"ولاد رزق 2: عودة أسود الأرض".. العثرات في طريق خلق سلسلة سينمائية مصرية

تاريخ النشر: الجمعة، 16 أغسطس، 2019 | آخر تحديث:
ولاد رزق 2

لموسم عيد الأضحى السينمائي الحالي طبيعة خاصة تكاد تكون الأولى من نوعها؛ ففي سينما لم تعتد فكرة السلاسل السينمائية إلا فيما ندر يأتي الموسم بثلاثة أجزاء ثانية دفعة واحدة: "الفيل الأزرق" و"ولاد رزق" و"الكنز"، والطريف أن الثلاثة أفلام/ سلاسل تحمل توقيع أكبر ثلاثة أسماء في السينما السائدة خلال القرن الحالي: شريف عرفة وطارق العريان ومروان حامد.

"ولاد رزق 2".. كيف عاد أسود الأرض؟

إذا ما استثنينا الجزء الثاني من "كنز" شريف عرفة لطبيعة العمل الخاصة، باعتباره فيلم بالغ الطول تم تصويره دفعة واحدة ثم تقرر تقسيمه وطرحه في فصلين كان المفترض أن يفصل بين عرضيهما فترة أقل لولا التعثر التجاري للجزء الأول الذي استوجب التأجيل، فإن ما فعله حامد والعريان، مع ثنائي المؤلفين اللذين يرتاح كل منهما للعمل معه (صلاح الجهيني مع طارق العريان وأحمد مراد مع مروان حامد)، هو أول محاولة معاصرة لخلق سلسلة تجارية (فرانشايز franchise) على النمط الهوليوودي: سلسلة ضخمة لها أبطالها وقواعدها وجمهورها، وهو هدف محمود في صناعة تعيش منذ تأسيسها اللحظة الراهنة، لا تبني على تجارب الماضي ولا تضع خطة طويلة أو حتى متوسطة الأمد للمستقبل، فكان جدير بأسماء بحجم العريان وحامد وضع اللبنة الأولى في اتجاه يبدو إنه سيستمر؛ فكلا العملين وعد الجمهور بجزء ثالث، ناهيك عن أخبار الاستعداد لإنتاج "هيبتا 2".

في مقال سابق تعرضنا بالتحليل لفيلم "الفيل الأزرق 2"، وفي هذا المقال سنلقي نظرة على "ولاد رزق 2: عودة أسود الأرض"، العمل الثالث لثنائي طارق العريان مخرجًا وصلاح الجهيني مؤلفًا، بعد الجزء الأول وفيلم "الخلية"، والثلاثة أعمال من بطولة النجم أحمد عز الذي يكمل فريق العمل.

"الفيل الأزرق 2".. ماذا فعل الجزء الثاني بفيلم غيّر صناعة السينما؟

إن كانت المقارنة بين الأفلام ليست دائمًا طريقة نقدية سليمة أو ذات قيمة، فإن في حالتنا هذه المقارنة حتمية وموجودة سلفًا في ذهن الجميع: الجمهور والنقاد وسأبالغ وأقول وصناع الأفلام أيضًا، على الأقل بحكم المنافسة بين عملين يمتلكان العديد من نقاط التشابه.

القواعد التأسيسية للمعادلة

كما ذكرنا عند الحديث عن "الفيل الأزرق 2"، لا يمكن التعرض لفيلم "ولاد رزق 2" ولو بالمشاهدة دون وضع الرقم اثنين في الاعتبار، فالعمل هو امتداد للجزء الأول، يستهدف جمهوره ويحاول أن يقدم لهم نفس الخلطة التي منحت الفيلم نجاحه وشعبيته، وبالتالي فأي محاولة لإسقاط رغبات المشاهد/ الناقد الشخصية فيما يحب أن يراه على الفيلم وتقييمه من خلالها هو خطأ منهجي.

الجمهور يقطع تذكرة "عودة أسود الأرض" ـ وهو بالمناسبة استخدام بالغ الذكاء لوصف ورد في أغنية المهرجانات التي صاحبت الجزء الأول ولم ترد داخل الجزئين ملفوظة على الإطلاق ـ وهو يريد أن يشاهد تنويعة على الجزء الأول، يريد مشاهدة أبطاله الخمسة الذين أحبهم، يتابع مغامرات يستخدمون فيها ذكائهم وقوتهم وخفة ظلهم، مع بعض الجديد على صعيد الحكي والتفاصيل، والقديم المتمثل في ظهور شخصيات من الجزء الأول كمكافأة للمعجبين المخلصين (مشهد ما بعد النهاية هنا نموذج مثالي لهذه المكافأة التي تتقنها السلاسل الأمريكية).

