قصة "يا طير" ... محمد منير المسكون بحب التجديد

تاريخ النشر: السبت، 17 أكتوبر، 2020 | آخر تحديث:
محمد منير

لأن اليوم ليس كأمس، ولأن منير المعجون بالفن المسكون بالرغبة في التجديد هذا العام ليس كمثله العام الماضي، لم نجده يوما توقف عن البحث عن الجديد لأعماله المستقبلية، ولا التجديد في أعماله السابقة.

اقرأ أيضا: لهذه الأسباب استحق محمد منير لقب "الملك"

جميعنا يعلم مدى شغف منير بالتراث بكل أشكاله، لا يوقفه نوع موسيقى، ولا توقفه حدود جغرافية، طاف كالنحلة يحط على زهرة "فل" في الجزائر، ومنها إلى "ياسمينة" من تونس، ثم إلى "أوركيدة" لبنانية، و"زنبقة" سودانية، لا لينقل بل ليجدد، يهضم كل هذا، ويقدمه لنا منتجا جديدا مصفى، يحمل خاتم "الملك".

التجديد لديه ليس مجرد هواية، أو رغبة في تقديم فن قديم في شكل موسيقي جديد، وأول دليل على ذلك أنه لم يفعل هذا مع الأغاني التراثية القديمة فقط، بل فعل هذا مع أغانيه هو شخصيا، وفي مرحلة مبكرة من مراحل مشواره الفني، وهى أغنية "يا طير" ستحتاج فقط أن تستمع إلى الأغنية بتوزيعيها المختلفين الذي يفصل بينهما 10 سنوات.

"يا طير" نسخة "طيور بلا أجنحة" 1979

قدم منير "يا طير" (كلمات سيد حجاب - لحن محمد الشيخ) للمرة الأولى كأغنية تتر مسلسل "طيور بلا أجنحة" عام 1979،

بعد سماعك للأغنية ستلاحظ أن الاهتمام القوي بالبعد الدرامي للأغنية المعبرة عن أحداث المسلسل، دفع محمد الشيخ ومرسي الحطاب الذي قام بالإعداد الموسيقي للمسلسل، إلى التركيز على دور الكورس، فوضعاه في الصدارة وجعلاه يبدأ الأغنية، بعد تمهيد سريع بـ"آهات" منير.

ويظل الكورال شريكا حاضرا بقوة حتى بعد دخول منير، والمستمع يلاحظ نبرة تشبه البكاء والنواح في صوت الكورال سواء الرجالي أو النسائي.

كما لعب الإيقاع دورا رائعا في توزيع الأغنية، ويكاد يكون هو الآلة المسيطرة طوال الأغنية حتى مع دخول الناي، بما يحمله من صوت حزين يصلح لبكائية.

"يا طير" نسخة "شيكولاتة" 1989

حققت الأغنية في المسلسل دورها الدرامي بنجاح، وتمر الأيام ويأتي منير بعد 10 سنوات، مرت خلالها مياه كثيرة أسفل الجسر، ويستخرج أغنية "يا طير" من درج ذكرياته، ويقدمها عام 1989 في ألبومه "شيكولاتة".

كان منير في هذه الفترة يحاول استعادة مجد ألبومه الأول مع فرقة يحيى خليل "شبابيك"، بعد ألبومه الثاني "بريء"، الذي جاء أقل نجاحا، بعد رحيل أعضاء مهمين من الفرقة لأسباب تتعلق بحقوق الإبداع فيما بينهم، وهنا قرر منير أن يدفع بدماء جديدة في عمله القادم، فأشرك بالإضافة إلى يحيى خليل في توزيع الألبوم طارق مدكور، وفريق "لوجيك أنيمال" بقيادة الألماني رومان بونكا.

اقرأ أيضا: "كوكب الشرق" و"العندليب" و"وردة" و"النقشبندي" ... 4 حكايات من دفتر ألحان بليغ حمدي

كان إعادة توزيع أغنية "يا طير" في ألبوم "شيكولاتة" من نصيب فرقة "لوجيك أنيمال"، الذي قدمها بتوزيع مختلف تمام، نازعا عنها ثوب الدراما التليفزيونية، وقدمها في شكل جاز حديث.

كما سمعت الأغنية، لم يكن التجديد في الموسيقى وآلاتها فقط، فبالإضافة إلى اختفاء الآلات الشرقية تمام، واستبدالها بالدرامز، والباركشن، والجيتار الكهربائي (ليد جيتار – باص جيتار).

استغنى أيضا منير في النسخة الجديدة عن الكورال، مكتفيا بصوته الذي عبر عن حلم وتجربة شخصية لا يشاركه فيها أحد، عكس أغنية المسلسل التي تغنت بصوت الجموع، واستبدل الكورال بمقطوعات جاز (عزف حر ارتجالي) ثم العودة مرة ثانية إلى التيمة الأساسية للحن ليدخل منير بالكوبليه التالي..

كما انطلق منير في النسخة الجديدة من الأغنية بنبرة تحدي وبحث عن الحلم والحرية كلها إصرار وتمسك بحقه فيهما، عكس نسخة المسلسل التي كساها الانكسار وجاءت بصوت المظلوم الشاكي.

من هذا المنطلق نسمع إعادة تقديم لأعمال فنية، سواء خاصة به أو بغيره من الفنانين، ليس لمجرد تحديث الموسيقى، وإنما لتقديمها تقديما جديدا مختلفا، يحمل بصمة منير، مهما كانت الأغنية شهيرة ونحملها في ذكرياتنا، يأخذها إلى مكان آخر بعيد، آخذا معها عقولنا وقلوبنا.

وهكذا يؤمن منير أن الموسيقى حالة شعورية وثقافية، وهذا هو السر في تقديمه لأعمال قديمة، رغبة في منحها زمنا وروحا ومشاعر جديدة مختلفة، باختصار: يمنحها حياة جديدة.