الزمن اللي "مش جميل"!

تاريخ النشر: الخميس، 9 أبريل، 2009 | آخر تحديث: الخميس، 9 أبريل، 2009

يصر البعض على التعامل مع المطربين بداية من جيل الثمانينيات وحتى الآن، وكأنهم فنانين "درجة تانية"، في مواجهة عمالقة فن " الزمن الجميل" من أجيال الخمسينيات وحتى السبعينيات، وكلما ظهر على الساحة جيل جديد ... كلما تكرر ذلك المصطلح!

شغلت هذه الجزئية تفكيري عند سماعي أغنية أحمد مكي الجديدة "كل زمان"، التي حاول فيها أن يشرح الفارق بين ما تواجد في العقود الوسطى من القرن الماضي، وما يفترض أن يوجد في الوقت الحالي.

وبرغم أنني لم أهتم كثيرا بأغلب ما جاء بالأغنية، استوقفني الحديث عن المطربين الراحلين، الذين لا تزال أغنياتهم تعيش معنا حتى الآن، وبالتأكيد ستظل كذلك لسنوات مقبلة.

تواجد أغنيات أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب حتى يومنا هذا يحمل الكثير من المعاني، يمكن تلخيصها بأن العظماء يموتون، ولكن أعمالهم تبقى بيننا.

هذه الأسماء عملت طوال مشوارها الفني على تكوين الشكل الغنائي المصري، حيث أبدعت "كوكب الشرق" في غناء القصائد، التي لم يستطع غيرها غنائها بهذا الشكل المميز، وتميز "العندليب" بالأغاني الرومانسية الرائعة، واستطاع موسيقار الأجيال أن يضع "لوحات موسيقية" مُدهشة.

ولكن..هل انتهى بذلك "الزمن الجميل"، وأصبح كل ماهو آت "غير جميل"؟

هذا ما يردده الكثيرون منذ وفاة عبد الحليم حافظ وحتى الآن، حالة من القناعة التي لا تقبل تشكيك يصر عليها البعض، وكلما ابتعد بنا الزمن عن السبعينيات، كلما ازدادت تلك "النغمة"، التي يكررها أيضا الإعلام.

جمل من نوعية "إيه اللي بتسمعوه ده؟"، "دانتوا في زمن ما يعلم بيه إلا ربنا"، "فين أيامك ياست ... فين أيامك يا حليم"، وتمتزج هذه الجمل أحيانا بصوت "مصمصة الشفاة" تحسرا على ما مضي وامتعاضا من الجديد.

وتعتبر هذه الأقاويل "بلا مبالغة" غاية في الخطورة، لأنه من العيب ألا تنجب "بلد الفن" مطربين يحملون لواء الأغنية المصرية بعد وفاة عظماء الجيل الماضي، كما أنه لا يصح أن تحتضن مصر فنانين من المحيط إلى الخليج، في الوقت الذي يقال في أراضيها أنه لا فن ولا ذوق بعد عبد الحليم وأم كلثوم!

ولكن الواقع يقول شيئا آخر، فهناك "نجوم كبيرة" جاءوا بعد عبد الحليم، وأثروا الفن المصري بإبداعات على مدار عشرات السنين، وهناك مطربون تجاوز مشوارهم الفني من حيث عدد السنوات، نظرائهم من كبار الجيل السابق، ومازال أمامهم سنوات مقبلة، أي أن ما يقال يحمل الكثير من "اللا منطقية".

ولا يصح أن يقال ذلك ونحن نمتلك هؤلاء، وإذا كان البعض لا يعرفون من هؤلاء، فمن الأمانة أن يتولى جيلنا مسئولية ذلك!

مصر يجب أن تفخر بمطرب ذي بشرة سمراء، ظهر في أواخر السبعينيات، واستطاع أن يدخل تغييرات عديدة على الذوق الموسيقي، واستخدم آلات موسيقية لم نكن نعرفها من قبل، هذا المطرب استطاع أن يصل لدول أوروبا ويغني فيها، في الوقت الذي يحافظ على "مصريته" التي تلمع في أغانيه.

هو يغني منذ 32 عاما، وهي المدة التي يستحيل أن يبقى فيها مَنْ لا يقدم فنا راقيا، وانتظار عشرات الآلاف من المستمعين له بالساعات في أماكن حفلاته تكفي لإثبات ذلك، وإذا كنت لا تصدق، تستطيع أن تحاول السير بسيارتك في الطريق المؤدية لدار الأوبرا المصرية ليلة رأس السنة!

مطرب آخر، ظهر أوائل الثمانينيات، استطاع أن يأتي بكل ما هو جديد خلال مشواره، يملك أكثر من 27 ألبوما غنائيا، كل واحد منها يؤكد على موهبته وذكائه، اسمه يتردد بدول أوروبا وأمريكا وكأنك تتحدث عن منتج إفريقي نادر وشهير يصدر إلى هناك.

لم يذهب للغرب ليعرض "بضاعته" عليهم، بل هم من جاءوا إليه ودعوه لزيارتهم وغناء أغنياته أمامهم وتسلم جوائزه التي منحوها له.

غنى معهم أغنياته "الشرقية" التي تحمل معانينا وأحلامنا، هو يغني منذ 27 عاما، شعبيته بين الشباب تكفي لإثبات نجوميته، وزيارة إلى "مارينا" كل عام ستأتي بالقناعة لمن يشكك في ذلك!

بعد كل هذا، هل نحن حاليا نعيش "زمن غير جميل" موسيقيا؟ هل الفترة التي يغني فيها محمد منير وعمرو دياب لا تستحق لقب "الزمن الجميل"، الذي يقتصر على الأجيال السابقة؟

الاستمرار في ترديد تلك النغمة ليس في صالح أحد، ومحاولة البعض إثبات أن قطار الفن توقف بوفاة حليم، وزمن الإبداع الموسيقي انتهى مع رحيل عبد الوهاب، محاولة "فاشلة" أثبتت الأيام عدم صحتها.

الجيل السابق لم يكن يحمل "مفتاحا" للإبداع تم دفنه مع مَنْ دُفنوا، والإبداع الموسيقي والفن الجميل ليس موجودا بخزينة في بنك لا يتم فتحها إلا ببصمة صوت مطربي الماضي.

مصر لديها العديد من "العمالقة" الذين لا يزالون على قيد الحياة، والذي يقدمون الفن الهادف الذي يتحدث البعض عنه، ولابد أن نضع ثقتنا فيهم ليحافظوا على إبداعهم.