انطلاقًا من هذه القواعد أو الأهداف سنمر على أبرز ما نجح طارق العريان وصلاح الجهيني في تحقيقه، وما تعثرا فيه خلال رحلة عودة أبطالهما المدهشين: الأخوة رزق وتابعهم عاطف. والذي يمكن أن نلخصه في ثلاثة نجاحات وثلاث عثرات كما يلي..

النجاح الأول: خلق الفرانشايز

إذا كان صناع الفيلمين يحاولون خلق فرانشايز بتحويل الفيلم الواحد سلسلة محبوبة ومرغوبة من الجمهور، فإن المادة الخام التي امتلكها صناع "ولاد رزق" وصاغوها في الجزء الثاني هي الأفضل والأنسب لتحقيق هذا الهدف، لأسباب بعضها "خلقي" يتعلق بتصميم العملين، وبعضها "حرفي" يتعلق بالصياغة الفيلمية.

فالأسباب الخلقية تتصل بعدد الأبطال ومجال نشاطهم وقدراتهم الفردية، فبدلًا من بطل وحيد لا يمتلك سوى ذكائه في "الفيل الأزرق" لدينا هنا خمسة أبطال متنوعي القدرات والجاذبية، وبدلًا من مجال تحقيق ثابت هو المرض النفسي/ المس السحري المتسبب في جريمة واحدة في الجزئين (قتل الزوج أو الزوجة)، يمتلك "ولاد رزق" احتمالات غير محدودة لعمليات النصب والسرقة والاقتحام التي يمكن للأبطال القيام بها. هذه الفوارق لا دخل للموهبة أو الحرفة فيها، هي فقط متعلقة بطبيعة القصة والعالم الفيلمي للعملين، والتي تمنح "ولاد رزق" أفضيلة مسبقة عن منافسه.

أما ما لا يتعلق بالتصميم الأولي للحكاية والذي ينجح فيه صلاح الجهيني بتفوق فهو القدرة على خلق عالم متكامل ومستمر، فبينما يبدو الحكي في جزئي "الفيل الأزرق" حلقاتي episodic، كل جزء فيه مستقل بذاته يرتبط بمجموعة شخصيات ينتهي وجودها في عالم الدكتور يحيى بنهاية القضية (كثير منهم يفارق الحياة أساسًا)، فإن من ذكاء "ولاد رزق" إن صناعه لا يغلقون الأبواب، ويعرفون أن الجاذبية في هذه النوعية من الأفلام لا تقتصر على الأبطال الرئيسيين، بل إن الأشرار أحيانًا كثيرة يكونوا هم مصدر الجذب.

لفهم الفارق يمكن المقارنة بين شخصيتي الضابط رؤوف (محمد ممدوح) في "ولاد رزق" وفنانة الوشم ديجا (شيرين رضا) في "الفيل الأزرق". على مستوى الشكل والتصميم ديجا أكثر جاذبية بمراحل، بهيئتها الإيكزوتينية exotic وطبيعة مهنتها وعلاقتها بعالم الجان، بينما يبدو رؤوف مجرد ضابط فاسد آخر. لكن بالنظر إلى توظيف الشخصيتين في الدراما تميل الكفة بقوة لمصلحة رؤوف، الشخصية المرتبطة عضويًا بالحكايات، والتي تتحول في نهائية الجزئين رجلًا من لحم ودم، نعرفه ونتعاطف معه ونتفهم نقاط قوته وضعفه، بينما تبقى ديجا مجرد حلية جذابة، نستمتع بوجودها كتفصيلة في الإطار العام للعمل دون أن تثير داخلنا ما هو أكثر مما يقدمه وجودها من معلومات. وبين المثالين يمكن فهم الفارق الذي يجعلنا ـ على الأقل كاتب السطور ـ في شوق أكبر لجزء ثالث من "ولاد رزق" أكثر من منافسه.

النجاح الثاني: إتقان الصنعة

لا جديد في اهتمام طارق العريان بأدق التفاصيل، برغبته الدائمة في أن يكون صاحب الخطوة الأكثر حداثة في تقنيات الصناعة، والطريف أن الوصف عينه ينطبق مجددًا على المتنافسين الكبار الثلاثة، عرفة وحامد والعريان، بل أن عيوب هذا الاتجاه الإخراجي تجمعهم أيضًا: الاهتمام أحيانًا بالشكل على حساب المضمون، فالشكل دائمًا مُتقن وغالبًا مُبهر، لكن المحتوى تحدده جودة نص لا ضمانة لمستواه (راجع مثلًا تهافت فيلم العريان السابق "الخلية" على الرغم من إتقان تنفيذه).

في "عودة أسود الأرض" يحافظ العريان على تقديم تتابع واحد مدهش على الأقل في كل فيلم، فبعد تتابعات النهاية في مترو الأنفاق بالعمل السابق، يُقدم هنا مطاردة رائعة في ليل القاهرة بين الأخوين رزق (رضا وربيع) من ناحية، وبين تاجر الآثار غريب الأطوار (إياد نصار) من ناحية أخرى.

