لمهاجمي يوسف الشريف ... أين كنتم من تصريحات عادل إمام؟!

تاريخ النشر: السبت، 4 يوليو، 2020 | آخر تحديث: السبت، 4 يوليو، 2020
يوسف الشريف

تابعت، ولا زلت أتابع حالة الجدل التي تضج بها مواقع التواصل الاجتماعي، وتصريحات ‏الفنانين وصناع السينما والدراما سواء المؤيدين أو المعارضين منهم للفنان المصري يوسف ‏الشريف، بعد تصريحه مؤخًرا بأنه يضع بندًا في تعاقداته، يمنع وجود مشاهد ساخنة، والتي تم ‏تحريفها صحفيًا إلى أنه يرفض أداء المشاهد التي تحتوي على (لمس) للفنانات. ‏

وسواء كانت التصريحات حول المشاهد الساخنة أو التلامس، فالأمر بشكل عام يستحق ‏النقاش بمنظور أشمل وأوسع، دون شخصنته وحصره في اسم يوسف الشريف، إذ أن اسماء ‏كبيرة لها ثقلها وتاريخها الفني الطويل، قالت تصريحات مماثلة بل وأكثر جرأة وتحدي مما قاله ‏يوسف، دون أن يجرؤ أحد وقتها على انتقاد أصحاب تلك التصريحات ومهاجمتهم، مما يحيلنا ‏إلى سؤال هام: هل تصبح التصريحات الفنية مجازة ومباحة لو خرجت من أفواه من يملكون ‏السطوة والقوة، لكنها في الوقت نفسه تستحق وقفة ومحاكمة فورية عاجلة لو خرجت من طرف ‏أضعف أو أقل نفوذًا، وليس خلفه "شلة" تسنده، أو منتفعين يغضون الطرف عن تصريحاته ‏طمعًا في المكسب والمصلحة؟!‏

وهل الأزمة الحقيقية في شخص صاحب التصريح؟ أم في الطبيعة الجدلية نفسها التي تتعلق ‏بما يجب أو لا يجب أن يكون عليه الفن والأعمال الفنية عند تمثيل مشهد يحتوي على قبلة، ‏أو حضن، أو علاقة حميمة من أجل توصيل حالة ضرورية ضمن سياق ورسالة العمل؟!‏
حسنًا لنرتفع ونعيد تأمل القضية بمنظور عين الطائر، حتى نرى وندرك كافة الأبعاد والزوايا..‏

أعتقد أن نظرة عامة للأرشيف الصحفي والتليفزيوني، لمعرفة آراء النجوم الذين أدلوا بها في ‏حوارات صحفية وبرامج التوك شو، حول مسألة القبلات والمشاهد الساخنة في الأفلام ‏والمسلسلات، ستفصح عن حالة فصام وتناقض حادة لدى البعض من جانب، أو وجود قناعات ‏شبيهة لقناعات يوسف الشريف لدى الكثير من نجوم الوسط الفني من جانب أخر، والدليل ما ‏يلي..‏

هل يختلف معي أحد على أن الفنان الكبير عادل إمام، واحد من أجرأ الفنانين الذين احتوت ‏أفلامهم على قبلات ساخنة ومشاهد حميمة، بخلاف الضرب على المؤخرات والصدور في ‏السينما المصرية والعربية؟!‏

ورغم ذلك، قال الزعيم فى أحد تصريحاته أنه يرفض - رفضًا قاطعًا - عمل ابنته فى الفن ‏والتمثيل، والسبب هو القبلات. وقتها قامت الدنيا ولم تقعد من بعض النجوم أو بمعنى أدق ‏النجمات لاسيما اللاتي عملن معه، على اعتبار أن موقفه غير منطقي، ما دام هو نفسه ‏يشتغل بالفن ويُقبّل الفنانات؛ لكنه برر ذلك بأنه رجل شرقى تربى على تقاليد الأحياء الشعبية ‏بحي الحلمية، أحد الأحياء الشعبية الشهيرة فى القاهرة وقال: "أنا حر في رأيي، وما زلت ‏متمسكًا به؛ لأن طبيعتي وثقافتي هي التي جعلتني أرفض احتراف ابنتي التمثيل، وأنا من ‏الحلمية وأساسا من المنصورة، فهل سأكون سعيدا عندما أشاهد ممثلا يقبل ابنتي ثم أقول لها ‏بعد انتهاء المشهد "الله البوسة حلوة؟!"، لكن المثير في الأمر أن أغلب من يهاجمون يوسف ‏الشريف اليوم، لم يُسمع لهم صوت وقتها.‏

