مروة الوجيه
مروة الوجيه تاريخ النشر: الأحد، 26 يناير، 2020 | آخر تحديث:
المخرج أمجد أبو العلاء

بعد غياب 30 عامًا عن الأضواء، تعود السينما السودانية بشكل قوى من خلال "ستموت في العشرين" للمخرج أمجد أبو علاء، سابع فيلم في تاريخ السينما السودانية، حيث قصد تناول جزءا من حياة الشعب السوداني وخاصة في منطقة الجزيرة كاسرًا فيها كل ما هو مألوف من موضوعات وتكنيك إخراجي ليقدم أبطاله في حدوته عن معقدات وتقاليد البعض حول الحياة والموت.

وبالرغم من مشاركة الفيلم في عدد كبير من المهرجانات العالمية، نحو 40 مهرجان سينمائي، وحصوله على نحو 15 جائزة دوليه منها جائزة الأسد الذهبي من مهرجان فينسيا لأول عمل سينمائي، و جائزة التانيت الذهبي في مهرجان أيام قرطاج السينمائية نوفمبر 2019، وجائزة نجمة الجونة الذهبية لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان الجونة في دورته الثالثة، وغيرها من المهرجانات العربية والدولية، الا أن الفيلم ومخرجه قوبلوا بعدد من الانتقادات، لعدة أسباب ، وكان لـ "في الفن" لقاء مع أمجد أبو العلاء في مهرجان "كوستندروف للسينما والموسيقي" بصربيا للرد على منتقديه وعن مشاريعه المستقبيلة فكان مع هذا الحوار...

لماذا اخترت أن تقدم فيلمك الروائي الأول عن فكرة الموت تحديدًا؟
الفيلم مستوحي عن قصة للكاتب حامور زيادة من مجموعته القصصية "الموت عند قدمي الجبل" حيث كنت في طريقي الى السودان لحضور جنازة جدتي وكنت أقرأ هذه المجموعة للهروب من حالة الحزن التى كانت تغمرني لفراق الجدة، كما أنني قبل ذلك بعدة أعوام قد تعرضت لموقف وفاة خالتى التى عملت على تربيتي في فترة في السودان وأيضا صديق مقرب لى. كل هذه الحوداث عن الموت أثرت في بشكل كبير، حيث أننى بعد وفاة خالتى كنت أذهب الى قبرها على مدار ثلاثة سنوات وأخذ كتب وأقرها هناك عند قبرها، لذلك أيضًا قصدت أن أبرز شكل شكل المقابر خلال الفيلم وفكرة الموت تحديدًا كانت ومازالت أمر يشغل تفكيري، تعامل الناس مع الموت وتأثيرهم بفكرة فراق الأحباب وطقوسهم الخاصة المتبعة في هذه المواقف، كل هذا أمر أثر في وفي تفكيري وشخصيتي.

هل تتوقع أن الشعب السودانى بعد 30 عام من الغياب عن السينما مستعدة لتقبل فيلم عميق بهذا الحد؟
بالطبع فالشعب السوداني متعطش لهذه الأنواع من الأفلام وقد شاهده فيلمي العديد من الجاليات السودانية في الخارج وأشادوا به كثيرًا، حتى أن مهرجان مونتريال أقام عرض رابع لكثرة الجماهير وهذا للمرة الأولى في تاريخ المهرجان، كما أنه سوف يعرض جماهيرًا في السودان خلال الشهر الجاري وأتوقع له النجاح هناك،لان مثل هذه النوعية من الأفلام هو ما يبحث عنه الشعب السودانى حاليًا.

حدثني عن اختيار الممثلين وأماكن التصوير خاصة وانك بدأت تصوير الفيلم قبل أيام من قيام الثورة السودانية؟
استغرق اختيار الممثلين والأماكن سنة تقريبًا لأن أكثر ما كنت أبحث عنه هو اختيار طاقم عمل كله من السودان، وبالطبع واجهنا صعوبة في التصوير، حيث قمنا بالتصوير في موقع الجزيرة وأغلب سكانها من الطائفة الصوفية وهناك أهالي بعض القرى تعجبوا من الأمر في البداية.. وقد تم طردنا من قبل قرية كنا قد بدأنا التصوير فيها بالفعل لكن السكان هناك لم يتفهموا فكرة العمل، فنقلنا التصوير في قرى أخرى وكان هناك تعاون قوى من قبل سكان هذه القرى. اما طاقم العمل فواجهوا العديد من المشاكل أيضًا لكن هذا لم يمنع من قيام الفيلم بل اتخذوه كتحدي وبالفعل اعتقد أننا نجحنا في تقديم المجتمع السوداني بشكل راقي وواضح والجمهور السوداني اشاد بذلك.

