تارانتينو يخسر الرهان في Once Upon a Time in Hollywood

تاريخ النشر: الاثنين، 26 أغسطس، 2019 | آخر تحديث:
أبطال العمل

بلا شك، فإن فيلم "حدث ذات مرة في هوليود" كان أكثر الأفلام المنتظرة في 2019، من كل محب السينما، وذلك لعدة أسباب، طاقم تمثيله، الذي يجمع بين اثنين من أكبر نجوم هوليود، ليوناردو دي كابريو وبراد بيت، بالإضافة إلى مارجو روبي وآل باتشينو، أما السبب الأهم، فهو لأنه الفيلم الجديد للكاتب والمخرج كوينتين تارنتينو، المبدع الذي صنع أفلاماً صارت علامات، مثل "خيال رخيص" و"اقتلي بيل" و"أوغاد مجهولون"، ويعود هنا بعد غياب أربع سنوات منذ آخر أفلامه "الحاقدون الثمانية".

هل جاء الفيلم على قدر التوقعات؟

أفلام تارنتينو لها سمات متميزة، ينتظرها محبيه من فيلم لآخر، فمن المشاهد الحوارية الطويلة والممتعة في آن واحد، إلى المشاهد الدموية على طريقة أفلام الجريمة أو الويسترن، إلى الشخصيات المتميزة والنهايات غير المتوقعة وغيرها من السمات، التي تتشارك فيها أفلام تارنتينو على اختلاف أنواعها، وفي هذا السياق، فيمكن القول إن "حدث ذات مرة في هوليوود"، أقل أفلامه تارنتينية، فمع أنه يحتوي على كثير من هذه السمات، إلا أنه فيلم مختلف تماماً على تارنتينو.

لماذا الفيلم مختلف؟

الفيلم تدور أحداثه، في فترة نهاية الستينات، في لوس أنجلوس، حيث يرتكز الفيلم على الممثل "ريك دالتون" وصديقه وبديله في المشاهد الخطيرة "كليف بوث"، ويعاني النجم من فترة ركود في نجوميته، بعد أن عرف كنجم لسنوات من خلال مسلسل "ويسترن"، واستطاع المشاركة في عدد من الأفلام من بطولته، إلا أن نجوميته قد بهتت وصار يعمل كضيف شرف في مسلسلات الممثلين الشباب وهو ما يسبب له الإحباط والاكتئاب، وكل ذلك بالطبع يؤثر على "كليف بوث" بالتبعية، فهو بديل "ريك" وإذا لم يعمل "ريك"، لن يعمل "كليف"، كما أن سمعة "كليف" ليست الأفضل وسط المجال، لذلك فهو يعمل كسائق لدى "ريك"، من ناحية أخرى، جارة "ريك"، هي النجمة الشهيرة "شارون تات"، التي لقيت مصرعها في الحقيقة على يد عصابة "شارلز مانسون"، الذين اقتحموا منزلها وقتلوها هي وكل أصدقائها، هذا الحدث المفجع له شهرة وأثر كبير في أمريكا والكل يعلمه هناك تقريبا، فيلم تارنتينو يعرض بالتوازي كل هذه القصص ويلعب على معرفتنا بالأحداث الحقيقية لمقتل شارون.

هل الاختلاف أمر سيء؟

من قصة الفيلم، واضح كيف يختلف الفيلم عن باقي أفلام تارنتينو، فالأبطال هنا ليسوا قتلة أو مجرمين، بل ممثلين ونجوم، ولذلك فطبيعة صراعتهم الداخلية، حول النجاح والشهرة، تختلف عن الصراعات المسلحة في أفلام تارنتينو، هذه تفصيلة قد تزعج بعض محبي تارنتينو، لكن مشكلة الفيلم لا تكمن في اختلافه، بل في محتواه.

ما المشكلة إذا؟

الفيلم تقريبا لا حبكة له، فهو يتنقل من شخصية إلى أخرى ومن حدث إلى آخر، هذه أيضاً ليست المشكلة.

