محمد محيي بعد 12 عاما ... الصبر جميل والهوى ميال

تاريخ النشر: الاثنين، 2 مارس، 2020 | آخر تحديث:
محمد محيي

"ازيك يا فنان ... ما تتخيلش انا بحبك قد ايه ... وحشتنا ما تتأخرش علينا ... احنا منتظرين ألبومك الجديد".

كانت هذه الجمل السريعة، التي سيطر عليها شعور بالحب ممزوجا بفرحة تحدثي إلى مطربي المفضل، ملخص مكالمة تليفونية أجريتها مع الفنان محمد محيي، منذ حوالي 13 عاما، وتحديدا قبل طرح ألبومه الأخير "مظلوم"، عن طريق صديقي العزيز الكاتب الصحفي محمد عاشور، الذي بادر بالاتصال بمحيي (صديقه)، عندما عرف إلى أي مدى أنا معجب به.

كانت هذه المكالمة بعد سنوات من طرح محيي ألبومه "قادر وتعملها" 2004، الذي ظللنا ننتظر بعده أربع سنوات لنستمع لجديد محيي وكلماته وألحانه التي لا يغنيها إلاه ... ولم أكن أعلم أن هذه الفترة التي تعد طويلة جدا بالنسبة لألبومات تلك الفترة (كان المطرب وقتها يطرح ألبوما وأحيانا اثنين في العام الواحد) ... ليست هى الأطول عند محيي، الذي غاب عنا 12 عاما.

والآن وبعد كل هذه السنوات، لم أفكر في الحديث إلى محمد محيي مرة ثانية، وإلا سأجد نفسي أكرر نفس كلمات المكالمة الأولى، ولن يزيد عليها سوى بعض كلمات العتاب ... عتاب الأحبة.

"أنا حبيت"

فوجئنا عام 1991، تلك التي كانت تشهد أوج الأغنية الشبابية الصاخبة، بمطرب شاب تظهر صغر سنه على نبرة صوته، يغني لنا بطريقة سيد درويش"أنا حبيت وانجرح قلبي واللي جرحني حبيب عمري"، فكانت أفضل وأذكى تقديمة لمطرب جديد ليلفت بها انتباه المستمعين، وهو ما نجح فيه بالفعل.

"مغناوي"

واصل محيي الغناء بالشكل الطربي الذي لفت إليه الأنظار في ألبومه الأول، وقدم في العام التالي 1992 ألبوما بعنوان "ليه الحبيب"، زود فيه جرعة الأغاني الطربية "حبيت"، و"انتي عارفة"، و"بعتب عليك"، وكانت أغنية "مغناوي" من أكثر أغاني الألبوم التي دندنها الشباب وقتها، ليثبت أنه يستحق أن يكون "مغناوي" أصيل.

"بحور الهوى"

الآن في صيف 1993، وقد أصبح محيي اسما معروفا في عالم الغناء، ليس فقط صوتا مميزا، بل كلمات وألوان موسيقية جديدة ومختلفة لا تسمعها إلا لديه، "تاني"، و"تعبان يا قلبي"، و"حبينا جرحونا" ... لم يقدم محيي في أي من ألبوماته "الموضة" الموسيقية، التي سار ورائها كل نجوم التسعينيات، فظل وحيدا في منطقة لم يصل أو يقترب منها أحد، بعيدة عما نسمعه في السوق، وقريبة جدا من قلوبنا، ورمانا بلحنه الأندلسي "بحور الهوى" الذي قدمه في ألبومه "أعاتبك" في بحور هواه، التي لا ينقذنا فيها سوى صوته الذي "طاب واستوى في بساتيني".

"الصبر جميل"

عام 1994 وضعت قدما بقوة في قلوبنا، عندما شدوت في ألبوم "روح قلبي": "الصبر جميل ... والهوى ميال ... ومسيرة يميل الناحية دي" ... ولم نكن نعلمن أن حال المحبين الذي ينتظرون ميل قلوب أحبائهم سيكون حالنا معك، ولن نجد مع حبك إلا الصبر "الجميل"، الذي نلجأ له في غياباتك الطويلة، وانطلقت قلوبنا الصغيرة تعيش أجمل قصص الحب على أنغام وكلمات: "مكتوب على قلبي وأنا صغير يعشق ويميل ... وحبيبي يكون لسه صغير ورقيق وجميل".