هل فكرت في تصوير الفيلم خارج السودان خاصة وأن فترة التحضير وبداية التصوير كانت أثناء وجود حكومة متشددة لا تؤمن بالسينما والفن؟
بالطبع لا، فالفيلم كان بهدف مقاومة ذلك في الداخل السوداني، وأنا أؤمن أنه لتقاوم شئ يجب ان تبدأ من الداخل، كما أننا أخذنا كافة التصاريح الحكومية قبل قيام الثورة السودانية بفترة كافية.وكنت أنتوي المحاربة لعرض الفيلم في السودان حتى اذا لم تقم الثورة، فهذا الفيلم عن السودان ومن أجل الشعب السودانى في المرتبة الأولى.

وماذا عن صعوبة اختيار الممثلين والوجوه الجديدة بشكل خاص؟
الصعوبة الرئيسية كانت في اختيار "المزمل" بطل الفيلم الرئيسي وتقدم لعمل الكاستينج العديد من طلاب المسرح الا أن جاء مصطفي شحاته وهو طبيب ولكن عاشق للسينما، وبمجرد قراءة مشهد واحد لعمل تجربة الكاميرا تقمص شخصية "مزمل" بشكل مبدع، أثار اعجاب طاقم العمل ككل، ثم جاءت الأزمة في اختيار شخصية الطفل او "المزمل" في مرحلة الطفولة، وبالصدفة أدركت الشبه بين مصطفي شحاته وإبن خالي معتصم راشد فعملت معه اختبار للكاميرا في منزل عائلتي في السودان وكان مبدع. اما شخصية نعيمة فكانت لعارضة الازياء بنه خالد حيث رأيت فيها كل ملامح الشخصية، وبالطبع الفنانة القديرة اسلام مبارك ورابحة محمود فهم مدرسة تمثيلية في حد ذاتها.

"ستموت في العشرين" جاء بعد انقطاع نحو 30 عام عن انتاج السينما السودانية، وقدمت خلاله كسر للعديد من التابوهات، الم تشعر بشئ من التخوف لتقبل البعض خاصة المجتمع السوداني؟
السودان بلد كبير جدًا وكل منطقة تمتلك العديد من العادات والتقاليد المختلفة ولها رؤية مختلفة عن غيرها، كما أنني بطبعي شخص متمرد، كاسر للمألوف ودائمًا أبحث عن السبب وراء كل شئ، وهذا ما جعلني أفرض على عائلتي قرار ترك الحياة في دبي وان أقيم في السودان في سن التاسعة. كما أننى لا اؤمن بوجود حاجز او خط أحمر او تابوه لا يمكن الإقتراب منه، كل شئ في حياتنا يجب ان نتناوله بكل وضوح وصراحة.

تحدثت سابقًا عن عشقك لأفلام يوسف شاهين.. وإنك تعلمت من افلامه الكثير فهل ظهر ذلك في فيلمك؟
كانت بداية عشقى للسينما من خلال فيلم "اسكندرية ليه" للعبقري يوسف شاهين، ثم بعد ذلك درست أفلامه كلها، وقد أظهرت ذلك من خلال مشاهد فيلم "باب الحديد" على مدار احداث "ستموت في العشرين"، كما يوجد مخرجين آخرين تأثرت بهم مثل المخرج اليوناني العظيم ثيو أنجلوبولوس، والسوفييتي أندره تاركوفسكي، الذي أعتقد أنه مؤثر في تفكيري الشخصي بشكل أكبر. لكن الأهم أن شاعرية هذين المخرجين تحديدًا طاردتني في تكوين طريقة السرد السينمائي.

وعندما قدمت "ستموت في العشرين" كنت واضحًا في ذلك، إذ إني قدّمت تحيات في 7 مشاهد لـ7 مخرجين: شاهين وشادي عبد السلام وأنجلوبولوس وتاركوفسكي وجيوسيبي تورناتوري، والمخرج السوداني جاد الله جبارة، هذا بالاضافة الى المخرج أسامة فوزي الذي تلقيت خبر وفاته أثناء تصوير أحد المشاهد وأصريت أن أقدم تحيه له أيضًا، فبتلقائية شديدة، وجدتني أُعيد ديكوباج مشهد بعينه، ليكون تحية لروحه، وخرج المشهد بعد تعديله أجمل مما كان مقدرًا له أن يكون، وحمل برأيي ثقل حزننا كفريق عمل على وفاة هذا السينمائي، الذي كنا ننتظر منه الكثير.

عرضت في فيلمك الكثير من التناقضات، فكرة الكبت المجتمعي والتحرر، الحياة والموت، المعرفة والجهل، لماذا اخترت أن تعرض هذه التناقضات في شخصية بطل الفيلم؟
هذه التساؤلا موجودة داخل أغلب الشباب في العالم العربي وهناك تابوه دائمًا يواجهنا عند التساؤل حول بعض من هذه الأشياء، فاردت أن أوضح حالة التخبط هذه من خلال "المزمل"، كما أن وظيفة السينما ونصوص الأفلام هى عرض لمشاكل واقعنا لنتساءل عن الذي لانمتلك عنه إجابات واضحة .

