحي وصالح صناعة أشرُف بأن أكون واحدة ممن يمثلونها في غرفة صناعة السينما.. وأحمل مع زملائي عبء باقي صنّاعها المخروبة بيوتهم.. وهؤلاء الزملاء لا يتمثلون فقط في المنتجين ولكنهم الكل.. وأعني كل من يعمل بهذه الصناعات بما فيها النشر.

إذا نظرنا حولنا سنرى دولة عظمى زي أمريكا تسيء التصرف فتخرب بيت نفسها وتمد الخراب ليطال العالم كله.. ونظل نطمئن أنفسنا بأننا جامدين ولن تطالنا المصيبة.. ونتهمها بالحمورية، مشيرين بأصابع الاتهام إلى المأسوف على شبابه "بوش" بأنه هو السبب بسياسته الخربانة.. ولا يمر وقت طويل حتى نرى الأزمة الشديدة التي تعاني منها دبي أوحي أوحي أويى.. باريس الخليج وجوهرة الاقتصاد وملجأ المستثمرين الذين هرولوا إلى هناك باحثين عن الاستقرار والثراء..

فبعد أن كنت أزورها أحيانا فأجدها تعج بالحركة طوال الأربع وعشرين ساعة.. ويعاني مطارها وطياراتها من الازدحام والتكدس الشديدين.. رأيتها قبل الأزمة الأخيرة وهى تعاني من الفراغ.. وصعبت علىَّ الكباري العلوية التي بنوها للإقلال من زحام السيارات واختناق المرور.. فقد رأيتها غير مكتملة وقد توقف العمل بها في منتصف الطريق.. خلاص ما عادش لها لازمة.. الدنيا فضيت طبيعي.. لم يعد هناك اختناق ولا مرور من أصله.

وتظل الدول التي تلقت طعنات الانهيار الاقتصادي تتمسك بما لديها من ثروات طبيعية وصناعات ناجحة حتى لا تفقد ما تبقى من الزاد والزواد.. فأمريكا التي تعاني لم تتخل عن أهم صناعة بها بعد صناعة السلاح وهى صناعة الفنون.. فأمريكا تعيش على صناعة وتصدير الأفلام والموسيقى.. صناعة ناجحة ورائدة تتدارى وراءها أعظم قوة في العالم.. وفي الهند تعتبر "بوليوود" ثالث أهم صناعة باقتصادها.. بينما نحن نهدر أهم ما لدينا من صناعات بدعاوى مش مفهومة وإهمال يعاقب عليه القانون والتاريخ.

إن جريمة القرصنة ترتكب علناً وجهاراً نهاراً متمثلة في مئات بل آلاف المواقع على النت تسرق جميع أنواع المصنفات وتتيحها للمشاهدة والتحميل مجاناً في ظل حالة من الطناش المرعب.. جريمة تعصف بالريادة الثقافية التي انسحب بساطها من تحت أقدامنا، فلم نعد الدولة الرائدة التي تصدر الثقافة بل أحياناً تصدر التخلف الذي جعل أقزاماً حولنا يتقافزون على أكتافنا.. جريمة منظمة تهدف لضرب أحد أهم روافد الدخل القومي..

كنت أعتقد أن هذا يعد سبباً كافياً لاستيقاظ الدولة التي تسعى جاهدة لحماية هذا الدخل .. جريمة تستهدف الإخلال بدخل مصلحة الضرائب "مصلحتنا أولاً" التي تطاردنا وتهددنا بالحبس إذا ما قدمناش الإقرار في موعده ولكنها لا تحمينا ممن يخربون بيتنا وبيتها.. ما هو إن جاعوا زنّوا وإن شبعوا غنوا.. ونحن دافعي الضرائب بكل أنواعها نستصرخ مصلحتنا الحبيبة الحنينة أن تزيد من أعبائنا بأن تضبط هذه العصابات حتى نستطيع أن نستعيد أموالنا التي سوف تحصلها بالتبعية.. جريمة خلقت جيلين من البلطجية في ظل غياب الأجهزة.. جيل يسرق ويبث.. وجيل آخر يفرض إتاوة للحماية.. يعني نتسرق عيني عينك.. ثم يتقدم إلينا فتوات النت ليعرضوا الخدمات بضرب المواقع مقابل إتاوة فادحة الثمن.. وهكذا يتكاثر أبناء الظلام والجريمة.. قمة الفوضى التي ولدت عالماً من العواطلية.. ورزق الهبل على المجانين.. وفي النهاية الكل متحالف على الاستغلال والابتزاز.