مطاردة أبرز ما فيها الجغرافيا، معرفة المشاهد بهذه الشوارع والميادين والأنفاق التي تقطعها السيارات، فهي ليست مجرد أماكن مبهمة يعلم الجميع أنها قد صورت في الخلاء. لاحظ أن تفصيلة كهذه تمنح سلسلة مثل "Fast & Furious" الكثير من جاذبيتها، ونذكر اهتمام وسائل الإعلام العالمية بكيفية قيام طاقم السلسلة بتصوير مطاردة في شارع بيكاديلي الشهير بلندن بعد اتفاق مع البلدية بغلق الشارع لمدة دقيقتين فقط من كل ساعة حتى لا تتعطل حركة المرور. شوارع مصر ليست بهذا الإحكام الإدارى لكن العريان وفريقه صوروا مشاهدهم في وسط المدينة ونفق الأزهر بنجاح ملحوظ.

النجاح الثالث: المتعة للمتعة

قد لا يلتفت البعض إلى أهمية هذا العنصر، لكن من يعلم السينما المصرية جيدًا يدرك قيمة صناعة فيلم لا يهدف إلا لإمتاع جمهوره، لا يريد تضمين معانٍ ضخمة أو تحميل الفصل الأخير بقضية ما تمنح صناع الفيلم شعورًا زائفًا بالقيمة. فقط نحكي حكاية ممتعة مروية بتماسك وبإيقاع متدفق وتنفيذ محكم، وهذا هدف محترم وإن لم يبدو مثيرًا لإعجاب المتثاقفين وأنصار سينما القضية.

هذا الفهم يمكنك من الاسترخاء والاستمتاع، بل والتغاضي عن الميزوجينية الواضحة التي تحكم أغلب ـ إن لم يكن كل ـ ما يتعلق بالنساء في الفيلم؛ فهي أولًا طبيعة العالم الفيلمي: كأس العالم في الرجال الألفا المتبجحين بفحولتهم، وثانيًا هي سمة ممتدة من الجزء الأول أي من صفات الرقم اثنين التي ليس من المنطقي أو المجدي طرحها للنقاش، وثالثًا تأتي في سياق عمل لا يدعي أي أفضلية أخلاقية على مشاهده، بل على النفيض تمامًا هو عمل ـ بالنظرة الضيقة ـ يحمل ترويجًا خفيف الظل للسرقة والنصب، كغيره من أفلام السرقات Heist التي نمتلك بعضها في تاريخنا لكن الملتزمين لا يزالوا عاجزين عن التصالح مع طبيعتها المارقة.

هذه النجاحات ارتبطت بإخفاقات تعثر فيها الفيلم، جعلت محصلته النهائية تقل في قيمتها ـ وربما إمتاعها ـ عن الجزء الأول، هذه العثرات يمكن تلخيصها في التالي..

العثرة الأولى: تكرار القالب

من المفهوم أن الجزء الثاني هو محاولة للاستفادة من نجاح وشعبية عناصر الجزء الأول مع إعادة توظيفها بصورة جديدة مثيرة، فلا غبار إذن على استخدام نفس العناصر أو القيام بالفعل نفسه (السرقة الذكية)، إلا أن المشكلة هي أن يأتي ذلك باستخدام القالب الدرامي نفسه دون أي ابتكار يُذكر، بل أن التكرار يجعله أقل ابتكارًا لأنه ببساطة شوهد من قبل.

المهمة التي تنطلق بدوافع تتراوح بين الطمع والحاجة إلى المال، ثم الوصول لنقطة يقرر فيها الأخ الأكبر لأسباب عقلية وأسرية إيقاف العملية، لكن طمع الأخ الثاني وثقته المتناهية في نفسه تجعله يصمم على استكمال المهمة، ليتحول الأمر كارثة تهدد أفراد العائلة بما يستوجب عودة رضا ليعيد الأمور إلى نصابها، ثم انقلاب درامي ذكي "تويست" يمنح النهاية ألقًا. هذا هو ملخص الجزء الأول، وهو بتعديلات طفيفة لا تكاد تُذكر ملخص الجزء الثاني كذلك!

التشابه الذي يبلغ حد التطابق بين البنائين الدراميين عيب خطير لأنه يتسبب في تسطيح رحلة الشخصيات النفسية، فما شاهدناه من شد وجذب بين ربيع ورضا وكان مؤثرًا ساحرًا لم يعد من الممكن أن يتكرر فيعطي نفس النتيجة، ناهيك عن أن التكرار يقوّض ضمنيّا بُعدًا مهمًا لحكاية الجزء الأول، وهو التعامل مع وجود الأشقاء معًا باعتباره "قوة خارقة" تجعلهم التجربة يدركونها، فإذا كانوا مستعدين لإعادة الكرّة والانقسام الذي يبلغ بهم الحضيض، فما قيمة الاكتشاف أو القوة إذن؟!