"ستموت في العشرين" شهد تعاون بين العديد من مؤسسات الانتاج من بلدان مختلفة.. لماذا؟
الإنتاج بالتأكيد كان أصعب التحديات التي واجهت صناعة الفيلم؛ ففي بلد لا يمتلك أي مقومات للإنتاج السينمائي، يصبح البديل الوحيد المتاح والمعروف هو الإنتاج المشترك. بيد أن الإنتاج المشترك أيضًا ينطوي على تحديات غير قليلة، كانت البداية مع المنتج المصري حسام علوان بهدف الوصول إلى مصادر تمويل أجنبية، واستغرقت الرحلة سنوات، لكن حتى بعد ظهور المنتجين الأجانب تصبح فكرة تقريب وجهات النظر بين أشخاص من خلفيات ورؤى مختلفة أمر شاق. وفي العموم فالانتاج المشترك سلاح ذو حدين، فجميع جهات الإنتاج حريصة على إنجاح الفيلم، لكن جميعها بأراء مختلفة و تفاصيل متعددة ومشتتة في بعض الأحيان، وفي المقابل تساعد هذه الجهات في إعطاء الفيلم مساحة للتسويق ممتازة، فكل منتج كان يعلن عن قدوم فيلم سوداني خلال الفترة القادمة ، فاصبح هناك ترقب كبير لفيلم " ستموت في العشرين "، ناهيك عن ترويج الفيلم داخل المهرجانات العالمية مثل "كان" و تورونتو " و"برلين" و"فينيسيا" وأخيرًا مهرجان "كوستدروف" بصربيا، مما اعطى للفيلم ثقل فني عالي، لكن بالطبع لو اتيح لي حرية اختيار إنتاج لفيلمي القادم فانني أتمني أن يكون منتجا واحدا وليس إنتاجا متعددا.

حدثنا عن مشروعك القادم "كلاب الخرطوم"
هو واحد من مشاريعي القادمة لكنني لست متأكد اذا كان هو القادم ام لا، هو قصة عن شباب السودان والثورة السودانية، كما أنه يعرض بعض العادات والمعتقدات في دارفور تحديدًا، يمكن أن نقول أن فكرته من نوعية الفانتزيا السودانية عن تحول بعض القبائل الي ذئاب وكيف استخدمت هذه المعتقدات في خدمة أهداف البعض.

اذًا انت تفضل تقديم فيلم مهرجانات آخر وليس تجاريًا كمشروعك القادم؟
أرفض هذا التصنيف، وهذا التصنيف يمكن أن نقول أنه موجود فقط في السوق المصرية، او المتحكمين في السوق المصرية، ولكن في وقتنا الراهن فالجمهور هو الذى أكد أن نوعية الأفلام التجارية القائمة على الراقصة والأغنية الشعبية لم تعد هى المطلوبة جماهيريًا ولنا مثال في ذلك أفلام مروان حامد التى نجحت جماهيريًا ولها فكر وقصة مختلفة، وأنا أفضل هذه النوعية من الأفلام القائمة على القصة وتكون ممتعه لصانع العمل وللجماهير في آن واحد.

وهل عملك القادم سيكون من انتاج أمريكي بعد توقيعك مع شركة عالمية؟
وقعت معي أحد أهم شركات ادارة الأعمال في أميركا "Creative Artist Agency" لادارة مشاريعي القادمة وهي ذات الشركة التي تدير أعمال الفنانين براد بيت وجيمس كاميرون و جورج كلوني وبيونسيه وليدي جاجا وميريل ستريب وآخرين، لكن رغم العروض المطروحة أمامي لاخراج افلام عربية وعالمية الا ان الفيلم القادم أود أن يكون سوداني، فانا متعطش لحكايات السودان وهناك الكثير لم يقدم بعد عن هذه البلد الخصب اعتقد أنه آن الآوان لعرضها على العالم.

معظم النقاد أشادو بفيلمك وقال عنه الناقد أحمد شوقي أنه في المرتبة الاولى لأفضل 20 فيلم عربي هذا العام وأكثر ما يميز الفيلم هو التوازن بين الشكل والمضمون، كيف توصلت ككاتب سيناريو ومخرج إلى خلق هذا التوازن؟
أنا أؤمن بسينما المؤلف، وأعلم أنها موازنه صعبة لكنها ممتعه، ولذلك استعنت بصديقي السيناريست يوسف ابراهيم في كتابة سيناريو الفيلم، وخلال فترة اعداد وتصوير الفيلم كنت اتبع إحساسي كفنان وعملت على تقديم شكل ومضمون مختلف لكنه ذومعنى وقضية وقصدت أن يكون كل مشهد فيه جزء من شخصيتي وروحي، يمكن لهذا استطعت أن اتغلب على كافة المشاكل التى واجهتها لتقديم هذا العمل.


اقرأ أيضا:

السينما العربية تتألق في "كوستندروف" بصربيا ... نبذة عن المهرجان

الفيلم السوداني"ستموت في العشرين" يفوز بجائزة بمهرجان فينيسيا