FilFan.com
FilFan.com تاريخ النشر: الأربعاء، 27 نوفمبر، 2019 | آخر تحديث:
Lunana: A Yak in the Classroom

نقلا عن نشرة مهرجان القاهرة السينمائي 41

يدخل المخرج في موضوعه مباشرةً بمعلومات كافية لنتهيأ لما سيحدث. جميلٌ أن نعرف عن بشر في مناطق لا تأتينا أخبارهم، مستوى الفيلم عالٍ والصورة ممتعة. والتمثيل رائع.

قصة "أوجين" الشاب الذي يعيش مع جدته توقظه ليذهب لاستلام العمل، هو لايريد أن يصبح مدرسًا وحلمه أن يسافر إلى أستراليا، يكلف بالذهاب إلى منطقة البحيرات في جبال الهملايا وكبوذيٍّ طيب عليه تنفيذ أوامر الحكومة. رحلة شاقة بعد أتوبيس، سيرًا على الأقدام والمؤن على الحمير مع اثنين في استقباله وتعريفه بكل شيء، وصبيّ المدينة أوجين ليس معتادًا على المشي لمسافات طويلة. يشتري زوجًا رائعًا من أحذية رياضية، ومع ذلك يبتل حذاؤه الثمين ويسبقه المصاحبان له المعتادان على الطرق الوعرة. يتوقفان عند رمز ديني ما، بينما هو يتأمل الجمال الطبيعي البكر.

يفاجأ بتفاصيل حياة لا يستطيع التكيف معها حيث يرسل إلى الجبل في لونانا، واحدة من أكثر القرى النائية في البلاد، هم في أمسّ الحاجة إلى المعلم الجديد. الرحلة كأنها مشوار لتأديبه وتغيير نظرته المتعالية مقارنةً برفيقه الطيب من سكان المنطقة. يجد سكان القرية في استقباله قبل ساعتين من الوصول. لا يستطيع أوجين إخفاء استيائه ويخبرهم تمامًا أن القرية أسوأ مما كان يعتقد. بل إنه يريد العودة من حيث جاء مباشرةً. ويتعذر تنفيذ طلبه. يتعرف على تلاميذه، رائدة الفصل تغني أغاني مرتبطة بالمنطقة. الوقود من روث البهائم كما الجلّة في أرياف مصر - قديمًا - يجلبها بنفسه فتى المدينة المدلّل. تغني فتاة له أغنية كتقليد بالاحتفاء بأي زائر يصلهم. يطور المدرسة، سبورة وطباشير... يحضر لهم أشياء مهمة منها فرش أسنان ومعجون ويعلمهم استعمالها. كما يحضر جيتاره ويعلمهم الغناء مع عزفه.

مع وجود 56 شخصًا فقط وحفنة من الأطفال، تسير القرية على إيقاعات قديمة ولكن الحداثة تخترق حتى هنا ويتحمس الأطفال بشكل كبير حول المعلم الجديد وكم سيتعلمون الآن أن المدرسة ستفتح مرة أخرى. يسألهم أوجين عما يريدون أن يكونوا عندما يكبرون ويتلقون بعض الإجابات المدهشة - تقول إحدى الفتيات إنها تريد أن تكون في خدمة الملك، بينما تريد أخرى أن تكون مغنيةً، ويصرح الولد الوحيد أنه يريد أن يصبح مدرسًا. لأن "المعلمين يلمسون المستقبل"، تأثر أوجين بإجابة الصبي. رغم خيبة أمل من البدائية "للمدرسة" - في الأساس مجرد غرفة حجرية فارغة، فإنه يحث بعض القرويين البالغين على صياغة سبورة مؤقتة، ويتعرف على كيفية صنع الطباشير بالفحم، وعن طريق صديق بالمدينة تصله بعض المعدات الحديثة مثل ملصقات ملونة وكرة جديدة لملعب كرة السلة للأطفال. بدأ أوجين يدرك أنه في الواقع يعيش في عالم الأغاني حيث يقدّر مزارعو الياك القدرة على الغناء قبل أي شيء آخر. تشتهر سالدون (كيلدن لامو غورونغ) إحدى الشابات الجميلات في القرية، يجد فيها صحبة وأنسًا دون أن يركز الفيلم على علاقة عاطفية خاصة، فقط جولات معها تعلمه كيفية العيش في الحياة التقليدية - بدء الحرائق مع روث الياك المجفف والغناء من أجل المتعة، يبدأ أوجين في رؤية مزايا البساطة. الحياة في القرية صعبة ، لكن الناس طيبون وسعداء بما لديهم. قد لا يكون أوجين قادرًا تمامًا على التخلي عن حلمه الأسترالي، لكنه يأخذ شيئًا من لونانا معه في احترامه الجديد لجذوره والتأمل العاطفي للجبال يتعلم أغانيهم ويتبادلون ما يعرفونه، وحكاية الحيوان ياكي الشبيه بالجاموس مع قدر من الاختلاف، في لمحة طريفة يربيه في الفصل وسط سعادة التلاميذ والتلميذات. حاملًا دلالة على تعايش الأصل القديم واحتياجات البيئة مع التحديث وتعلم ما هو جديد. المدرسة تغلق أبوابها لفصل الشتاء الذي تنتهي فيه القرية حيث تغطيها الثلوج الغزيرة. مع كلّ سيمضي قبل الشتاء إلى أستراليا وسيأتي مدرسٌ آخر في الربيع. ولكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد، مشهد له في مقهى ليلي ببلد غريب، يعزف على جيتاره أغانيَ بالإنجليزية، يسرح ويتوقف، ثم يغني الياك وسط انتباه الحاضرين واحترامهم لما يسمعونه.

