محمود مجدي
محمود مجدي تاريخ النشر: الثلاثاء، 3 سبتمبر، 2019 | آخر تحديث:
شريف بدر الدين

لا أقبل المساس بأي نص سينمائي أكتبه

المنتجون اعتبروا السيت كوم "نحتاية وسبوبة"

كنّا نراهين على تقبل الجمهور لـ"هبة رجل الغراب"

نجحنا في تنفيذ "طلعت روحي" بعيدًا عن روح النسخة الأمريكية

السوشيال ميديا منحت الجمهور قوة غاشمة

هذه المهنة قاسية "واللي يعجز فيها ملوش دية"


السيناريو هو العمود الفقري للعمل الفني، والسيناريست يلعب دورًا أساسيًا في صناعة الفيلم أو المسلسل، هو رب العمل الفني الحقيقي حتى لو لم تسلط عليه الأضواء بالشكل الكافي. واعترافًا منّا بقيمة ومكانة السيناريو قررنا فتح هذا الملف ومحاورة أهم رموز ورواد كتابة السيناريو في مصر، والحديث معهم عن أهم أعمالهم، والصعاب التي واجهوها في مشوارهم، وتفاصيل صناعتهم للعمل الفني، ومناقشتهم كذلك في العديد من القضايا الفنية التي تدور على الساحة حالياً، ونستضيف اليوم السيناريست شريف بدر الدين.

متى بدأ اهتمامك بالسيناريو؟

كان هناك علامات على قدراتي الدرامية منذ مرحلة الطفولة، بمعنى أنني كنت مميز عن إخوتي وأقاربي لكوني الوحيد بينهم الذي كان بمقدرته أن يحكي حدوتة بشكل مرتب ومنظم، لكن في العموم اهتمامي الحقيقي بالسيناريو بدأ عند إدراكي لمعنى الدراما والسيناريو، وهذا حدث في سنوات المراهقة على ما أتذكر.

لماذا لم تلتحق مباشرة بالمعهد العالي للسينما وفضلت الالتحاق بكلية تجارة؟

أثناء دراستي في المرحلة الثانوية قررت أن ألتحق بالمعهد العالي للسينما لحبي الشديد لهذا المجال، وهذا القرار كان مؤلمًا بشدة لأهلي، وكان سؤالهم الدائم لي في ذلك الوقت "أما تتخرج منه هتشتغل إيه؟"، فكان الحل الأفضل لجميع الأطراف وقتها، أن ألتحق بكلية التجارة وبعد تخرجي منها أعمل ما يحلو لي، وهو ما حدث بالفعل.

كيف أفادك العمل في ورش الكتابة في بداية حياتك المهنية؟

المختلف في الورش أن الجلوس في غرفة الكتابة له قوانين وقواعد، وللأسف نحن لم نعتد على الالتزام بأي قوانين أو حتى الاستماع لبعضنا البعض، ففكرة تقبل الآخر والجلوس في غرفة مغلقة مع مجموعة من الزملاء من المفترض أن نتفق على نفس الفكرة، والإضافة إليها حتى تتحول في النهاية إلى نص متماسك، هذا شئ صعب وكان حديث في ذلك الوقت، لكنه أفادني على المستوى المهني، بمعنى أنه دفعني لاستقبال آراء الناس بدون ما "يجوا عليا"، هذه توليفة صعبة ولا يلتزم بها الكثيرون بالمناسبة، فالبعض يرى الالتزام برؤية قائد الورشة في جميع الأحوال، والبعض الآخر يؤمن برؤيته للنهاية ولا يقبل النقاش فيها أبداً. وعلى المستوى الشخصي كنت مؤمنًا قبل عملي في الورش بالعمل الجماعي، وفكرة العصف الذهني، وعملي في الورش عمّق وزاد هذه المفاهيم بداخلي، وفكرة اتفاق مجموعة من الكتّاب على فكرة وعملهم عليها خلال فترة زمنية محددة بنفس التفكير والروح كان شيئًا ساحرًا بالنسبة لي.

