ريهام عصام
ريهام عصام تاريخ النشر: الاثنين، 15 أغسطس، 2005 | آخر تحديث: الاثنين، 15 أغسطس، 2005
مكي القادم من عالم الملاكمة و الطيور المغردة ...هل يكمل طريقه في السينما؟!!

"شاب في مقتبل العمر ذو حضور طاغ تبدو عليه إمارات القيادة بوضوح ، تراجع شعره حتى منتصف رأسه".

.. هذه ليست أوصاف نجم سينمائي قادم من عالم الخمسينات ، أو ملاكم عالمي في الوزن الثقيل ، هذه هي الكلمات التي أختارها المخرج أحمد مكي لنفسه حتى يمكننا التعرف عليه قبل حوارنا معه.

وعلى الرغم من أن شعره لم يتراجع لمنتصف رأسه ؛ إلا إنها كانت البداية للتعرف على أصغر مخرج في "السوق" حالياً ، والشقيق الأصغر للممثلة ايناس مكي ، قصة25 عاماً من التحولات الدرامية ، الملاكمة ، تربية الطيور المغردة ، إصابة وهمية بالسرطان ... ثم السينما.


في فيلم مكي الأول "الحاسة السابعة " يخوض شاب يدعى يحيى المصري مشواره نحو قمة لعبة الكونغ فو ، معتمداً على مهارته الفطرية في قراءة أفكار الأخرين. أنت لست بحاجة للتحلي بنفس المهارة من أجل قراءة أحمد مكي ، فهو قادر على تقديم حياته على طبق من فضة ، ولكنك ستحتار فيما إذا كانت هذه هي حياته بالفعل أم لا؟ إنه لن يهتم كثيراً بردود أفعالك على حديثه ، فهو يعلم أنه قد يصبح صدامياً بسرعة أكبر من سيارته "البيتلز" المهلهلة.

ربما يسير مكي بسيارته مخترقاً كوبري أكتوبر القاهري ، حيث تسقط عيناه يومياً على ملصق ضخم لفيلمه "الشبابي" ، الذي خرج قبل نحو أسبوع من سباق شباك الإيرادات ، ليحصل على تقدير "غير ناجح تجارياً" ، وهو التقدير الذي سارع برفضه قائلاً "لقد كان لدي الإستعداد لتقديم فيلم عالمي ، إلا أن الظروف السيئة التي أحاطت بي منذ البداية كانت عائقاً امامي. ولكن يكفيني أني قدمت فيلماً يحمل رسالة هامة للشباب ، وتحديداً لجمهور المراهقين من سنة 14 إلى 20 سنة".

ويبدو أن مكي – المتحرر في استخدام لغة حواره ، لم يحتمل وضع مساحيق التجميل على كلماته ليبدأ الحديث عن فيلم عرف بطلة غير متوقعة ، واضع موسيقى تصويرية أصابه الهلع في اللحظة الأخيرة ، ومشاركة طاقم عمل بأكمله "تحت السن" ، إلى جانب خسارة صديق حميم ، والسياسة التسويقية للشركة المنتجة كانت النقطة التي أصابته في مقتل.

" كدت أن أخسر احد أصدقائي عندما سألني عن موعد نزول الفيلم بدور العرض ، و ذلك في الوقت الذي كان فيه الفيلم معروضاً بالفعل منذ ثلاثة أسابيع كاملة"!! ، وأضاف "لقد اكتشفت أن الفيلم لم يعرض بمناطق كاملة بالعاصمة ، منها المهندسين والهرم".

قبل عامين كانت النسخة القصيرة من "الحاسة السابعة" حلماً سعيداً لمكي تكلف 6 الآلاف جنيه فقط ، حظى بتقدير ملحوظ من المهتمين بفن السينما بمصر ، وتم تصنيفه ضمن أفضل 60 فيلم قصير بالعالم - على حد قوله ، إلا أن الحلم تحول إلى نصف كابوس لدي تحويله لفيلم طويل، "كنت أنوي تقديم فيلم بوجوه جديدة لا يعرفها الجمهور ، ومع استخدام الدعاية المناسبة كان سيلاقي الفيلم النجاح المطلوب".

المقامرة التي بدأت بالتعامل مع شركة إنتاج مغمورة عرفت إصطداماً مع مرشح مبكر للبطولة هو الممثل أحمد حلمي ، كثيرالملاحظات على السيناريو ، مما فتح المجال لصداقة حميمة بأحمد الفيشاوي البطل الفعلي لـ"الحاسة السابعة " ، والذي كان أحد أهم مكاسب مكي من هذه التجربة.

