"خيال مآته" ... عندما تشاهد فيلما داخل فيلم

تاريخ النشر: الأربعاء، 14 أغسطس، 2019 | آخر تحديث:
أحمد حلمي في فيلم "خيال مآتة"

في منتصف القرن الماضي تقريبا اجتاحت العالم نظرية فنية أحدثت دويا هائلا في مجال الفنون الدرامية التي ظلت ثابتة على نظامها الملحمي منذ هوميروس.

أسست هذه النظرية، التي تعود إلى الكاتب الألماني برتولت بريخت (فبراير 1898 – أغسطس 1956)، لما عرف بـ"كسر الجدار الرابع"، وانتشرت تحت مصطلح شعبوي مباشر "كسر الإيهام البريختي" نسبة إلى صاحبها، ببساطة تتلخص فكرة بريخت في كسر جدار "الوهم" الذي وضعه في المركز الرابع في ترتيب جدران العمل الفني بعد (المكان – الزمان – العقدة)، ليصبح المشاهد/المتلقي وأيضا الممثل على وعي تام طوال العرض الفني أن ما يدور ما هو إلا تمثيل وليس حقيقة يعيش معها ويندمج فيها، كما كانت الأعمال الملحمية تهدف.

هذا ما قدمه فيلم أحمد حلمي الجديد "خيال مآتة"، الذي تعاون فيه مع المخرج خالد مرعي، ليقدما في العمل الخامس لهما معا، فيلما اعتمد المنهج البريختي، الذي لم تستسغه الذائقة الفنية العربية، وظل حبيس كتب النقد إلا في بعض تجارب خجولة في دورات مهرجان المسرح التجريبي.

وإن كان الثنائي (حلمي ومرعي) اختارا هذا الاتجاه لعرض فكرتهما في "خيال مآتة"، فإنهما قدما من قبل في فيلمهما "بلبل حيران" 2010 نفس المنهج البريختي في عرض فكرة استغلال تعرض بطله "بلبل" لحادث أفقده الذاكرة، وقيام شخصيات الفيلم (زينة – شيري عادل) بالتآمر عليه للانتقام بعدما ظنا أنه كان يتلاعب بهما، ومعرفة المشاهد بما يدور للبطل، ومشاهدته الممثلين وهم (يمثلون) داخل الفيلم ويتبادلون الأدوار للتلاعب بالبطل.

النصف الأول من فيلم "خيال مآتة" قدم لنا الشخصيات وأبعادها النفسية، وإن اكتفى في هذه الأبعاد بمستو سطحي للغاية دون أي تعمق حتى في الشخصية الرئيسية "يكن"، بينما تحول الجزء الثاني بالكامل إلى تمثيلية أو فيلم داخل الفيلم، بنى له الأبطال الديكور وجهزوا له المؤثرات الصوتية والبصرية واستعانوا بشخصيات لتقديم دور الكومبارس.

لم يقدم الكاتب الذي أتحفنا بأعمال درامية من الطراز الرفيع عبد الرحيم كمال فكرة أو حبكة درامية متميزة تجعلنا نقف أمامها طويلا، ففكرة الفيلم لا تتجاوز الصراع بين الخير والشر، ولحظة استيقاظ الضمير المفاجئة، التي لم يكن لها مبررا قويا في فيلمنا، فمشاهدة البطل لصديقه القديم ليس مبررا قويا لتحوله هذا التحول المفاجئ الغريب، ألم يمر بمثل هذه اللحظة من قبل أو حتى أقوى منها مع أشخاص أقرب له من صديقه؟ ألم تشهد سنوات عمره التي تجاوزت الثمانين لحظة أقوى من هذه اللحظة التي قام عليها التحول الدرامي للفيلم!

