"خيال مآته".. حلمي يصاب بالشيخوخة المبكرة!

تاريخ النشر: الخميس، 15 أغسطس، 2019 | آخر تحديث:
أحمد حلمي من فيلم "خيال مآته"

السينما هي الفن الوحيد في العالم الذي يرتبط تاريخه بأول تذكرة سينمائية اشتراها الجمهور، لذا يعتبر يوم 28 ديسمبر عام 1895 ميلاديًا، هو البداية الرسمية لتأريخ السينما، حينما قدم الأخوان "لوميير" أول عرضًا سينمائيًا بمقابل مادي في باريس، بعد أن استأجرا الطابق الأرضي أسفل "جراند كافيه"، وخصصاه لعرضهما الذي استمر حوالي 20 دقيقة، رغم أن ظهور اختراع ألة العرض السينمائي نفسها بدأ قبل ذلك بكثير، لكن التاريخ السينمائي المختلف عن تاريخ باقي الفنون، لا يلتفت لتاريخ الألة ولحظة ميلاد الوسيط، بقدر ما يبدأ من عند أول مقابل مادي دفعته الجماهير لتشاهد وتستمتع!

وبناء عليه، تظل التذكرة السينمائية هي أهم محور ارتكاز تقوم عليها الصناعة، وتُبني عليها أمجاد النجوم، مع كامل الاعتراف بأن هناك أفلام حققت فشلًا ذريعًا بلغة الإيرادات وحسابات شباك التذاكر، ثم أصبحت مع مرور الوقت علامات سينمائية خالدة، أكبر بكثير من كل الأفلام التي ظهرت معها، وتفوقت عليها ماديًا، لكن حتى في هذه الحالة، كان وراء هذه الأفلام الخالدة وهجًا آخر من الفكرة غير المسبوقة، والتجديد والتجريب في صناعة بناء درامي مدهش، يتم تقديمه بعبقرية إخراجية ورؤية أعلى من إدراك العوام، ومن هنا ظهر ذلك التصنيف الذي يُفرق بين الأفلام التجارية، والأفلام الفنية التي يُطلق عليها أفلام المهرجانات، وبين هذا وذاك رقص فيلم (خيال مآته) على السلم، دون أن يشعر به أحد، حتى أصبح اسمًا على مسمى.

"خيال مآته" ... عندما تشاهد فيلما داخل فيلم

فالمعروف أن حلمي لم يكن يومًا ذلك النجم الذي يقوم ببطولة أفلام فنية تشارك في المسابقات الرسمية بالمهرجانات العالمية، وأن نجاحه ونجوميته – طوال الوقت -مرهونين بالإقبال الجماهيري ولغة الإيرادات، بما يقدمه من أفلام تجارية، أغلبها ذات صبغة كوميدية، حتى وإن كانت كوميديا سوداء كتلك التي قدمها في (عسل إسود)، هذا هو العقد الرئيسي بينه وبين محبيه من جماهير متفاوتة الأعمار.

العقد الثاني في (خيال مآته) تحديدًا، هو ما تم تقديمه في "تريلر" الفيلم الذي ركز على الشكل الجديد لحلمي في ثوب الرجل العجوز، ليوحي للجماهير بالمقدمة الدعائية والأفيش، أن هناك جرعة كوميديا عالية في الطريق إليهم، من خلال المباراة المتوقعة بين الجد والحفيد اللذين يظهران سويًا على البوستر، فضلًا عن عودة التعامل مع منة شلبي وخالد الصاوي بعد غياب أكثر من 12 عامًا منذ تعاونهم الأخير في (كده رضا)، الذي اتفق أغلب جمهور حلمي أنه أكثر أعماله ضحكًا وذكاءًا وعبقرية في الفكرة والمضمون، أضف إلى ذلك بيومي فؤاد وحسن حسني ولطفي لبيب وإنعام سالوسة وانتصار في التمثيل، وخالد مرعي الرائع إخراجيًا، وتجمعه بحلمي كيمياء فنية ملحوظة بدأت منذ (آسف على الإزعاج).

كل المؤشرات إذن كانت تخبرنا أن (خيال مآته) سيكون عودة قوية لحلمي بعد غياب 3 سنوات منذ فيلمه الأخير (لف ودوران)، الذي حقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما وقتها، لظروف خاصة ارتبطت بحالة حلمي المرضية وتماثله للشفاء من الورم في هذا التوقيت، ورغبة جمهوره ومحبيه في الاطمئنان عليه، حتى أنهم تغاضوا عن ضعف قصة الفيلم الأقرب إلى اسكتشات، لكنه – على الأقل - كان به قدرًا لطيفًا من الكوميديا يمكن اعتباره مقدمة لقنبلة ضحك كان الجميع ينتظر انفجارها في الفيلم الجديد، الذي توقعت الجماهير أنه سيعيد أمجاد (كده رضا) مرة أخرى، ليجدد حلمي ريادته السينمائية، وتربعه على عرش الإيرادات، ويسترد ثقة محبيه، لكن ارتفاع سقف التوقعات كان أكبر لطمة شعر بها المشاهدون في دار العرض.

