#حدث_بالفعل – صراع الملك والأمير على "الفلاحة" ... سامية جمال "الراقصة الحافية" أجبرها الفقر على الرقص حتى الستين وماتت بالأنيميا وسقط شاهد القبر قبل دفنها

تاريخ النشر: السبت، 6 مارس، 2021 | آخر تحديث:
رجال في حياة الفراشة سامية جمال

أسرع من دوران خصرها الذي دارت معه عقول الملايين، دارت الدنيا ببطلة قصتنا منذ طفولتها المبكرة، أب مهمل وزوجة أب قاسية ... قصة القسودة المعتادة بعد رحيل الأم، هى أقدم ما حملته زينب محمود خليل في ذاكرتها.

ومن فتاة صغيرة تساعد في مصنع للملابس، لخادمة بالمنازل، لممرضة بإحدى المستشفيات، لتساهم في ثمن حياتها في منزل شقيقتها وزوجها غليظ القلب، قضت الفتاة سنوات الصبا الأولى، حتى طردها زوج شقيقتها من المنزل، لتخرج منه إلى شارع عماد الدين، كمن دخل آلة الزمن، فانتقلت من دنيا إلى دنيا أخرى، لم تخطر لها على بال.

فتاة سمراء نحيفة في السادسة عشرة من عمرها، وجدت نفسها في واحد من أشهر شوارع الترفيه في العالم حينها، "شارع عماد الدين" الذي وصلت شهرته وشهرة مسارحه وصالاته إلى العالم كله، تلقفتها بديعة مصابني، بعين خبيرة جواهر، رأت فيها شيئا مختلفا، فتركتها ترقص في صفوف البنات خلف البطلة، لكنها لم تغفل عنها.

سر لقب "الراقصة الحافية"
لقب "الراقصة الحافية" وراءه قصة تحدي، وهى أن أول فرصة نالتها سامية كراقصة منفردة على يد بديعة، بدلا من أن يكون بداية تألقها كنجمة مشهورة، كانت مأساة حقيقية، عندما وقفت في منتصف المسرح غير قادرة على الحركة كتمثال شمع، بسبب الرهبة والخوف من ناحية، وبسبب كعب الحذاء العالي من ناحية أخرى، لتسقط في أول اختباراتها العملية سقوطا مدويا، يصلح عنوانا لنهاية راقصة قبل بدايتها.

لكن سامية لم تيأس وقررت التغلب على هذا الفشل، وبصعوبة منحتها بديعة فرصة ثانية وأكدت لها أنها ستكون الأخيرة، فخرجت سامية للمسرح وبعد ثواني كانت قد خلعت حذائها لتنطلق كفراشة تحلق بأرجاء المسرح وقد حملت أرواح المشاهدين على جناحيها، لتحقق نجاحا غير متوقع وضعها سريعا في مصاف نجمات الرقص وأعلاهم سعرا.

لتنطلق سامية بعد محاولات فاشلة وأخرى ناجحة إلى قمة النجومية كراقصة أولا، ثم كفنانة سينمائية شاركت في 3 أفلام عالمية ثانيا.

رجال في حياة "الفراشة"
بعيداعن إنجازها الفني، يمكن تقسيم حياة سامية جمال إلى مراحل، تحمل كل منها اسم رجل.

فحياتها الشخصية كتب فصولها رجالها، السعيدة منها والحزينة، كانت سامية فيها مفعول به دائما، في دراما ضعف لا تليق أبدا براقصة مصر الأولى.

فريد الأطرش حلم ظنت أنه تحقق
فريد الأطرش ... النجم الذي حلمت به الفتاة الفقيرة التي تقترب من العشرين عاما، تشاهد صوره في المجلات، وتحلم مثل أي مراهقة بشاب وسيم مثله تتهافت عليه المعجبات.

ولأن بعض الأحلام قد تتحقق، وفي مشهد سينمائي من الطراز الأول التقت سامية بفتى أحلامها، وحكي لنا الصحفي محمد السيد شوشة في كتاب " سامية جمال ... الراقصة الحافية" تفاصيل هذا اللقاء كما روتها له قائلة: كنت جالسة في كازينو بديعة، أتصفح إحدى المجلات وأتأمل صورة فريد، وكان يجلس معي الموسيقي أحمد الشريف وابنه، وعندما وجدني سارحة في إحدى الصور سألني:
- صورة مين دي؟
- لأه مش حقولّك.
لتفاجئ بيد توضع على كتفها، وصوت من خلفها يقول لها: "أنا أقولك... دي تبقى صورتي أنا".

وقالت عن هذا اللقاء: كان فريد قد شاهدني قبل ذلك أثناء رقصي، وغازلني وأبدى إعجابه بي وأعطاني رقم هاتفه، وحين اتصلت به كان يجيب مرة، ومرات ينكر وجوده.