هل ترى أن بعض المنتجين أساءوا لتجربة السيت كوم في مصر؟

بالتأكيد، فغالبية منتجي مسلسلات السيت كوم في مصر، كانوا مقتنعين أن هذا النوع من المسلسلات قصير، وتكلفة إنتاجه ضعيفة، ومن الممكن أن نصور مجموعة من الحلقات في وقت ضيق فنستطيع أن ننجز 30 حلقة في 30 يوم، هذا للأسف كان الحال في السوق بعد نجاح مسلسل "تامر وشوقية"، إذ تعاملوا معه باعتباره "نحتاية وسبوبة" وهو ما أنهى تجربة السيت كوم في مصر سريعاً للأسف.

لو انتقلنا لأهم أعمالك التلفزيونية "هبة رجل الغراب"، ماذا تقول عنه؟

كتابة مسلسل "هبة رجل الغراب"، كانت في نفس العام الذي تحولت فيه الأعمال التلفزيونية، إلى أعمال بصيغة سينمائية بكل ما تحتويه من جاذبية في الصورة واستدعاء لنجوم السينما في التمثيل والإخراج والكتابة للعمل في الدراما التلفزيونية، وعندما كنا نكتب مسلسل "هبة رجل الغراب" كنا ندرك ونعي جيداً بأننا نستدعي أصداء الثمانينيات، بمعنى أننا نصنع عمل إيقاعه هادئ جداً، والهدوء هنا كان مختلفًا تماماً عن اللهث والايقاع السريع في الأحداث الذي كان يحدث في أغلب الأعمال الدرامية الأخرى، كان غريبًا جداً على السوق الذي كان يتجه لطريقة حكي سريعة وسينمائية كما ذكرت، لكننا التزمنا بطريقة الحكي الكلاسيكية لأن طبيعة الأحداث تفرض علينا ذلك، والواقع كشف أن هذه الطريقة في السرد لها جمهور كبير وعريض جداً، وفي الحقيقة نحن كنا نراهن أن هذا المسلسل ليس له شريحة أو جمهور معين، بل ستتقبله أغلب الشرائح العمرية المختلفة، وهو ما حدث بالفعل.

حدثنا عن كواليس العمل مع النجم محمود عبد العزيز في مسلسل "رأس الغول"؟

جزء عظيم من موهبة هذا الرجل، يكمن في احترامه للنص الذي يمثله، فهو لم يتعامل بتعالي النجم صاحب العمل إطلاقاً، كان يعطي للأجيال الجديدة فرصة أن يطرحوا أنفسهم عليه، وكان يتعامل مع النص بتدفق، بمعنى أنه لم يكن يقرأ حلقة حلقة، كان يفضل دائماً قراءة ثلاث أو أربع حلقات على بعض، فهو اعتاد دائماً على قراءة النص السينمائي، لذلك يفضل دائماً قراءة مجموعة من الحلقات زمنهم زمن النص السينمائي بالضبط، كأنه يقرأ نصًا سينمائيًا، وأغلب ملاحظاته كانت تتعلق بالنص وبجودة العمل بشكل عام وليس بأي شئ آخر.

كيف جاءت فكرة مسلسل "طلعت روحي"؟

الفكرة جاءت عن طريق الشركة المنتجة حيث عرضت عليّ تمصير مسلسل أمريكي شهير اسمه Drop Dead Diva، وعند معرفتي بالفكرة قبلت العمل على الفور قبل أن أشاهد العمل الأمريكي، لأنها فكرة جذابة جداً لكنني صدمت عند مشاهدتي للحلقة الأولى من المسلسل الأمريكي ولم أحب الحلقة ولا المسلسل إطلاقاً، وكنت على وشك الاعتذار عن المسلسل، وتساءلنا هل سنتعامل مع المسلسل الأمريكي على أنه مرجعيتنا الأولى وقت الكتابة، بالنسبة لي هذا كان شيئًا مرفوضًا تماماً، لأن المسلسل الأمريكي حوّل الفكرة الجذابة لوسيلة "للقلش" وللضحك فقط، وهذا لم يكن عنصر جذب بالنسبة لي، لكن بدأنا العمل بعدما تأكدت أننا سنبتعد تماماً عن روح المسلسل الأمريكي، وكان الهدف الرئيسي لورشة الكتابة هو كيف نستطيع أن نحكي رحلة ميلاد بني آدم منذ البداية، بمعنى أن روحه بتكبر واحدة واحدة مع الخبرات التي يكتسبها، وهذا الهدف آخذ مجهودًا كبيرًا جدًا، لكن نجحنا في تنفيذه، ونجح المسلسل ولاقى قبول الناس في النهاية.