"ربما يكون أحمد اهو أكثر من عملت معهم إحترافية فهو يعمل في هدوء ، واع تماماً للتوجيهات التى تقدم له ، ويناقشها حتى يصل لهدفه ، يقدم إقتراحاته بذوق وأدب شديدين" ، ويضيف "هو في نظري أفضل الشخصيات التي تعاملت معها حتى الآن".

نبرة مكي الحماسية عندما يتحدث عن الفيشاوي تتحول إلى خليط من التململ والسخرية عندما يتحدث عن الألغاز التي كان عليه حلها طيلة الوقت ، منها لغز إختيار البطلة شخصياً ، مفصحاً عن "خدعة" وقع فيها هو وشركة دولار فيلم المنتجة ، خاصة أن رانيا لم تكن مطلقاً ضمن حسابات مكي للدور ، إلا أن احد العاملين بالشركة يدعى حسام حافظ قدم رانيا لمكي على أنها ابنة مالك الشركة ، ولديها بضعة ملاحظات على السيناريو قبل أن يكتشف أن الوضع مختلف تماماً على حد قوله.

"فوجئت أنها تناقشنى في دور منى وحينما سألتها عن سبب ذلك ، وجدت أن حافظ قد إتفق معها على القيام بالدور وأوهمها أننى طلبتها بالإسم ، وثرت بالطبع لكني بعد فترة وجدت أنها مقبولة ولها تجارب مع الكاميرا ، وبالفعل وافقت على أن تقوم بالدور في النهاية"!!!.

ربما فقد مكي أعصابه أو بضعة كيلوجرامات أثناء تنفيذه لـ "الحاسة السابعة" ، ولكن ما فقده بحق هو صديق مقرب ضمن سلسة "الخدع" التي تعرض لها ، هذا الصديق كان محمد جمعة ، زميل معهد السينما والمشارك في كتابة السيناريو ، والذي أوكل له مهمة تنفيذ الأغنية المصورة للفيلم بعد الإتفاق على بعض التفاصيل التي قد تدعم دعاية الفيلم ، إلا أن مكي صعق من جديد بعد مشاهدة النسخة النهائية من اغنية "كلمتك كتير"، والتي تخلو من أي إشارة أو علاقة ب"الحاسة السابعة".

"على قدر صداقتى بجمعة ، على قدر ما خانني ، فهو حتى لم ينتبه لحقى الأدبي في الفيلم ، ولم يقم حتى بالإشارة إلى أن الكليب تابع للفيلم ، في المقابل حافظت له على مكانته وحقة في كتابة إسمه على سيناريو الفيلم ، على الرغم من أنه لم يكن متواجداً في مرحلة التركيب وكان من الممكن جداً أن أحذف إسمه من تيتترات الفيلم".

مكي ذو الطباع الحادة الحاسمة قرر عدم عرض الكليب ضمن أحداث الفيلم ، إلا أنه أصطدم هذه المرة بالعديد من المشاكل ، وعلى نحو عنيف وصلت الأمور إلى التهديد بوقف عرض الفيلم "تلقيت مكالمة من وليد الكردي يهددني فيها بوقف عرض الفيلم في حالة إصرارى على عدم عرض الكليب ، وبعدها حاولت رانيا أن تعرض على الأمر على انه مجرد إقتراح ، وسايرتهما فترة ، لكننى لم أكن أنوى أن أتراجع عن موقفي".

بعد سلسة "الصواعق الكهربائية" التي سردها مكي ، فأنه يبدو للوهلة الأولى بنبرته الساخرة ، وطريقته في اللهو بدخان سجائره شخصاً لا يجيد الإعتراف بهفواته ، ولكنه سرعان ما يفصح عنها بعد تجربتة المؤلمة دون إلقاء اللوم على الأخرين "الخطأ الأكبر الذي إرتكبته أننى لم أتعامل مع الفيلم بنفس الأسلوب الذى تعاملت به مع أفلامى القصيرة ، التى قمت بإخراجها أثناء دراستي في المعهد. فقد اكتشفت أن الوضع واحد في النهاية".

إلا أن مكي استعاد وضعه مجدداً مشيراً إلى قصة تجاوزه أزمة وقع بها الملحن الشاب شادي سعيد واضع الموسيقى التصويرية للفيلم ، والذي أصابته حالة من الفزع اجبرته على مسح كل ما انجزه قبل عشرة أيام فقط من عملية المكساج.

