من "خط دم" إلى "أنياب" .. لماذا لا تحب السينما المصرية مصاصي الدماء ؟

تاريخ النشر: الأحد، 1 نوفمبر، 2020 | آخر تحديث:
الملصق الدعائي للفيلم

بالتزامن مع "الهالوين" طرحت منصة "شاهد VIP" فيلم "خط دم" تحت عنوان دعائي عريض وهو "أول فيلم عربي عن مصاصي الدماء"، الفيلم من بطولة نيللي كريم وظافر العابدين وتأليف واخراج رامي ياسين في أول تجاربة الروائية الطويلة.

دعنا من عبارة "أول فيلم عربي عن مصاصي الدماء" لأنها في النهاية جملة دعائية تجاهلت فيلمًا آخر سبق الجميع لتناول تلك الفكرة عربيًا وهو "أنياب" للمخرج محمد شبل صاحب التجارب "الجريئة" في السينما المصرية مطلع ثمانينات القرن الماضي.

الأجيال الشابة ربما لا تعرف محمد شبل جيدًا، ربما لمسيرته القصيرة والتي لم تتجاوز أربعة أفلام جميعها حملت صبغة التجريب في مجال الرعب وبينها فيلم وحيد يمكن تصنيفه "كرعب ساخر" وهو "غرام وانتقام بالساطور".

لم ينل شبل حقه كرائد في هذا المجال لأسباب عديدة على رأسها ضعف الإمكانيات، والذي تسبب في خروج تجاربه بشكل "هش" تقنيًا. هذا على صعيد الصورة أما الكتابة أيضًا فعانت من إضطراب واضح وإقحام غير موفق لاسقاطات سياسية واجتماعية، والنتيجة أن الوسط النقدي والسينمائي وقتها استقبل أعمال محمد شبل بسخرية لاذعة.


لا أهيل كُل التراب على تجربة محمد شبل بما فيها من عيوب، فمجرد محاولة التمرد على واقع سينمائي متيبس أمر يستحق للتقدير، وفشل التجريب لأربع مرات متتالية في "التعويذة"، " أنياب"، "غرام وانتقام بالساطور"، و"كابوس" هو أيضًا أمر يدعو للشفقة في حد ذاته.

هل شاهدت فيلم "أنياب" من قبل ؟
القصة لا تختلف كثيرًا عن كل القصص "الهوليوودية" المرعبة ذات الميزانيات المتواضعة. "علي" و"منى" يقطعان الطريق بسيارتهما ليلحقا بأصدقائهما في حفل ليلة رأس السنة والمقام بمنطقة نائية، بالطبع تتعطل السيارة، وللمفارقة يحدث ذلك أمام قصر مهجور، فيطلبان مساعدة سكان القصر، وكالعادة في مثل هذه الأفلام سيكون صاحب القصر المهجور هو دراكولا .. "بسيطة أهي"!

ولكن هنا يجب أن نشير إلى نقطة هامة وهي أن "أنياب" كان تجربة رائدة في سينما "الرعب الساخر"، وهو ما حاول محمد شبل وقتها شرحه للنقاد والصحفيين، إلا أن هذا اللون السينمائي لم يكن منتشرًا على المستوى التجاري في مصر، وبالتالي لم يستوعب أحدًا طبيعة التجربة.

المفارقة الأغرب أن يكون "دراكولا" بنكهة يتصدرها صوت أحمد عدوية نجم الأغنية الأول وقتها، ومن هنا بدأت ثغرات شبل القاتلة تضرب الفيلم، فقد أراد استغلال النجاح الجماهيري لأحمد عدوية من أجل ضمان شباك التذاكر، ثم استغل وجودة بتقديم سلسلة من الأغنيات في إطار استعراضات مرعبة لايمكنك أن تتوقف عن السخرية منها، ثم غلف هذه "الخلطبيطة" باسقطات سياسية عن الفساد وصراع الطبقات الاجتماعية.


فشل فيلم "أنياب"، ونال سخرية النقاد، وحاول الجميع إثناء محمد شبل عن هذه التجارب، إلا أنه أصر على الاستمرار في ملعب الرعب ولكن هذه المرة بخلطة مصرية من الموروث الشعبي في فيلم "التعويذة" الذي يتناول عالم الجن والعفاريت وهنا مربط الفرس في فشل أفلام مصاصي الدماء العرب مقارنة بأفلام الجن خاصة وأن أمامنا تجربة ناجحة لنجم كبير مثل عادل إمام والمخرج محمد راضي في فيلم "الإنس والجن" رغم مالها وما عليها.

الجمهور المصري والعربي له ثقافة مختلفة، الرعب دائمًا يأتي من المجتمعات وثقافتها وموروثاتها المتداولة على ألسنة الأجداد والجدات، نحن شعب ولد على سيرة أمنا الغولة والنداهة وأبو رجل مسلوخة، ولم نفكر يومًا في تخيل أشكالهم على الشاشة، بينما الثقافة الشعبية الغربية عرفت مصاصي الدماء من سيرة الكونت دراكولا حاكم ترانسلفانيا الشهير، وآمنت الحضارة الهندية وحضارة المايا بـ"المستئذبين" واللعنة التي تحول الرجال إلى ذئاب مع اكتمال القمر.

مشهد من فيلم خط دم

وبالتالي أصبحنا نصدق مصاصي الدماء ونتفاعل معهم عندما يتحدثون لغة أخرى، نقبل "براد بيت" و"توم كروز" وهم يمصون دماء ضحاياهم في فيلم "لقاء مع مصاص دماء"، ولكننا قد لا نتقبل ظافر العابدين وهو يتناول طبقا من حساء "دم القطة".

لا شك أن فيلم "خط دم" عانى من أخطاء التجربة الأولى لمؤلفه ومخرجه رامي ياسين، ظهر هذا واضحًا في الحبكة التي لم تكن مقنعه، فلا أحد يعرف من أين أتى الزوج مصاص الدماء وكيف تحول لتلك الحالة وكيف بالأساس تزوج من آدمية طبيعية وأنجب منها دون أن يلتهمها في لحظة تعطش للدماء؟


اقرأ أيضًا : هل يتشابه الملصق الدعائي لفيلم "خط دم" مع فيلم A Tale of Two Sisters؟ شاهد واحكم بنفسك

حتى الفانتازيا والخيال يجب أن يُقدم بشيء من المنطق، والمقصود هنا "مَنطَقة" الحدث قبل الفكرة، لدينا عائلة تحول أبناها إلى مصاصي دماء مثل أبيهم وتناوبا على التهام القطط ثم الجيران، ومع انكشاف الأمر يضحي الأب بنفسه، وفي النهاية تتغلب مشاعر الأمومة وتختار أم الطفلين الطريق الذي يضمن لها البقاء معهما.

مشهد من فيلم خط دم

ليست سطورًا لإحباط صناع الفيلم، فلن نسقط بعد 38 عامًا في فخ التسفيه من تجربة محمد شبل وإجهاضها، الزمن تغير ولم يعد شباك التذاكر مقصلة على رقبة صناع أي عمل، وانتشار المنصات هو السبيل الوحيد للتجريب والتجديد والتعلم من الأخطاء، ولكن ملعب الرعب يتسع لعشرات الأفكار التي تخاطب منطق المشاهد العربي .