هناك خلط شديد عند الجمهور حالياً بين فكرتي الاقتباس وسرقة الأعمال الأجنبية، ما تعليقك على هذا الأمر؟

البعض يتعامل مع فكرة الاقتباس على أنها ترجمة تامة للعمل الأجنبي، وهذا غير حقيقي على الإطلاق، يوجد حالياً علم يتم تدريسه في معهد السينما ومدارس السينما في الخارج اسمه addptiaton، يناقش كيفية تحويل العمل الأدبي لعمل السينمائي وكيفية مشاهدة وهضم أعمال كلاسيكية عظيمة وصناعة أعمال جديدة، ففيلم "المشبوه" مقبتس من عمل أجنبي هل معنى ذلك أن نوصمه بالعار؟! إطلاقاً، لأن السيناريست إبراهيم الموجي عندما كتب العمل قدم لنا قطعة فنية مصرية خالصة، فهذا ما أتحدث فيه، أن الاقتباس ليس عيباً، السرقة هي العيب، والسرقة تتضح وتظهر إذا نفى صانع العمل المصدر الذي آخذ منه قصته، وهنا يستحق أن يقال عليه حرامي، لكن إذا أعجبني عمل ما أجنبي وقررت أن أعيد صياغته مرة أخرى بطريقتي وبأسلوبي هذا حقي الأصيل كمبدع، وفكرة الاقتباس عموماً لا تعني انتهاء أو عدم وجود أفكار أصيلة، فهي قد تعني النوستاليجيا أو تقديم الأعمال مرة أخرى بإمكانيات حديثة ومتطورة، وهو ما تفعله شركة ديزني الأمريكية حالياً.

مسلسلات مثل "طلعت روحي" و"هبة رجل الغراب"، أعمال اجتماعية خفيفة، هل أنت ملتزم بهذا النوع من الأعمال لأن السوق يطلبه منك طوال الوقت، أم هذا اختيار شخصي لك؟

هذه الأعمال أحبها ولست ضدها، السوق يريد هذه الأعمال بالتأكيد لكن لا يفرضها علي، فأنا لدي أعمال أخرى مختلفة أريد تقديمها لكن لم يأتي وقتها بعد، وهناك نقطة هامة أريد الحديث عنها، أنني عند كتابتي للأعمال اللايت كوميدي، أكون مهتمًا بأن هذه الأعمال تنتزع الابتسامات أكثر ما تنتزع الضحكات والقهقهة، وفي النهاية أحب جداً النوع الذي أكتبه لكن النوع الذي أفضله لم أقدمه إلى الآن.

طوال مشوارك لم تقدم عملًا سينمائيًا واحدًا، لماذا؟

العمل في السوق كما ذكرت لا يمضي على مسار واحد، قد أكسب شيئاً وأخسر شيئاً وأفاوض واستمع لوجهات النظر الأخرى باهتمام، كل هذا مقبول ومتاح عندي في الدراما، لكن في السينما هي منطقة مقدسة بالنسبة لي؛ لا تراجع ولا تنازل ولا مهادنة ولا تفاوض في أي شئ يخص عملي السينمائي، بمعنى أنني لا أقبل المساس بأي نص سينمائي أكتبه، إما أن ينفذ كما هو أو لا ينفذ، ففي الدراما هناك فرص كثيرة للتعويض لو لم تكسب شيئاً في مشهد أو في حلقة، ستكسبه في مشاهد وحلقات أخرى، لكن العمل السينمائي مكثف جداً إما أن يصل للناس أو لا يصل، وبالتالي أنا لدي مشاريع سينمائية كثيرة لكنها لم تظهر للنور لأني لم أجد المناخ المناسب لظهورها بالشكل الذي أحلم به.

