"زودياك" و"جِن": على من يجب أن نراهن؟

تاريخ النشر: الثلاثاء، 25 يونيو، 2019 | آخر تحديث:
الملصقان الدعائيان لمسلسلي "جن" و"زودياك"

استغرقت منصة "نتفليكس" أكثر من ثلاثة أعوام منذ بدأت بثها في الدول العربية في يناير 2016 حتى تعرض أول مسلسل عربي من إنتاجها، وهو مسلسل "جِن" المكون من 5 حلقات، والذي أعده ميرجان بو شعيا الذي عرفه الجمهور من فيلمه "فيلم كتير كبير"، والذي أخرج 3 حلقات من المسلسل، وشاركه في الإعداد إيلان وراجيف داساني.

لاقت الحلقات منذ عرضها قبل أيام قليلة هجومًا كبيرًا، أغلبه لأسباب أخلاقية مع بعض الهجوم لأسباب فنية.

لنعد بالزمن أسابيع قليلة أخرى، قبل رمضان الماضي، أعلنت شبكة Viu عن إنتاجها وعرضها لمسلسل "زودياك" المكون من 15 حلقة الذي عرض على المنصة بالفعل خلال شهر رمضان.

التجربتان تجمعهما الكثير من العناصر المشتركة، ليس فقط أنهما من إنتاج منصات عرض إلكترونية بل الموضوع والنوع الذي ينتمي إليه كلا العملين أيضًا متشابه، مما يجعلنا ننظر إلى التجربتين معًا، لنرى أي المنصتين راهن على العمل الصحيح.

رعب عربي
العامل المشترك الأول بين العملين هو اعتمادهما على نوع الرعب وتحديدًا النوع الفرعي الخاص بما وراء الطبيعة، فلدينا لعنة قديمة أو قوة غامضة، مع استخدام عناصر النوع الفرعي الخاص بالسفاحين (Slasher) أيضًا، فلدينا مجموعة من المراهقين أو الشباب، يموت بعضهم بسبب اللعنة فيبدأ الباقون في محاولة إيقافها للحفاظ على حياتهم.

رغم تكرار هذه العناصر في الكثير من الأفلام الأمريكية فإنها لا زالت تحصل على الإقبال الجماهيري الذي يسمح باستمرارها، ففيلم مثل"The Grudge" الذي ينتمي للنوع الأول ظهرت له عدة أجزاء تالية، وهناك عدة أجزاء أيضًا من سلسلة "Scream" (الصرخة) التي تنتمي للنوع الثاني، الرعب مثل الكوميديا من الأنواع التي مهما شاخت وتكررت تظل مطلوبة، ويظل التجديد فيها متاحًا، ويبقى لها جمهورها الذي أغلبه من الشباب.

لكن الأفلام أو المسلسلات العربية من النادر أن تُقبل على هذا النوع، عادة لعدم وجود الإنتاج الكافي وأيضًا لعدم بحث الكتاب عن الموضوع الذي يصلح لتحويله إلى القالب العربي دون أن يبدو مصطنعًا، رغم كثرة الموضوعات المرعبة في التراث العربي، وهو ما انطلق منه صناع "جن" و"زودياك".

كما يبدو من عنوانه فـ"جن" يدور عن الجن الذين يسكنون كهوف مدينة البتراء الشهيرة في الأردن، بينما "زودياك" المبني على إحدى قصص الراحل أحمد خالد توفيق استخدم الفراعنة والأساطير المحيطة بهم، وكلتا الفكرتين عربيتين، ومتأصلتين في الدولتين اللتين تدور فيهما الأحداث.
الرهان على هذا النوع من المنصتين كان ذكيًا، فكما ذكرنا هو نوع مطلوب من المشاهدين الشباب، الذين يمثلون الشريحة الأكبر من مشتركي ومشاهدي هذه المنصات، ولما كانت الأعمال العربية من هذا النوع شحيحة كما ذكرنا، فسيكون صناعة مسلسل من نوع الرعب عنصر جذب قوي للمشاهدين.

لكن النوع هو العتبة الأولى، فماذا عن المعالجة؟
الجن والفراعنة
ينبغي توضيح أن ما عرض من "جن" هو الموسم الأول فقط المكون من خمس حلقات، بينما "زودياك" كان له نهاية واضحة وإن كانت تسمح بصناعة مواسم أخرى.