الفرق بين ابن حميدو وخيال مآته

تدور الأحداث حول رجل عجوز في الثمانينيات من عمره، نجح حين كان شابًا في حقبة الستينيات - بالتعاون مع صديقه - في سرقة "بروش" كوكب الشرق أم كلثوم أثناء إحدى حفلاتها الغنائية، قبل أن ينضم إلى تنظيم سري متخصص في سرقة تحف وآثار مصر، ليصلوا إلى العصر الحالي ومعهم الكثير من الآثار والمقتنيات الثمينة القادمة من الماضي، ولا تقدر بثمن. كانت هذه الخطفة الدرامية التي بدأ بها الفيلم بداية قوية ومبشرة، قبل أن تتهاوى الأحداث في فخ الرتابة والملل، لنعرف بعد أكثر من نصف ساعة خالية تمامًا من الضحك، أن الجد "يكن"، له حفيد يُدعى "زيزو"، سيستعين به في مهمة خاصة ضد التشكيل العصابي الذي قرر بعد كل هذه السنوات أن ينقلب عليه، وتتصاعد بعدها الأحداث..إلى الأسفل!

بعد سرقته في "خيال مآته".. تعرف على تاريخ بروش أم كلثوم

لا شيء يخطفك ويجبرك على التوحد مع "الحدوتة".. سيناريو مهلهل، حبكته ضعيفة ومملة.. رسم شخصيات في غاية السطحية.. أداء باهت للفنانين.. كوميديا تبعث على التثاؤب في أغلب الوقت.. إخراج تشعر أنه اضطر إلى "تقفيل" الفيلم على عجل، دون تجديد في كادرات التصوير، والجمل البصرية التي كانت كفيلة بكسر حالة الجمود وبطء الإيقاع، لتسود أغلب كادراته التقريرية المباشرة.

والنتيجة؟! حالة من الصمت والوجوم داخل قاعة العرض.. الوجوه يعلوها الضجر، الذي اتبعه النظر في الساعات أو العبث في الهواتف المحمولة، ثم انصراف البعض قبل انتهاء الفيلم! هل هذا عمل لأحمد حلمي حقًا؟!

بلغة الفلاش باك السينمائية، احتل حلمي المرتبة الأولى من حيث نسبة المشاهدة والجماهيرية منذ عام 2006، وفقًا للتطور الرائع الذي أحاط به مشواره، بدءًا من ذكائه في اختيار الفكرة والنص السينمائي الذي يُقدم به نفسه عام بعد عام، وبساطة الأداء بأسلوبه السهل الممتنع في تقديم شخوصه بتلقائية شديدة، جعلت الجماهير تشعر وكأنها تشاهد أحد أفراد أسرتها على الشاشة، وليس نجمًا سينمائيًا يطل عليهم من برج عاجي، فضلًا عن تحويل اسمه إلى "براند" جذاب لكل ما هو عائلي وأسري، وبالتالي حملت أفلامه خِتم ثقة مُسبقة، بعد أن نجح في شحن رصيده عملًا بعد عمل.

كل هذا الذكاء، والتنوع، المغلفين بقالب أخلاقي محافظ، صنعوا خلطة كانت مناسبة تمامًا لذائقة أغلب الجماهير في الفترة من 2005 وحتى 2011، وربما كان ذلك سببًا في أن يكون "أكس لارج" هو آخر أعمال حلمي التي حققت إجماعًا بين أراء الجماهير والنقاد، قلما نجحت أفلام أخرى في تحقيقه، قبل أن يرجع حلمي إلى الخلف. لماذا؟!

بدأت أفاق الجماهير تتفتح بشكل مختلف.. اختلفت الذائقة، واختلف شكل الشارع، ولغة الحوار، وطريقة التعامل، بل وطريقة التفكير نفسها، لكن الأزمة لا يمكن اختصارها في جمهور لا أمان له ويتغير مثل الزمن، بقدر ما يقع عبء مسؤوليتها الأول على النجم الذي خانه ذكاؤه في أمور عدة، أولها أن شكل الكوميديا نفسه اختلف في زمن السوشيال ميديا، وانتشار الإفيهات، والـ"ميمز"، والـ"سكرين شوت" القادرة على انتزاع ضحكات مجانية، دون الحاجة لارتداء ملابس والذهاب خصيصًا إلى السينما، فضلًا عن قدرة حلمي "زمان" على اختيار ما هو مفاجيء، ومبهر، ومتجدد لجمهوره، وعليه استعادة بوصلته التي كانت مميزة، قبل فوات الأوان.

كلمة أخيرة:

على من يصورون الأمر بأنه حملة ممنهجة، أن يتأملوا الأقلام التي رفعت حلمي يومًا إلى السماء وأشادت بنجاحاته وذكائه، ليدركوا أن تحول الآراء والكتابات، لا يعني سوى ابتعاد صاحب الموهبة والنجاح عن المسار الصحيح، وأن النقد هو البادرة الأولى لتصحيح الانحراف، بينما يعد "التطبيل" والدفاع الأعمى في أوقات الخطأ هو الحملة الممنهجة حقًا، للوصول إلى نقطة اللاعودة!