ما سر تفضيلك الدائم للعمل داخل ورشة أو بمشاركة كاتب آخر؟

أحب التعامل دائماً مع أشخاص قريبين مني على المستوى الإنساني والفكري، كما أن الكتابة فعل وحدة، وكل الكتاب يكتبون أعمالهم في عزلة ووحدة تامة، لذلك فعل الوحدة هو فعل وشعور مؤلم جداً، أحاول الهروب منه بالكتابة مع زميل لي أو أكثر.

ما الصفات التي يجب تواجدها في قائد ورشة الكتابة؟

ورشة الكتابة هي عبارة عن بيت آخر، يجلس فيه كتاب الورشة ويعيشون كأنهم في بيتهم الثاني بالضبط، لذلك معاييرها بالنسبة لي هي أقرب للمعايير العائلية، فأنا أحرص دائماً على تحويل علاقتي بزملائي داخل الورشة إلى علاقة صداقة وأخوة، لأن طبيعة المهنة جزء كبير منها يعتمد على المشاعر، لذلك القائد يحتاج لأن يكون مرتاح نفسياً مع الذين يعملون معه، بالتأكيد هناك التزامات وواجبات لدى قائد الورشة ليس لها علاقة بالمشاعر، لكن في النهاية يجب القيام بهذه الواجبات والالتزامات براحة نفسية وبنوع من الألفة مع أصدقاءك داخل الورشة.

كما يجب أن يتوفر لدى القائد نوع من "الشطارة" في إدارة فريق العمل، وهذا ليس سهلاً لأننا كشعب لم نعتد على العمل الجماعي واعتدنا على العمل الفردي، وأن علاقة الموظف مع المدير علاقة رسمية وجامدة تماماً، وشطارة القائد لأي ورشة أن يحاول إيصال شعور لزملائه بأننا نصنع عمل فني جماعي ومهم، بالإضافة إلى أن ذكر المجهود الأدبي والمعنوي حق أصيل لكل كتاب الورشة، كما أنه يجب أن تكون لديه القدرة على إدارة مجموعة مختلفة ومتابينة من المواهب واستخراج منها ما يناسب العمل، في النهاية يجب على قائد الورشة أن يكون صديق ومايسترو ومدير وأحيانا طبيب نفسي في نفس الوقت.

ما هي أهم المواصفات التي تحرص على تواجدها في أعضاء ورشتك؟

الموهبة والاحتراف شئ مفروغ منه بالتأكيد، لكن التفاهم على المستوى الإنساني أهم شئ بالنسبة لي، إذا كان موجودًا فإنني أستطيع التعامل مع أي صفات أخرى.

هل الصراحة والشفافية الشديدة من قائد الورشة تجاه كتّابه أمر ضروري وحتمي من وجهة نظرك؟

بالتأكيد، فالورش تضر الكاتب في حالتين، الحالة الأولى لو كان الكاتب مهزوزًا في قدرته على الكتابة، وهذه الهزة يستتبعها رد فعل من قائد الورشة، إن كان الكاتب موهوبًا يشجعه ويحاول أن يخلصه من هذه الهزة، وإن كان غير موهوب يصارحه بحقيقة الأمر وينصحه بالابتعاد التام عن الكتابة، حفاظاً على نفسه وعلى سنوات عمره، والحالة الثانية لو أنا كقائد للورشة على سبيل المثال اكتشفت موضع قوة في كاتب عندي سواء في الحوار أو البناء الدرامي، أو نوع معين من الدراما وجعلته يتخصص في الحلقات التي تظهر نقاط قوته الدرامية، هذا خطأ كبير من وجهة نظري، لأنني ركزت على نقاط قوته، ولم أركز على نقاط ضعفه، ولو تحدثت بشكل شخصي فأنا أصارح الكاتب بنقاط القوة وبنقاط الضعف، وأتفق معه على العمل على نقاط الضعف، وعموماً المشكلة الأساسية أن في بدايات أي كاتب تتملكه رغبة شديدة في العمل داخل أي ورشة كي يثبت تواجده ويضع قدمه في السوق، لكن الحقيقة أن الاختيار هو الحل، اختيار الورشة المناسبة وقائد الورشة المناسب الذي يتفق معه فكرياً وانسانياً قبل أي شيء، وفي النهاية أنا مؤمن تمام الإيمان أن البقاء للأذكى.