"أعتقد أني تمكنت من إحتواء العاملين معى ، من أقل عامل حتى الأبطال ، فالكل كان يأتى للعمل وكله حماس ، كانت صداقة يغلفها الاحترام بدون تجاوز للحدود ، هذا هو النجاح الحقيقي بالنسبة لى".

طريقة معالجة مكي للمواقف الحرجة التى تعرض لها أثناء عمله في الفيلم كانت تدل على خبره كبيرة في الحياة أصقلت "حواسه السبعة" ، فقد عاش حياة غير مستقرة بالمرة ما بين الإمارات وفرنسا ومصر ، إنتقل من مجال لمجال ، ومن مهنة لمهنة ، كانت حياته كالقطار الذى ينتقل من محطة لأخرى ، ولا يستقر في أى منها سوى دقائق معدودة ، ويزيح كل ما يقف في طريقه للوصول لهدف.

من لا يعرف هذا الشاب جيداً يصعب تخيله قبل بضعة سنوات في مجال البترول ، ذلك المجال الذي تركه مكي لشعوره بالإختناق من مجرد التفكير في مستقبله"لم أشعر أن حياتي يجب أن تسير بهذا الشكل ، أعمل في الصحراء ، معى زوجه كل همها تأكل و(تتخن وخلاص)" ، ولم يلبث أن ترك مكي الصحراء ، للدخول إلى حلبة الملاكمة ، التي كاد أن يحترفها ليهجرها دون أسباب منطقية.

"أمير التناقضات" كان ربما سيكون في مكان ما بفرنسا مع عالم الطيور المغردة إلا أن هاجس تحقيق الذات طارده حتى في أجواء القارة الأوروبية "تدريب الطيور من أكثر المهن المربحة في فرنسا ، حيث أن لها جمهواً عريضاً لكنى لم أشعر بأننى سأحقق ذاتى في هذه المهنة".

صفحات مكي المطوية كادت أن تتوقف عندما أخبره أحد الأطباء قبل نحو ثماني سنوات عن بإصابته بورم سرطاني ، ليصبح الموت هاجسه بدلاً من "ذاته" ، مطلقاً لحيته ، وواهباً حياته للعبادة والتدين في فترة مر بها كل شباب جيله.

بعد علمه بالتشخيص الخاطئ الذي وقع فيه طبيبه ، نجح مكي في الخروج من شرنقته بصعوبة شديدة "بدأت أفكر أن اليوم 24 ساعة ، وفي نهاية كل يوم أحاسب نفسى على أفعالى وهنا تغيرت حياتي تماماًُ".

المتأمل لمكي بعد عشرة دقائق من الجلوس معه ، والإستماع لطريقته في تقليد الجميع شكلاً وصوتاً سيتأكد من عشقه للتمثيل ، تلك المهنة التي أتاحت له الفرصة للقيام بكل المهن التي حلم بها ، بل وتجسد نظرته الخاصة للمصريين "الشعب المصرى مليء بالشخصيات الملهمة ، والتى من الممكن عند تقديمها بالصورة المناسبة أن تبهر العالم أجمع".

كانت مشاهدة فيلم "القلب الشجاع" لميل جيبسون بوصلة أحمد مكي الجديدة للتحرك من منطقة عشق النمثيل إلى الإخراج "لقد خرجت بانطباع بعد مشاهدة هذا الفيلم ، أن ميل جيبسون لم ينجز ما انجزه بين ليلة وضحاها ، لقد أستغرق الأمر منه وقتاً وجهداً شديداً حتى يصبح مخرجاً" ، وبعد سنوات من الدراسة والمتابعة خرج مكي بتعريفه النهائي للفن "أنه يعتمد أساساً على المهارة وحسن التصرف والذكاء الإجتماعي ، والموهبة إن وجدت"!!

قد يعتقد البعض أن مكي بعد تجربة "الحاسة السابعة" عثر على ضالته بعد تلك الرحلة المكوكية للبحث عن الذات ، ولكنه سرعان ما يصحح لك الإنطباع ، مؤكداً على أنه لا يعلم خططه المستقبلية.

"سأحاول بكل جهدى ، ولن أقع ضحية لليأس، لكنى إذا لم أجد أننى أقدم ما يخدمنى ويشرفنى في المستقبل... سأترك الإخراج فوراً".