بنفس المنطق رفض الفنان هاني سلامة أن يقبل أحدهم زوجته أو ابنته في لقاء سابق مع ‏الإعلامي محمود سعد، ورفض الفنان ماجد المصري في لقاء سابق مع رزان مغربي أن تعمل ‏بناته بالتمثيل قائلًا:"أرفض دخول بناتي المجال الفني بكل أنواعه، أنا مبدأي سك على بناتك"، ‏وقالت ريهام عبدالغفور مع بوسي شلبي: "أرفض القبلات لأن أمي متحفظة ومربياني بالطريقة ‏دي"، واعترفت الفنانة عبير صبري أن القبلات في الأعمال الفنية "حقيقية، وحرام، ومالهاش ‏لازمة"، وعدد أخر هائل من التصريحات الشبيهة، التي لا يتسع المقام لحصرها في مقالٍ واحد.‏


وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فلاتزال ذاكرة اليوتيوب تحتوي ذلك المقطع الشهير للمغني ‏والممثل تامر حسني، وهو يقول للإعلامية إنجي علي:"مش بتمنى أموت وأنا مطرب".‏

تجاوز الأمر إذًا أزمة الفنانين مع القبلات والمشاهد الساخنة، إلى رؤيتهم التي تحرم الفن بوجه ‏عام، حتى أنهم لا يريدون الموت وهم يمتهنون هذه المهنة، رغم أنهم لايزالون على ذمتها، ‏ويتربحون منها، ويشارك تامر حسني هذا الشعور كومة من الفنانين والفنانات الذين اعتزلوا ‏العمل بالفن، وحاول بعضهم شراء أعماله لإخفائها عن الجماهير، وابتعد أخرون عن المجال ‏واعتزلوه لسنوات طويلة ثم عادوا مرة أخرى من النقيض للنقيض!‏

الفصام هنا لا يشمل الوسط الفني فحسب، ولكنه يشمل كذلك الجماهير المصرية والعربية، ‏التي تسُبّ النجوم والمنتمين للوسط الفني على مواقع التواصل الاجتماعي، ومقاطع اليوتيوب ‏الساخنة، بعد أن دخلوها وشاهدوها حتى النهاية، ثم وضعوا تعليقات الرفض والاستنكار ‏المصحوبة بالاستغفار!‏

وليس خفيًا أن بعض الجماهير التي تسُبّ النجوم وفنانين الصف الثاني والثالث والوجوه ‏الجديدة على حدٍ سواء، هي نفسها التي تتزاحم حول النجم أو النجمة فور رؤيتها في المول أو ‏السينما أو أي مكان عام، وتطلب منها التقاط صورة "سيلفي"، وهي التي يتمنى عدد غير قليل ‏منها العمل في الوسط الفني، والوصول لعالم الشهرة والمجد والمكاسب المادية، ولهم في ‏مكاتب "الكاستينج" مقاطع فيديو صوروها في "الأوديشن"، أملًا في الحصول على فرصة تمثيل ‏بمسلسل أو فيلم. ‏

في ما يتعلق بهذه الجدلية، يمكن إدراك أن لدينا ثلاثة أنواع من البشر سواء كان هؤلاء البشر ‏نجومًا أو جمهورًا عاديًا.‏

‏1-‏ هناك من يعمل في الفن أو يتابعه، وهو يشعر داخله أن سلبياته أكثر من إيجابياته، ‏وأن مساويء الممارسة تعلو فوق قدسية الرسالة، لذا يتعامل معه بمنطق "المُدخّن" ‏الذي يقرأ العبارة المكتوبة بالفونت العريض وتقول "التدخين ضار جدًا بالصحة ويؤدي ‏إلى الوفاة"، لكنه لا يستطيع الامتناع، وينتظر لحظة "التبطيل"!‏

‏2-‏ من يرى في الفن متعة ورسالة عظيمة، لا يجوز إخضاعها لمعايير الدين، وإلا فعلينا ‏على سبيل المثال حرق اللوحات التي لا تقدر بثمن لكبار الرسامين، والتماثيل الأثرية ‏لعظماء النحاتين، لمجرد أنها لنساء عاريات، فضلًا عن أن القبلات والأحضان ‏والمشاهد الحميمية – من وجهة نظرهم - هي تجسيد لخيال غير حقيقي، حتى وإن ‏كانت وقت التصوير تحدث بشكل حقيقي، لكنها حقيقة رمزية لتجسيد حالة فنية، ‏وبعضهم يُشبّه الأمر في ضرورته، بتعري فتاة أو سيدة أمام طبيب من أجل توقيع ‏الكشف عليها، وعلاجها، ليصبح هذا التعري مباحًا ومفهومًا ضمن إتمام "التشخيص" ‏للوصول للعلاج.‏