ما هي أهم مميزات ورش الكتابة من وجهة نظرك؟

ورش الكتابة بدأت وانتشرت في الخارج، وليس معنى أننا استوردناها وطبقناها في مصر أننا نقلد نظام الورش في الخارج تقليداً أعمى، ورش الكتابة فعل منظم يتم ممارسته بشكل جماعي، وهذا ليس معناه أن العمل الفردي يتم نفيه، فرئيس فريق الكتابة هو الذي يتولى الصياغة الأولى ثم يعطي جزء من التجربة للكتاب الذين يعملون معه داخل الورشة حيث ينفرد كل واحد منهم بدور على حسب موهبته ونقاط قوته، هل هذه المراحل تتم بشكل سريع؟، لن تصدقني إذا قلت لك أن الوقت التقليدي لكتابة المسلسل داخل ورشة لا يفرق كثيراً عن الوقت الطبيعي الذي يستغرقه الكاتب العادي، تسألني وتقول لي "طيب الورشة معمولة ليه؟" لأن وضع السوق أصبح معقد جداً، ولم نعد نعمل بالنظام القديم، فالكاتب قديماً كان يكتب بتدفق حيث يخرج كل ما في رأسه في النسخة الأولى ثم يعيد صياغة وتنقيح ما كتب في نسخة ثانية للعمل، ثم يناقش النص مع فريق العمل، هذه الدائرة يتم اختصارها حالياً في الورش.

أنا عندما استلم حلقة ما من كاتب داخل الورشة أراجعها صفحة صفحة، وجملة جملة، وأقدم مجهودًا كبيرًا كي أطابق ما في رأسي مع ما كتبه زملائي داخل الورشة كي يخرج المسلسل بنفس الروح "وميكونش مرقع"، وهناك نقطة هامة أود الحديث عنها الكاتب مثله مثل لاعب الكرة لديه فترة توهج ثم يخفت توهجه وبريقه بعد ذلك، الورش تتيح للكاتب التواصل مع أفكار وأشخاص من مستويات وبيئات مختلفة، وتصنع له التوازن المطلوب وتتطيل عمره في الشغلانة أكثر وأكثر نتيجة احتكاكه بكتاب صغار وكبار في نفس الوقت، إذن الورش لها مميزات كبيرة جداً عكس ما يعتقد الكثيرون.

بعض كتّاب السيناريو الكبار يتحدثون حاليًا على أن الانتشار الكبير لورش الكتابة في السوق الدرامي يعود إلى سرعتها الكبيرة في الإنجاز وليس لتميزها، ما تعليقك؟

هذه الرؤية يحيط بها الكثير من التحجر وعدم مسايرة الزمن وعدم فهم حقيقي وواقعي لطبيعة عمل ورش الكتابة، فأعظم الأعمال في العالم كتبها عدد هائل من الكتاب وليس كاتب واحد فقط، وفي اعتقادي أن الكتاب الكبار لم يخوضوا تجربة الكتابة داخل الورش وكتبوا وأبدعوا في أيام أقل توحشاً من الأيام التي نعيشها الآن، لذلك هم لا يتصوروا فكرة كتابة مجموعة من الكتاب لعمل واحد، فالورشة تقسم المهام وتنجز الشغل بدقة وبحرفية بدون فقدان الطابع أو الهوية.