سامية جمال وفريد الأطرش

والمثير أن فريد كان يغازل سامية، لكنه رفض رفض الارتباط بها، وكان يذهب إليها في الكازينو بصحبة البنات الجميلات بنات الطبقة الأرستقراطية، التي كان يفضل الظهور كأحد أبنائها بصفته ابن أمير جبل الدروز.

حتى عندما نجحت سامية جمال سينمائيا وأصبحت نجمة، وظنت أن الفوارق قد زالت، فوجئت بمقال في إحدى المجلات يقول "إن الأمير فريد الأطرش لن يتزوج فلاحة"، ومفهوم طبعا من المقصود بالفلاحة.

ورغم أن الروايات الرسمية جميعها تؤكد عدم زواج سامة وفريد، يؤكد صديقها المقرب العازف محمد أمين، الذي رافقها آخر عشر سنوات في حياتها، أنها أخبرته أنها تزوجت فريد زواجاً عرفياً، ثم انفصلا لإصرار فريد على الإبقاء على الزواج سرا.

"الفلاحة" وآخر ملوك مصر
تردد اسم سامية جمال كثيرا بين أسماء النساء اللاتي ارتبطت أسمائهن بقصص غرامية مع الملك فاروق، بل وكانت من أشهرهن على الإطلاق وهو ما ذكرته الكاتبة سهير حلمي في كتابها "فاروق ظالما ومظلوما".

ولم يكن كتاب سهير حلمي الوحيد الذي تناول قصص عن سامية جمال والملك فاروق، فقد ذكرها أيضا مصطفى أمين في كتابه "ليالي فاروق" في فصل حمل عنوان "ملكة لليلة وحدة"، أن سامية جمال أمضت ليلة في غرفة الملك، واستيقظت فلم تجده بجوارها إذ اختفى من دون أن يودعها.

وأن فاروق لم يكن يحب سامية، وكان يلقبها بـ"سمجة جمال"، لكن الغيرة التي اشتهر بها تجاه الجميلات جعلته يختارها لتكون الراقصة الرسمية للقصر الملكي، لا لشيء إلا لمجرد إرضاء شعور مراهق بالانتصار على فريد الأطرش وسلبه حبيبته!

ويبدو أن الصراع على قلب "الفراشة" كان ساخنا بين المطرب والملك، فعندما سألت الكاتبة إيريس نظمي فريد الأطرش: هل أحببت سامية جمال؟ أجابها: نعم... وأكمل: لم أتزوجها لأني كنت أغار عليها من الملك!

لكن سامية جمال كان لها رأي آخر في هذه القصة، فقالت في حوار لمجلة "الكواكب" بعد ثورة يوليو، ردا على ما يتردد عن علاقتها بالملك فاروق: "سامحهم الله أولئك الذين يغرمون باختراع الروايات، كل ما في الأمر أنني رقصت مرة بقصر عابدين، كأي فنانة تدعى إلى حفلات القصر".

شبرد كينج أو عبد الله كينج "مليونير تكساس"
أثناء إحدى زياراتها لباريس، ولا يزال القلب يحمل حب فريد الأطرش والغضب منه، ووسط هذه المشاعر الهائجة، التقت سامية جمال بشاب أمريكي وسيم، تبدو عليه ملامح الثراء والنجومية، يطلقون عليه في باريس "مليونير تكساس".

سريعا ما بادلت سامية الإعجاب مع شبرد كينج الذي يعمل متعهد حفلات، وطلبها للزواج وحضر معها إلى القاهرة وأعلن إسلامه في الأزهر، وغير اسمه إلى "عبد لله كينج"، وتزوجها في يوم 29 نوفمبر 1951، وسافرا لقضاء شهر العسل بمدينة هيوستون بولاية "تكساس".

سامية جمال وشبرد كينج الذي أسلم وغير اسمه إلى عبد الله كينج

ويبدو أن "شبرد" لم يحب سامية جمال فقطن وإنما أحب رقصها وأيقن بخبرة متعهد الحفلات أنه سيجني من ورائها ذهبا، وهو ما حدث بالفعل، عندما أحضر لها واستطاع الحصول لها على خمس عشر عقدا للرقص في مسارخ خمسة عشرة ولاية بمقابل مالي مغرٍ.

قضت سامية في أمريكا عامين ونصف العام مروا معظمهم في عمل وتنقل من ولاية إلى أخرى، ومن كازينو ومسرح إلى آخر، حتى وصل صيتها للسينما الأمريكية فاستعانوا بها في فيلم "وادي الملوك"، وكانت حصيلتها فيهم ما يقرب 10 آلاف جنيه مصري.

وبعد انتهاء العسل والغوص في البيزنيس بنهم، شعرت سامية بتغير في المعاملة من زوجها، بالإضافة إلى تضييقه عليها ماديا، فطلبت منه الطلاق، وعادت دون جنيها واحدا من أموالها التي كانت تحتفظ بها مع زوجها.