‏3-‏ من يرى أنه ليس مضطرًا لاعتزال الفن، أو التوغل في تمثيل مشاهد معينة تتعارض ‏مع قناعاته الدينية والأخلاقية، مازجًا بين معاييره الدينية والفنية في نطاق ما يجسده أو ‏ما يشاهده، دون أن يشغل باله بعموم المسألة في المطلق، لأن الأمر أكبر من أن ‏يفكر فيه ويحسمه بشكل عام للبشرية، ويكفيه أن يُحاسب على ما يقدمه فقط، تاركًا ‏الحرية للأخرين في فعل ما يحلو لهم، مثلما عليهم منحه الحرية نفسها لفعل ما يراه ‏مناسبًا، ويؤمن به، ويستشهد هذا الفريق بالتطور الكبير الذي شهدته السينما الإيرانية ‏‏– على سبيل المثال – في الشكل والمضمون، وفوز الكثير من أفلامها بأكبر وأهم ‏جوائز المهرجانات السينمائية العالمية، رغم أن لها معايير وضوابط معينة، إذ أن ‏الفيصل في المسألة هي طريقة الطرح والمعالجة، دون أن يمنع الالتزام أو الوازع ‏الاخلاقي والديني من النجاح الفني وحصد الجوائز.‏

وفي وجهة نظري الشخصية أن هذه القضية مسألة شائكة، وأكبر من حسمها بمقال أو ‏سلسلة مقالات، أو حتى مناظرات فنية ودينية، لأن لكل فريق قناعات تمثل رواسخ من ‏الصعب زحزحتها، فضلًا عن أن الفن وجهة نظر تتسع للقبول والرفض حسب ذائقة وعقلية ‏كل متلقي بشكل فردي، دون أن ينسحب ذلك على الكل بشكلٍ جماعي، وحتى الأفلام التي ‏تحقق شبه إجماع جماهيري ونقدي، تتفاوت أسباب إعجاب الجماهير والنقاد بها، ما بين ‏معجب بالتمثيل، أو الفكرة والسيناريو والحوار، أو الإخراج، أو الموسيقى التصويرية، ‏وغيرها من عناصر العمل الفني، ودرجة تفاعل كل فرد بأحدها أكثر من باقي العناصر.‏

وغني عن القول أن القواعد الأكاديمية التي تنظم معايير جودة تلك العناصر، لا يمكن ‏استخدامها بشكل ثابت كقانون موحد في التطبيق والتقييم، انطلاقا من مقولة بيكاسو ‏الشهيرة "تعلم القواعد كبروفيسور ثم أكسرها كمبدع"، إذ أن القواعد وجدت لتنمية الفكر ‏والوجدان، وليس لتقييده، وأن نفس السيناريوهات التي تم تنفيذها في أفلام ومسلسلات ‏ومسرحيات، لو أعيد انتاجها مرة أخرى، بفريق عمل مغاير، لرأينا فيها روحًا غير الروح، ‏وطريقة تمثيل وإخراج ستجعل منها أعمالًا مختلفة تمامًا، رغم أن الفكرة والورق واحد، لأن ‏الفن في النهاية "وجهة نظر" وإحساس يختلف من مبدع لمبدع، دون حسم نهائي يقول أن ‏طريقة بعينها هي الأصح دون غيرها.‏

والفيصل الوحيد هنا هو "الحرية" التي يجب أن تتاح لكل فصيل في الممارسة بالشكل ‏المناسب لقناعاته، وعلى الجمهور الإقبال أو الإحجام وفقًا لقانون العرض والطلب، من ‏ناحية، ووفقًا لدرجة الوعي والتعليم التي يجب أن تزداد بشكل يرتقي بثقافة الاختلاف ‏والتنوع، دون مزايدة أو صراع في مسألة وجودية لا يوجد حل وحسم نهائي لها، مثلها مثل ‏الأديان، يؤمن كل منها بها بطريقته وقناعاته، دون فرض أو وصاية من أحد.‏

اقرأ أيضًا:
‏ ‏

مراجعات يوسف الشريف والمشاهد الساخنة

جلباب "عبد الغفور البرعي" الذي ارتداه "فريد شوقي"