ما سر تراجع شخصية كاتب السيناريو عن ما كانت عليه في جيل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد وبشير الديك؟

المكتسبات التي حققها جيل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد، لم نفقدها بقدر ما قررنا أن نتماهى مع الأوضاع الجديدة، فأهم شئ بالنسبة للسيناريست أن ينفذ العمل كما تم الاتفاق عليه، هذا الجيل كان مصدر من مصادر قوته أن أعمالهم كانت تنفذ كما كتبوا واتفقوا مع صناع العمل. كما كان لديهم هم اجتماعي، وهو ما ليس موجودًا لدى البعض اليوم، يهمهم فقط كتابة حدوتة محبوكة ومسلية تجذب الناس، وأصبح لديهم الاستعداد للتخلي عن جزء من رؤيتهم كي ينفذ ويخرج العمل للنور، وبالتالي دورهم ينتهي عند تسليم نسخة السيناريو النهائية، فالجيل القديم كان حريصًا على مراقبة عمله بعد الانتهاء من الكتابة، أما الآن فبعض الكتاب غير حريصين على مراقبة عملهم بعد الانتهاء من الكتابة، هذه أهم أسباب التراجع من وجهة نظري.

هل تتوقع أن يأتي علينا وقت وتكون المواسم غير الرمضانية في نفس قوة وهالة وتأثير الموسم الرمضاني؟

بالتأكيد، وأقرب مثال على ذلك النجاح الذي حققته مسلسلات "هبة رجل الغراب" و"طلعت روحي".

هل تعتقد أن بعض صناع الأعمال الدرامية يركزون حالياً على قطاع واحد من الجمهور وهو الشباب، ولا يركزون مع قطاع عريض من الجمهور مثل جمهور ربات البيوت؟

هناك توجه حالي في السوق بأن الفرجة الرقمية الانتقائية لها جمهور معروف من الشباب والمراهقين، لذا يتم تقديم أعمال خاصة تجذبهم وتلقى قبولهم، الأمرأصبح مثل السينما تقريباً، فالسواد الأعظم من جمهور السينما شباب ومراهقين والأعمال التي تنجح في السوق السينمائي حالياً هي موجهة لهذه الشريحة في الأساس، أما جمهور ربات البيوت ففي رأيي يتطور بمرور الوقت، بمعنى أن الشكل التقليدي لربات البيوت وكبار السن تغير، أصبح لديهم القدرة على التعامل مع التطور التكنولوجي حولهم، مما يعني أن تذوقهم للأعمال الفنية سيختلف بمرور الوقت.

هل ما حدث مع مي عز الدين ومحمد ممدوح في رمضان الماضي يدل على أن الجمهور انتقل من مرحلة النقد إلى مرحلة الذبح؟

للأسف، فالجمهور حالياً أصبح لديه وسائل يهاجم من خلالها، فالفضاء الإلكتروني منح الجمهور قوة غاشمة، فأصبح الاتفاق على عمل أو الاختلاف عليه بمثابة طلقة مدفع من الممكن أن تطلق في أي وقت، وهذا أمر شديد الخطورة في رأيي، فهو يجعل الصناع في ضغط مستمر، وخوف من ردة فعل الجمهور على السوشيال ميديا، فالطبيعي أن تكون هناك نسبة مغامرة لصانع العمل كي يبدع، لكن عندما يحدث خوف وقلق من ردود الأفغال، هامش المغامرة يقل للغاية، وهذا ليس في صالح العملية الفنية من وجهة نظري.

هل هذه الشغلانة قاسية وليس لها قلب بالفعل؟

بالتأكيد، فنحن نعصر في مشاعرنا وأفكارنا، ونأخذ مقابل مادي نتيجة هذا العصير الفكري، هل هذا عادل؟ أعتقد لا، يكفي أن أقول لك، أن هذه المهنة مصدر رزقي، لكن مكسبي الحقيقي يتحقق وقت إعجاب الناس بعملي، كما أن طبيعة الشغلانة غير مستقرة، وعدم استقرارها من الممكن أن يطيح بكل أفكار الكاتب وخططه، هل هذا عادل؟، لا، لكن هذه طبيعة الشغلانة للأسف، وهي قاسية كذلك حتى على مستوى العجز، فعندما تكبر في السن وتصل لمرحلة الشيخوخة ليس لك دية ولا ثمن ولا تقدير، الأصغر منك يكمل مكانك فوراً، هي مهنة قاسية وعديمة الرحمة بكل تأكيد.