بليغ حمدي وزواج لم يتم بسبب مكالمة تليفون غامضة
حفظ أرشيف مجلة "الكواكب" في أحد أعداد عام 1959، تسجيلا لتفاصيل علاقة سريعة جمعت "الفراشة" سامية جمال بـ"بليغ النغم" بليغ حمدي، تحت عنوان "قصة خطبتهما ... كما كتبتها سامية جمال وراجعها بليغ حمدي".

بدأت القصة بانتشار شائعة بشكل قوي عن علاقة حب بين سامية وبليغ، وظنت سامية في البداية أن بليغ هو من يروج هذه الأنباء، وبالفعل طلبت من أصدقائها أن يخبروا بليغ بأن يبتعد عنها حتى تنتهي هذه الشائعة.
لكن بليغ ظل يحمل حبا لسامية، إلى أن التقى بها بعد شهر تقريبا صدفة، وعندما تأكدت من حبه لها فرحت خاصة في ظل حالة العزلة التي فرضتها على نفسها، وعندما تحدثت مع بليغ قال لها: "إننى أحبك وأقصى أمنيتى أن أتزوجك ويوم توافقين على الزواج أرجو ألا تبخلى على بإعلان هذه الموافقة".

وبالفعل اشترى بليغ دبل الخطوبة يوم الاثنين لأنه يعرف أن سامية تتشاءم من يوم الثلاثاء ولا تحبه، وتمت الخطبة يوم الاثنين الموافق 29 يونيو، في هدوء.

وأثناء البدء في تجهيز عش الزوجية، انتظارا لانتهاء سامية من تصوير الفيلم الذي كانت تصوره حينها، تلقت مكالمة تليفونية من فنانة صاعدة تدعى "روحية جمال" قالت لها بأنها على علاقة بليغ حمدي وأنه وعدها بالزواج.

فصدقت سامية ما قالته "روحية"، وفسخت خطبتها ببليغ فورا دون التأكد من الأمر، خاصة أن بليغ كان معروفا في شبابه بغرامياته المتعددة.

رشدي أباظة والوجه القبيح لساحر النساء
بعد إنهاء علاقتها ببليغ حمدي، وقعت سامية في حب جان الشاشة العربية رشدي أباظة، وتزوجته في آواخر الخمسينات.

تحملت سامية شخصية رشدي العصبية المتقلبة المزاج، وتكفلت بتربية ابنته "قسمت"، وعوضتها حنان الأم الذي حرمت منه.

وكان رده على كل هذا، الدخول في علاقات نسائية ونزوات عديدة، حاولت هى أن تغض عنها الطرف، لكنها لم تحتمل إلى أن وصلت الحياة بينهما إلى طريق مسدود، فأصرت على الطلاق.

خفوت الأضواء حول الفراشة
مع بداية السبعينيات كانت "الفراشة" تقترب من الخمسين، فقررت اعتزال الرقص، ويذكر لنا العازف محمد أمين أنها بعد الاعتزال مرت بضائقة مادية، دفعتها لقبول عرض سمير صبري بالرجوع للرقص مرة أخرى وهى في الستين من عمرها.

ثم اعتزلت ثانية ونهائي بعد تكريمها في مهرجان "تولوز" بفرنسا، بعد توفير مبلغ يضمن لها حياة كريمة.

وصول "الفراشة" للضوء واحتراق الجناحين
ظلت سامية جمال تتمتع بصحة جيدة، لكن عادة الابتعاد عن الطعام للحفاظ على جسدها ورشاقتها انقلبت عليها في آخر أيامها، في شكل أنيميا حادة، لدرجة هبوط نسبة الهيموجلوبين في الدم بشكل استدعى نقلها للمستشفى قبل رحيلها، واحتاجت وقتلها لنقل دم والعديد من الفيتامينات.
وكما يحكي لنا محمد أمين: لم تطق سامية البقاء بالمستشفى أكثر من ثلاثة أيام، فخرجت وقالت: "أكره البقاء في المستشفيات"، لكنها لعد ستة أيام في شقتها بالزمالك، تدهورت حالتها وتم نقلها مرة أخرى إلى المستشفى.
وشخص الأطباء حالتها بجلطة في الوريد المغذي للأمعاء، تتطلب جراحة عاجلة، لاستئصال جزء من الأمعاء، لكن حالتها لم تتحسن وبدأت تفقد الوعي تدريجياً حتى توفيت.

قصة شاهد المدفن الذي رفضته وسقط قبل دفنها
من القصص التي رواها محمد أمين أن سامية طلبت منه شراء مدفن لها، وتم شراء مدفن في أول طريق السويس، وكانت تحرص على زيارته من وقت لآخر، وفى إحدى المرات رأت اللوحة الرخام على القبر مكتوب عليها: "الفنانة سامية جمال" فاعترضت بشدة وطلبت تغييرها قائلة: "الموت مافيهوش فنانة ولا غيره".

ويكمل: نسينا تغيير اللوحة وانشغلنا بعدها في مرضها ووفاتها، لكننا فوجئنا بعد وفاتها وعندما توجهنا لدفنها بأن اللوحة مكسورة على الأرض، كما تمنت هي قبل رحيلها.