"شارع حيفا" ... شهوة الانتقام حتى الموت

تاريخ النشر: السبت، 30 نوفمبر، 2019 | آخر تحديث: السبت، 30 نوفمبر، 2019
شارع حيفا

"اعتاد المواطن العراقي على ممارسة الحياة وسط مشاهد القتل والدماء " جملة قالها مخرج الفيلم العراقي "شارع حيفا" مهند الحيال ، تلك الجملة تختصر الكثير من التساؤلات حول القسوة المفرطة التي تضمنتها معظم مشاهده ، ودافعها الأول هو الانتقام الذي فك شفرته مع الدقائق الأخيرة له.

فمن خلال عدسة قناص عشنا مشاعر الخوف والألم في عيون أبطال العمل ، بداية من الشخص المستهدف الذي أصيب في ساقه وعجز عن الحركة ، مرورا بمن حاولوا إنقاذه وفروا هاربين ، حتى خطيبته التي تراه من شرفة منزلها ولم تسطع إسعافه ، وصولا لمحاولات فاشلة لإثناء القناص عن النيل منه.

تعامل المخرج مع الأحداث من خلال موقع ثابت طوال الأحداث يمثل جزءا من شارع حيفا ، الحياة فيه شبه منعدمة أبطاله رهن الاعتقال ، على من يضطر للخروج الاستئذان حتى لا يطالهم القتل ولو كانوا الأقرب للقناص ، ففي أحد تلك المنازل تقطن عائلته والدته وشقيقته دون استثناء.

الفيلم يتناول الإرهاب الذي قدم في العديد من الأعمال الفنية ومحاولات القاعدة المستميتة للهيمنة على الشعوب ، والدوافع الانتقامية التي تبرر انضمام الكثيرين لها ، إلا أن ما يميز الفيلم أنه ركز على لحظات صعبة في حياة أبطاله بانفعالاتها وردود أفعالهم ، التحول الجذري في شخصية بطل الفيلم وسلوكياته التي تم التمهيد لها لتبلغ قسوتها في النيل من أمير الجماعة بأبشع الطرق ، البطئ والمط في بعض المشاهد عزز من الحالة العامة للأحداث والبعد النفسي لأبطاله ، بداية من الفيديو الذي استهل به الأحداث ولم نعرف أهميته إلا بعد تصاعد الأحداث.

استعان المخرج بالكاميرا الثابتة في عدد من المشاهد وتجول في زوايا موقع الأحداث عبر عدسة القناص ، حافظ على الثبات الانفعالي لبطله حتى في أصعب المشاهد ، راعى الازدواجية في شخصية الإرهابي الذي يقتل على خلفية القرآن أو صوت الأذان ، الوضوء والتأهب للصلاة عقب إذلال ثم إزهاق روح ، التجبر الذي يتملك الإنسان إذا ما استشعر قوته ورضخ لها مجتمعه وإلا أي مدى قد يصل.

ميزانية الفيلم القليلة كانت واضحة من خلال عدد من العناصر إلا أنها لم تؤثر في تحقيق المتعة المرجوة من عمل سينمائي ، فلم نجد مشاهد غير موظفة بشكل صحيح ولا أشخاص لا دور لهم ، ولا شفرات لم تفك بذكاء دون مباشرة ، حتى الأداء التمثيلي الباهت لبعض الممثلين لم يقف عقبة أمام طرح القضية ومعالجتها بأفضل صورة.

الفيلم حاز على جائزتين في الدورة الواحد والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي، جائزة أفضل ممثل لعلي ثامر وأفضل إخراج لمهند حيال في مسابقة أفاق السينما العربية، وكان في أول عرض له حصد نفس الجائزة من مهرجان بوسان السينمائي وشارك في عدد من المهرجانات كان آخرها أيام قرطاج السينمائية ومهرجان الرباط لسينما المؤلف.