قلت من قبل "أن السيناريست الحقيقي لا يرتاح أبداً".. فسر لنا هذه الجملة.

السيناريست الحقيقي غير مكتوب له الراحة من وجهة نظري، لأنه طوال الوقت يصارع أفكاره ويصارع السوق ويصارع نفسه ويصارع الزمن، كل هذه الصراعات لا تتيح للسيناريست الراحة في حياته العادية للأسف، فالقلق يسيطر على كتاب السيناريو دائماً، القلق وقت انتظار مجيء الفكرة، والقلق وقت كتابتها، والقلق بعد كتابتها وأثناء تنفيذها، والقلق وقت العرض، والقلق وقت النجاح أو الفشل، هذه حياة صعبة ومليئة بالهموم ولا تتوفر فيها الراحة أبداً للأسف الشديد.

أشعر أن علاقتك بزوجتك الراحلة لم تنتهي حتى الآن، وأنك تستدعيها في كافة مواقف حياتك، هل هذا صحيح؟

بالفعل، فعلاقتي بزوجتي مستمرة، فهي موجودة في حياتي وأظن أنها لن تختفي ولن تتركني أو تبعد عني، وهي لا تحتاج أن أستدعيها، فهي موجودة بالفعل، كل ما له علاقة بتصرفاتي وكياني مرتبط بزوجتي، ولم أشعر أنها بعيدة عني بل على العكس بدأت أشعر خلال الشهور الماضية أنها موجودة بقوة أكبر، فكتاباتي عنها على الفيس بوك ليست مجرد رد فعل عن الحدث، بل هي تعبر عن حقيقة وجودها في حياتي، فأنا متأكد أن زوجتي حاضرة معي وتتابعني وتشعر بي هذه قناعة مترسخة بداخلي ولن تهتز أبداً.

متى تعرفت عليها وكيف نشأت قصة الحب بينكما؟

تعرفت عليها منذ 11 عامًا، وكنت وقتها رافضًا تماماً فكرة زواج الصالونات أو الارتباط لمجرد الارتباط، ووصلت لنقطة فاصلة في حياتي فأنا معلق بين عالمين، أرفض التنازل عن رؤيتي في مسألة الزواج وفي نفس الوقت لا أحتمل البقاء وحيداً، فطلبت من الله أن ييسر لي الأمور، وأن يرسل لي الإنسانة التي أحلم بالارتباط بها، فاستجاب لي الله وأرسلها بالفعل، فهي كانت تعمل في إحدى شركات الانتاج وتعرفنا على بعض، وحدث التلاقي والارتباط والزواج في وقت قياسي، فهي كانت شريكة في أحلامي ومشاعري وطموحي، وكانت تكمل ما ينقصني من هدوء واستقرار كما أنها نموذج غريب للرضا، وصنعت لي اتزانًا كبيرًا في حياتي على مدار 10 سنوات، وفجأة هذا الاتزان اختل بقدرة خارقة أعلى من قدرة أي بني آدم، لكن كما قلت لك هي تعيش معي حتى الآن ولم ولن أفقدها أبداً.

ما الجديد الذي ستقدمه خلال الفترة القادمة؟

مسلسل "شبر مية" وهو مسلسل اجتماعي كوميدي وأعتقد أنه سيكون مختلف عن الأعمال التي قدمتها وهو قيد التحضير الآن.

الكتابة علمتك إيه؟

الصبر، وتأمل وتحليل الشخصيات.

لو جاءك شاب يريد احتراف كتابة السيناريو، ماذا ستقول له؟


يعيش حيوات كثيرة ويكتسب خبرات متنوعة ومتعددة.


اقرأ أيضا:

إبراهيم عيسى: أحمد زكي اتحايل عليّ في فيلم "السادات".. ولن أكرر تجربة التمثيل

بيتر ميمي: لم أنجح بالصدفة.. ومحمد رمضان "ملوش ضهر" في الوسط الفني (2)