"Limbo".. التيه بعيدا عن الوطن

تاريخ النشر: الأحد، 13 ديسمبر، 2020 | آخر تحديث:
امير المصري في فيلم التيه

يكرر الأب نصيحته لابنه، مع كل محادثة بينهما: "العازف الذي لا يعزف هو إنسان ميت"، هو في الحقيقة لم يمت لأنه توقف عن العزف، بل توقف عن العزف لأنه مات بالفعل.

عمر "أمير المصري" في الفيلم الإنجليزي "التيه- Limbo" يتنفس ويأكل ويشرب ونشاهده أمامنا يتحرك، لكنه بالفعل ميت، عمر توقف عن العزف، ليس فقط لأن ذراعه مكسورة، لكن لأنه أصبح غير قادر على العزف، وهذا ما ظهر بعد ذلك، حين فك جبيرة يديه.

نرشح لك : أشجع محمد صلاح وأتمنى تجسيد الفرعون حورس .. 15 تصريحا لأمير المصري مع FilFan.com

الفيلم الإنجليزي، وهي التجربة الطويلة الثانية للمخرج بن شاروك، فاز بـ3 جوائز في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ42، هي جائزة الهرم الذهبي أحسن فيلم، وجائزة هنري بركات لأحسن إسهام الفني، وجائزة فيبرسي "الاتحاد الدولي للنقاد"، يسلط الضوء على حياة 4 لاجئين، أحدهم الأفغانستاني فرهاد "فيكاش بهاي"، والغاني عبيدي "كوابينا أنساه"، والنيجيري واصف "أولا أوربيي"، والبطل الأساسي هو عمر "أمير المصري، وهو سوري الجنسية ضمن أحداث العمل، في رحلتهم لطلب اللجوء لاسكتلندا.

وفي عمل جمع بين الدراما وبعض من الكوميديا، قدم الفيلم قصة 4 أشخاص، كل منهم فر من بلده لسبب ما، وينشدون الحصول على اللجوء، أملا في بدء حياة جديدة، وأزمة اللجوء والمهاجرين تشغل مساحة واسعة من السينما العالمية وحتى العربية، ولم يكن فيلم "التيه" الوحيد، ضمن أفلام مهرجان القاهرة، الذي يناقش القضية، فهناك عدة أفلام أخرى منها: "البلغاري fear، واللبناني نحن من هناك"، وغيرهما.

الفيلم تناول القضية، من زاوية ما يعاني منه اللاجئون من الشعور بالضياع (التيه)، وباستخدام شاشة صغيرة لا تملأ مساحة شاشة السينما، عبر المخرج عن الضيق الذي يعانيه الأبطال، رغم المساحة الشاسعة التي يعيشون فيها في إحدى جزر اسكتلندا، ويخضعون لبرنامج تأهيل انتظارا للبت في طلباتهم.

تختلف رؤى ونظرات الأبطال الأربعة، بين الإفريقي الذي يأمل أن يكون لاعبا في تشليسي، فينتهي به الأمر ميتا وسط الثلوج، وهو يهرب من الشرطة، دون أن يشعر به أحد. أما الأفريقي الآخر فتقبض عليه الشرطة، بعد مخالفته شروط الإقامة في الجزيرة، بينما يكسر مخرج ومؤلف العمل قتامة الصورة بشخصية الأفغاني الكوميدية التي تميل إلى البلاهة، غير عابئ بأي شيء، والذي يرغب في أن يكون مديرا لأعمال "عمر"، بعدما علم أنه عازف موسيقى، ويُشبهه بالمطرب الشهير فريدي ميركوري.

وبالعودة لعمر، البطل الرئيسي للفيلم، فأسرته فرقتها الحرب، شقيقه نبيل يحارب في سوريا، بينما والداه يعيشان في تركيا ويتعرضان للذل، في حين استطاع هو الوصول إلى اسكتلندا.
نجح أمير المصري في تقديم شخصيته بأداء متميز حافظ عليه طول الفيلم، لإنسان ميت يسير على قدمين، يعيش صراعا بين روحه التي انتزعت بخروجه من وطنه، وجسده الذي يطوف البلاد بحثا عن الأمان.

حين يلتقي عمر، في أحد المشاهد، بولدين وبنتين من سكان المنطقة، يبدأون في السخرية منه وإطلاق الإيفيهات العنصرية، ثم سؤاله عن هل ينتمي داعش ويصنع القنابل؟ أم أنه مُغتصب؟ قبل أن يعرضون عليه توصيله للبلدة، لأنها ستمطر، في مشهد كاشف لطريقة التعامل مع اللاجئ بالرحمة والتعاطف، لكنها قد لا تخلو من الخوف والعنصرية.

نرشح لك : فيلم "الأب" ... الإبحار في عقل مضطرب

من خلال قفص زجاجي به هاتف عمومي، يظهر عمر من حين لآخر مع الأبطال الثلاثة الآخرين، ليتحدث إلى والديه، يتبادلون الأخبار اليومية والحكايات والذكريات والشجن والحديث عن الوطن وعن نبيل الذي ما زال موجودا في سوريا.

هروب عمر، على عكس رغبته، لأنه ليس بطلا مثل أخيه، كما وصف نفسه، ينتظر الموافقة على طلب اللجوء ليستقدم والديه، لكنه لا يشعر بالسعادة في ذلك.

يحمل عمر "العود" الذي جاء به من بلده في يده، لا يفارقه كلما خرج من المنزل، فهو الشيء الأخير الذي يربطه بسوريا في غربته، وكأن دمشق داخل الحقيبة، رغم أنه لم يعد قادرا على العزف، وبين حين وآخر يشاهد فيديو لنفسه، عبر هاتفه، في حفل صغير، وتتردد الجملة التي يستقبلونه بها: "بنحبك يا عمر"، كما يدور بحثا عن "السماق" ليعد وجبة تذكره بأكلات أمه السورية، وحين يحضره له العامل بالسوبر ماركت، يحتضن عمر "التابل"، كأنه تراب بلده.

لم يخرج عمر من حالة التيه، التي يعيشها إلا حين حلم أو تخيل حديثا مع أخيه نبيل، استعادا فيه ذكريتهما في الوطن، وعتاب كل منهما للآخر، ليستفيق عمر أخيرا، ويقرر أن يعود لجثة صديقه في وسط الثلج، ويدفنه ويصلي عليه، ثم يستطيع العزف على العود في حفل صغير بالجزيزة، في إشارة إلى قراره بالعودة للوطن.


هذه ليست التجربة الأولى لأمير المصري عالميا، لكنها خطوة مهمة في مشواره، خاصة أنه حقق 3 جوائز في مهرجان بلده الأهم، وأحد أهم المهرجانات الدولية، والفيلم ليس ملحمة سينمائية بقدر أنه فيلم مؤثر يلعب على وتر المشاعر والأحساسيس للمتلقي، كل حسب قدرته في تلقي الإشارات منه، وتتطلب مشاهدته القدرة على التعامل مع الرتم الهادئ، التي تقدمها بعض الأفلام الأوربية، غير المعتمدة على كثرة الأحداث والوتيرة السريعة.

نرشح لك :

The Queen's Gambit ... عصر غياب الخط الفاصل بين السينما والتليفزيون

أفلام "النفس الهادي" في القاهرة السينمائي

The Father..تجربة حسية إلى عالم فقدان الذاكرة