رغم أنه ليس رود موفي إلا أن الرحلة تحتل حيزًا مهمًّا وبها تفاصيل تسهم في التغيير الذي سيحدث في شخصيته بعد الاحتكاك بأطفال القرية وناسها الكبار. شكل من أشكال الواقعية الاشتراكية واضح أن الناس تعيشه في مثل هذا البلد. إنه خرج ولم يعد وبقي في الهملايا.

قد تكون سينما قديمة ولكن أحببتها. وأرى أن مهرجان القاهرة يقدم دائمًا ما يعدّ اكتشافات خاصة به دون الوقوف فقط على أفلام اشتهرت وعرضت في مهرجات كبرى تسبقنا في العام. صورة يوك في الفصل لا تفارقني، وهذه المتعة التي شعر بها المعلم الشاب وسعادته بالتواصل مع أطفال بلده ووضع ما تعلمه في خدمتهم. إنها أشبه بفترة خدمة عامة، واجب وطني على الشباب في مقتبل حياتهم أن يؤدوه لفترة ثم تكون له كامل الحرية في الانطلاق لتحقيق حلمه.

من المشاهد المؤثرة له وهو يغني على نغمات جيتاره في ملهى بمهجره، يتوقف وتطول وقفته، ينظر إليه رواد المقهى، في تساؤل عن سبب توقفه، ثم ينطلق بشجنٍ جميلٍ في غناء جميل تعلمه من ابنة عمدة البلدة.

تم تصوير الفيلم في الموقع في أكثر المدارس النائية في العالم، والتي تقع في الأنهار الجليدية في الهيمالايا على ارتفاع 5000 متر في المتوسط. بسبب البعد وعدم وجود مرافق، تم تصوير الفيلم على البطاريات المشحونة بالطاقة الشمسية. إنها نوع من السينما يؤكد مقولة "انطلاقًا من المحلية للوصول إلى العالمية".

الفيلم إنتاج المملكة المتحدة في قرابة الساعتين (110 ق) المخرج بو شويننج دورجي منتج وكاتب، "لونانا: ياك في الفصل" 2019 عمله الثاني بعد "هيما هيما: يغني لي أغنية بينما أنتظر" 2016. الذي يحكي في مكانٍ ما في أعماق غابة بوتان، هناك تجمع كل 12 عامًا من الرجال والنساء الذين اختارهم الرجل العجوز للاستمتاع ببضعة أيام دون الكشف عن هويتهم. الصور الظليّة المقنعة تشارك في الطقوس والعروض والرقصات. أناس مجهولي الهوية يمرحون بجرأة. رجل واحد يحضر هذا الحدث لأول مرة ويدخل تجربة مثل مولود جديد. في عمليه الأول والثاني يبدو صانع أفلام مخلص لأرض بوتان ولديه مخزون للتعبير عنها... طبيعة وبشر.

ياك في الفصل "نموذج من أفلام تخرج من حيز المدينة والعواصم الكبرى، لتقدم بشكل إنساني معرفةً عن بشر يعيشون في بلدات صغيرة، يحتاجون دعمًا من المحظوظين، يمنح صبرهم وقدرتهم على الحلم درسًا في الانتماء ومحبة الطبيعة والتمسك بالتراث. كفيلم محمد خان "خرج ولم يعد". على المستوى الشخصي أثار الفيلم داخلي حنينًا إلى بلدتي التي نشأت بها قويسنا بدلتا مصر، رائدة الفصل الذكية الحالمة كما صديقات لي عشنا حلم الاشتراكية نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، حيث القدرة على التعايش في ظروف طبيعية على الفطرة، وحب التعلم والتضحية من أجل الآخرين، وشعرت بالغيرة من مخرج وجد فرصة لينتج فيلمه الخاص بعيدًا عن شروط السوق التجارية.

اقرأ أيضا:

مهرجان القاهرة السينمائي يكرم شرير "تيتانيك" بيلي زين

المخرجة الفلسطينية نجوى نجار: "بين الجنة والأرض" رحلة معاناة