جريمة تمولها أحياناً، أو قل دائماً، أموال المعلنين.. فعلى هذه المواقع تجد معلنين يعلنون عن بضائعهم مستغلين ارتفاع عدد الزوار الذين يدمنون الفرجة ببلاش على مواد مسروقة.. ومن العجب العجاب أن ترى إعلانات عن مشاريع خيرية على هذه المواقع المجرمة.. مثل بنك الطعام ومستشفى ٥٧٣٥٧!!.

جريمة تستهدف الأمن القومي.. كلام كبير مش كده؟.. فالأمن القومي يتمثل في مصالح الدولة المادية والمعنوية.. يتمثل في استقرار حضارتها وريادتها والحفاظ على سمعتها وتحاشي إدراجها على رؤوس قوائم الدول التي يعم فيها الفساد والسطو على حقوق الملكيات الفكرية والمادية... إلخ، وهو أمن المواطن مش أمن السلطة فقط.. وللا إيه؟..

إن تهديد أمن المواطن لا يتمثل فقط فى التعدى عليه جسدياً ولكن أيضاً فى زلزلة مستقبله والقضاء على دخله وزعزعة مناطق تفوقه واستقراره.. ولهذا يحتاج الأمر لتدخل جهاز أمن الدولة، فهو الجهة الوحيدة التى تملك إغلاق هذه المواقع بالأمر طالما قدمنا الأدلة والبراهين التى تعجز أجهزة أخرى عن تقديمها من باب الكسل وفقر القوانين وقصور العقوبات أو ربما الرعب من السلفيين الذين يرهبون هذه الأجهزة.

ولأننا نعاني فنحن نبحث ونتحرى لنقدم للأجهزة المعلومات على الجاهز، علها تتحرك وما يبقالهاش حجة.. سأقدم دليلاً واحداً من ضمن مئات على ما أقول.. هناك موقع يسمى نفسه ماي إيجي دوت كوم: www.myegy.com متخصص في سرقة جميع المصنفات في بجاحة متناهية.. معروف لنا جميعا بمن فينا الأجهزة التي تقف متفرجة.. هذا الموقع وحده يتسبب في خسائر تتعدى المائة مليون جنيه في الموسم الواحد للأفلام السينمائية فقط.. ناهيك عن باقي المصنفات.. نعرف صاحبه جيداً ولدينا معلومات موثقة عنه تدينه، وقد أودعتها لدى الجريدة لمن يريد الاطلاع عليها.. وكلي أمل أن يتحرك أحد.. فقد جفت العروق من شدة النزيف.

نحن لا نستغيث ولا نطلب خدمة ولا مساعدة.. نحن نطالب بحق أصيل كفله لنا الدستور.. اضربوا مربوطاً واحداً.. واحداً لوجه الله تعالى.. حتى يكون عبرة لباقي السايبين.. ولا أقول مدوا لنا يد العون.. بل قوموا بواجبكم.. فهذا حقنا عليكم.

*جدير بالذكر أن الفنانة والمنتجة إسعاد يونس رحبت بنشر هذا المقال في موقع FilFan.com لقراءه بعد أن تم نشره في جريدة "المصري اليوم" بتاريخ الجمعة الرابع من ديسمبر 2009.