"موال الحنين"

في العام التالي مباشرة 1995، وضعت القدم الثانية ولم نعد ندري وقتها يا "أغلى الناس" أي أغنية نستمع إليها أولا من الألبوم، فأعلنا التحدي في عنفوان شبابنا ونزق مشاعرنا التي تلون فترة الجامعة أنه "آن الأوان نحلم ونعيش ... آن الأوان نعشق وندوب" ... لكنك عدت لتاكد لنا "أنا موال الحنين وانت سر الغنا"، وكأن الغناء عندك لا يأتي إلا من الحنين في أعلى مراتبه.

"اعترف لعنيكي ولا"

استغرق الأمر هذه المرة سنتين ليعود إلينا محيي بألبوم جديد 1997 تجول فيه مع حبيبته "في شارع الهوا"، الذي شهد مفاجأة أثارت الجدل حينها عندما التقي بـ"اخته الصغيرة" وحبيبها ... أو ربما استغرق محيي العامين مترددا "اعترف لعنيكي ولا" ... إلى أن قرر في النهاية الاعتراف.

"شعوري وراضي بيه"

"أربعة أعوام مرة واحدة يا محيي!! كدة كتير قوي قوي"، كانت هذه هى الجملة الوحيدة التي تتردد على ألسنة محبيه، ومثل كل مرة رد علينا بجمال في ألبوم "صورة ودمعة" 2001، مؤكدا أن الغناء حالة وليس واجبا، يغني ويبدع عندما يشعر بحاجته لقول شيء، حب وحزن وندم ولوم، جاء لنا هذه المرة ومعه هدية سيشكره عليها الفن العربي لسنوات طويلة اسمها "شيرين عبد الوهاب" شاركته أغنية "بحبك" التي أضفت جوا من البهجة غريب على ألبومات محيي، لكن ماذا نقول نحن أمام ما نحب، وما يرضينا رغم الغياب؟ أما هو فقال لنا بصراحة ووضوح: "شعوري وراضي بيه".

"ودا مين يبعدني عنك أنا"

كان علينا الانتظار ثلاث سنوات أخرى حتى يطرح محيي ألبومه "قادر وتعملها" 2004، دون أن نعرف مين اللي بعدنا عن محيي وبعده عننا؟!
ورغم ذلك أحدثت أغنية "قادر وتعملها وقتها" ضجة كبيرة خاصة بعد تصويرها بطريقة الفيديو كليب، بجملتها الشهيرة: "روح بعيد مش هبكي عالليالي تاني ... روح خلاص غلطة وبدفع تمنها غالي".
وظلت أغنيات "كنا زمان"، و"خلينا اصحاب"، و"في ليلة" تحتل قمة أي "بلاي ليست" يفكر أي سميع للأغاني العربي وضعه، وهو يدندن: ""جوه كل واحد فينا ماضي وذكريات".

"هى عادتك يعني ولا هتشتريها"

أربع سنوات أخرى مرت ولازلنا نستمع إلى قادر وتعملها بكل أغنياته، التي لا تستطيع أن تقول إن هذه "هيد" الألبوم، أو أفضل أغنية فيه، ها هو محمد محيي يعود بـ15 أغنية في ألبوم واحد، هدية كبيرة لعشاقه عام 2008، بتيمة من أغنية تراثية للريس حفني، قدم محيي ألبوم "مظلوم"، ضم تحفا موسيقية قدمها خالد عز (تلحينا) وفهد (توزيعا).
استسلمنا أخيرا لغياب محمد محيي، عملا بقوله في "مرة سبتك": "هي عادتك يعني ولا هتشتريها".

والآن وبعد 12 عاما من آخر ألبومات محيي، وبعدما تغيرت الساحة الموسيقية بأكملها، وبعدما اختفت نجوم، وظهرت أخرى، وتغيرت الأذواق، وأصبح هناك جيل جديد من الشباب كان طفلا عندما أصدر محيي آخر ألبوماته، يعود ليفجر الحنين مرة أخرى بالإعلان عن ألبوم جديد، وطرح أولى أغنياته "سهرانين"، لينسينا 12 عاما من الغياب، ويجد جمهوره بنفس الحب والحماس لمطربهم، الذي لن يحل أحد محله أبدا مهما طال الغياب ... فلا نملك يا فنان سوى "الصبر الجميل" فكما تعرف وأخبرتنا "الهوى ميال".