المشكلة أنه يبدو أن تاراتينو لم يعلم أي قصة يريد أن يحكي، فهو يعيد ويزيد في حكاية ريك وسقوط مجده، مراراً وتكراراً، أم من خلال عرض ذلك أو حتى من خلال مشاهد الحوار، وما يزيد الطين بلة هو الاستغراق في عرض أجزاء من أفلام وأعمال ريك، لمدة زمنية ليست بالهينة، كأن تارانتينو يستمتع بالإشارة إلى الأعمال التي كان يحبها في صغره، وليس هناك مشكلة في ذلك، إلا اذا أتى ذلك على حساب الإيقاع وبناء الشخصيات، فنحن حرفياً لا نعلم شيء عن حياة "ريك" الشخصية أو النفسية، غير أن حياته تغيرت من الشهرة إلى الاندثار، وأنه سكير وأن "كليف" صديقه، هذا كل ما نراه من الشخصية.

"كليف" من ناحية أخرى لا نعلم عنه شيئا، إلا عبر الإشارات من خلال جمل الحوار، عن كونه شارك في الحرب العالمية أو أنه قد يكون قتل زوجته، وهي التفصيلة التي تم عرضها بشكل مستفز، فنحن نرى تتابع طويل، يقاتل فيه "كليف" "بروس لي"، ويتم الإشارة في أقل من دقيقة إلى انتشار شائعة أن "كليف" قتل زوجته، بدون أن نعرف إذا قتلها فعلا أم لا، أو حتى بأن يعرض لنا أي شيء من حياته وتأثير موت زوجته عليه، كأن تاراتينو كان معني بعرض وجهة نظره عن "بروس لي"، أكثر من عرضه لشخصيته وجعلنا نفهمه أكثر.

شخصية "شارون تات"، كانت الأقل حظا، فمع أن عرض تارانتينو لها، هو عرض متعاطف ويحتفي بها وبحياتها، إلا أننا لا نرى "شارون" نفسها، فكل ما نعرفه عنها، من خلال جملة حوار من هنا أو من هناك تقال عنها، أما هي نفسها لا تتكلم ولا نفهم شخصيتها أو نراها.

أسلوب سرد مشتت

إذا فالفيلم لا يعرف أولوياته، فهو يضيع وقتا في عرض لقطات من أفلام "ريك"، على حساب وضع مشاهد تتوغل أكثر في نفسية شخصياته.

الفيلم أيضاً اعتمد على أسلوب الحكي عن طريق التعليق الصوتي بشكل مشتت، فبداية ظهوره، يبدو أنه سيضيف بُعد كوميدي ساخر، لشرح معلومة ما عن الشخصيات، لكنه لا يستخدم إلا في بداية الفيلم ونهايته، وينسي تماما في باقي أحداثه، رغم أنه كان يمكن توفير الكثير من الوقت المضاع، إذا تم استعماله بشكل أفضل.

هناك مشكلة أخرى في سرد الفيلم وهو اعتماده على فرضية أن الجمهور يعلم بكيفية موت شارون في الحقيقة، ويستخدم هذه النقطة في اللعب على توقعات الجمهور، ولكن من لا يعلم بهذه المعلومة، فلن يشعر بالإثارة أو بالصدمة في نهاية الفيلم، وبالطبع فلا يمكن لصانع أفلام، أن يفترض معرفة الجمهور بتفصيلة مهمة مثل هذا ويبني عليها أحداث فيلمه.

كان يمكن بسهولة تفادي هذه المشكلة، إذا ما تم عرض نية قتل شارون في بداية الفيلم، وخطة مانسون لفعل ذلك، بهذه الطريقة، يمكن بناء حالة ترقب، إذا ما كانت ستموت أم لا، طوال الفيلم وهو ما لم يحدث، لذلك فليس من الغريب أن يصف الكثيرين الفيلم بالممل.

رسالة حب غير ناضجة

يمكن القول، إن الفيلم يمثل رسالة حب من تارانتينو لهوليوود، التي تربي عليها وشكلت وجدانه، لكن هذا الحب استغرقه أكثر من اللازم، فنحن لا يهمنا مشاهدة قدر الإحالات، التي استخدمها للإشارة إلى أفلامه المفضلة، بقدر اهتمامنا بمشاهدة قصة ممتعة، وشخصيات تعلق في الذهن.