العثرة الثانية: مأزق النصف الأول وغياب الحميمية

انقسم الجزء الأول إلى نصفين تقريبًا، الأول تعريفي بماضي الأشقاء وطبيعة حياتهم والعلاقة بينهم وبين الفتيات المحيطات بهم، قبل الدخول في النصف الثاني المرتبط بالعملية أو الخدعة. هذا الجزء الأول امتاز بقيمة المكان (منزل الأخوة ذي التصميم والموقع المميز)، وبطاقة الحميمية والهارمونية التي حكمت العلاقة بينهم بما يجعل من الصعب ألا تقع في حب هؤلاء الأخوة الأشقياء خفيفي الظل مهما فعلوا من تصرفات قد لا ترضى عنها بشكل مجرد.

الجزء الثاني ينطلق من وقوف الشخصيات على أرض صلبة يعرفها الجمهور، وبالتالي يتجاوز تقديم الأشقاء معًا ويقفز مباشرة للحركة والسرقات والمهام. اختيار وإن بدا منطقيًا إلا إنه أفقد الفيلم هذه العلاقة الفريدة التي تجمعهم. البيت لا يكاد يظهر إلا لثوان غير مؤثرة، والأحاديث بينهم تكاد تقتصر على العمل وما يتعلق به، باختصار كل ما هو إنساني فيهم يتم تهميشه لحساب الحركة والإبهار.

الطريف أن الاستعاضة عن نصف الفيلم الأول بالمزيد من الأكشن تسبب في خلق أزمة توازن بين نصفي الفيلم، فالمهمة الأولى التي يفترض أنها مجرد عودة الأشقاء لملعب الجريمة (سرقة العُقد) تبدو على الشاشة أفضل بكثير، لتصميم مواقع الأحداث المبهر ولمشاركة أكبر عدد من ضيوف الشرف فيها ولاحتوائها على أفضل مشاهد الفيلم وهو المطاردة المذكورة. أما النصف الثاني والذي يفترض أن يحوي المهمة الرئيسية، فيبدو أقل جاذبية بكثير مما سبقه، حتى وإن انتهى بانقلاب درامي ذكي.

العثرة الثالثة: مواهب مهدرة

طبيعة الخدعة في الجزء الأول استلزمت وجود هذا العدد من الأبطال، فالتلاعب بالضابط عبر تبديل شخصيتي الأخ رجب والجار عاطف استلزم بداهةً وجود الشخصيتين، مع البطلين الرئيسيين رضا وربيع، والأخ الأصغر رمضان الأشبه بابن الجميع، فكان للشخصيات الخمسة قيمتها وتأثيرها الدرامي.

في الجزء الثاني يغيب هذا التوازن والتأثير، ويكاد الفيلم يتحول لبطولة ثنائية لأحمد عز وعمرو يوسف، مع ظهور خفيف الظل لكريم قاسم ضمن دوره في المهمة الأولى. أما أحمد الفيشاوي وأحمد داود، وهما ممثلان كبيران قام جانب كبير من جاذبية الجزء الأول عليهما، فظهرا في العمل الجديد أشبه بضيوف الشرف رغم كثرة المشاهد والجمل الحوارية. صحيح أن بداية ظهورهما كانت بالغة الطرافة بعدما تقمص كل منهما الشخصية العكسية للفيلم الأول بعد انقضاء الخدعة، إلا أن ذلك سرعان ما يتحول لنكتة مكررة في ظل عدم وجود تأثير حقيقي للشخصيتين على الأحداث.

محصلة "ولاد رزق 2: عودة أسود الأرض" عمل جماهيري كبير في إنتاجه ونجومه وتنفيذه، يخلق بنجاح فرانشايز أو سلسلة صالحة للاستمرار، ويمتلك نقاط قوة ملحوظة، لكن وجود عثرات واضحة في بناء الدراما والشخصيات والعلاقات بينها، حرمت الفيلم من أن تكون قيمته الفنية النهائية مرتفعة مثل نسخته الأولى. لدينا هنا صناع سينما موهوبين قرروا ترك الكثير من أصالة فيلمهم انتصارًا للشعبية والجماهيرية، وهو اختيار أثبت نجاحه وإن لم نرض كليًا عن نتائجه.

اقرأ أيضا للكاتب:

"بفضل الله".. جدل الشكل والمضمون في معالجة فرانسوا أوزون لقصة راهب متحرش

كان 72- فيلم السعفة الذهبية: Parasite.. عن طفيليات بشرية وأماكن متصارعة