وبهذه البنية الدرامية الضعيفة، وقع العبء الأكبر على المخرج والفريق الفني للفيلم، فإذا كان حلمي ابتعد في "خيال مآتة" عن اقتباس الفكرة من الأفلام الأجنبية كما فعل في عدة أفلام سابقة، فإنه اقتبس هذه المرة طريقة معالجة الموضوع، فوجدنا أنفسنا أمام ديكورات وتنفيذ خدع فكرية تعتمد على التكنولوجيا، تشبه مشاهد السرقة في أفلام أجنبية كبيرة.

تمكن خالد مرعي مع فريق العمل: مي جلال تصميم الأزياء، وأحمد يوسف التصوير، ومونتاج خالد سليم من تقديم صورة جيدة لزمن مضى عليه ستون عاما، وقدم خالد داغر موسيقى جيدة تشبه أحداث التشويق والإثارة بالفيلم، باستثناء موسيقى المشاهد الأولى التي تدور في حقبة الستينيات من القرن الماضي، التي كان صوت الدرامز والباص جيتار غير مناسبان لها بالمرة.

قدم أحمد حلمي في الفيلم شخصيتين بثلاثة أدوار: الجد "يكن" والحفيد "عبد العزيز – زيزو" و"الجد المقلد"، الذي قدمه زيزو، وفي الحقيقة ليس لأحمد حلمي ذنب إذا شعرت أنك كنت تشاهده هو فقط طوال أحداث الفيلم، مع احترام مجهود باقي الفنانين المشاركين منة شلبي، وخالد الصاوي، وحسن حسني، وعبد الرحمن أبو زهرة، وبيومي فؤاد، ولطفي لبيب، وانتصار، وياسر الطوبجي، وسامي مغاوري، ورشوان توفيق، وإنعام سالوسة، ومحمود الليثي، وحمدي الميرغني.

فقد كُتب الفيلم هكذا، أحداث محددة بشكل دقيق، ومستوى درامي سطحي غير متشعب أو متعمق، حتى لو تم التلاعب بالزمن بالانتقال من الحاضر للماضي والعكس، فالفيلم لم يقدم أي عمق للشخصيات، بما فيها شخصية البطل كما سبق وأشرنا.

حتى مشاهد الكوميديا التي قدمتها انتصار أو شارك بها بيومي فؤاد، هرسها قطار الأحداث السريع الذي لم يكن له هدف سوى الوصول للمحطة النهائية لدرجة جعلت نهاية الفيلم مفاجأة للمشاهدين بعد مشهد حوار سريع بين الجد والحفيد / الماضي والحاضر.

حتى لو تذبذب المستوى صعودا وهبوطا من فيلم للآخر، سيظل أحمد حلمي صاحب المشروع الخاص، الذي يصمم أن يكمله دون الالتفات لأي شيء آخر، تميزت أعماله بشكل خاص، وضعه في مكانة لا ينافسه فيها أحد، فلا هو يقدم الكوميديا الصريحة مثل محمد هنيدي ومحمد سعد، ولا يقدم الأكشن على طريقة محمد رمضان، بل يقدم شيئا يشبهه هو يجمع عدة تصنيفات، فيمكنك وصف أفلامه بأنها لايت - ساخرة - اجتماعية.

لا يضع شباك التذاكر نصب عينيه، وإلا لرأيناه يقدم تلك الخلطات السينمائية الجاهزة، التي تحقق أعلى الإيرادات، بداية من خلطة السبكي التي اكتسح بها سينما الألفية الثانية بأغنية شعبية وراقصة وقصة حب، نهاية بأفلام الأكشن الأمريكاني التي تدور أحداثها في دول عدة ويستقدمون لها مصممي معارك من أمريكا، لذا ورغم الإيرادات العالية التي حققها في أول أيام عرضه، فإني أرى أن أفلام حلمي لا يليق بها العرض في موسم الأعياد، الذي يشكل الأطفال والمراهقون أكثر من 90% من رواد السينما فيه.

اقرأ أيضا للكاتب

"الممر"... يفتح الطريق لبطولات الجيش المصري إلى شاشة السينما
10 أسباب تفسر الحب الكبير لعزت أبو عوف