ما قدمه سيناريو "جن" لا يزيد عن افتتاحية العمل، نحن نتعرف على الشخصيات الرئيسية والعلاقات بينها، من يحب من ومن عدو من، ونتعرف على الملامح الرئيسية لفكرة الجن الذي ينطلق لمحاولة الاستحواذ على البشر لفرض سيطرته. لكن ما شاهدناه في خمس حلقات كان يمكن اختصاره في ثلاث على الأكثر، وما جاء بأكمله لا يصلح لأن يكون موسمًا كاملًا على الإطلاق فهو أقل من هذا في ما يقدمه من أحداث، ومن غير المنطقي أن ننتظر عامًا كاملًا أو أكثر لمعرفة تتمة ما شاهدناه، فلا هو مشوق كفاية حتى ننتظر منه المزيد ولا الشخصيات مكتوبة بشكل قوي حتى نستطيع التعاطي معها وترقب مصيرها، فالعلاقة المضطربة بين ميرا (سلمى ملحس) ووالدها لم تضف شيئًا للأحداث على سبيل المثال، عكس الصراع داخل أسرة ياسين (سلطان الخيل) الذي كان مهمًا لتبرير اختيار الجن للاتحاد معه هو تحديدًا. مع ملاحظة أن أغلب الشخصيات المكتوبة لهذا النوع من الأعمال تكون أحادية الأبعاد، ويبقى الأداء -الذي سنتحدث عنه لاحقًا- هو العامل الأكثر أهمية.

بعيدًا عن الشخصيات، نأتي إلى القصة التي نجد أنها مبنية على فكرة جيدة وأصلية لكن تفاصيلها لم تتضح إلا بعبارات سريعة على ألسنة الشخصيات، فلن نعلم لم اختار الجن أن يسكن أجساد فيرا (عائشة شهالتو) أو كيراس (حمزة عقاب) أو ليلى (بان حلاويه) دونًا عن بقية الطلبة.

نجد أن الصراعات الجانبية في "زودياك" لم تُوظف بأفضل صورة أيضًا، إذ شاهدنا عدة مشاهدة للخلاف بين أبوي سامي (محمد مهران)، بينما كان تأثير علاقته الصدامية مع الأب وحده كافيًا لتبرير دوافع وملامح شخصيته.

وعندما ننظر إلى الحبكة الرئيسية وإيقاع الحلقات سنجد أن كتاب المسلسل بقيادة محمد المعتصم، نجحوا في صناعة إيقاع مشوق للحلقات، فنجد في كل حلقة الكثير من الأحداث التي تربط المشاهد بالمسلسل، وتجعله ينتظر الحلقات التالية، بالإضافة لاستغلالهم الجيد لقصة "حظك اليوم" المبني عليها المسلسل، إذ نجحوا في الجمع بين أساطير الفراعنة والأساطير الشعبية المحيطة بالمقامات والأشخاص ذوي الكرامات، لتأتي النتيجة النهائية بها الكثير من عوامل الجودة.

لكن السيناريو، مهما كان جيدًا، لن يخرج بالصورة الأفضل دون وجود مخرج جيد وفريق ممثلين قوي، فكيف كان الإخراج والتمثيل في العملين؟

وجوه جديدة
يتقاسم مهمة الإخراج في "جن" اللبناني ميرجان بو شعيا والأردني أمين مطالقة، بينما يتولى إخراج "زودياك" محمود كامل. اهتم مخرجا "جن" بتصوير الأماكن التاريخية في مدينة البترا بشكل جمالي واضح، وهو هنا ليس لمجرد الاستعراض البصري لكن المكان متأصل داخل موضوع العمل. بعيدًا عن الأماكن التاريخية نجد أن هناك محاولة واضحة لمقاربة المسلسلات والأفلام الأمريكية التي تدور في عالم المراهقين داخل المدرسة، فنجد تصوير المدرسة وحفلة عيد الميلاد وحتى سهرات الأصدقاء جميعها أقرب لهذا الشكل، وأشهر نماذجه مؤخرًا مسلسل "13Reasons Why" (ثلاثة عشر سببًا لماذا) وهو أيضًا من إنتاج نتفليكس.

بعيدًا عن هذا، فإن فريق التمثيل في المسلسل يعد أضعف العناصر، اهتم صناع المسلسل باختيار وجوه شابة وغير معروفة لتصلح للتجربة الجديدة التي ستبث في الكثير من الدول وليس فقط الدول العربية، ورغم الوقت الكبير الذي أخذه المسلسل للتحضير، والميزانية المتاحة التي بالتأكيد كانت تكفي لاختيار وجوه جديدة مناسبة، فإن أغلب الممثلين لم يقدموا أداءً جيدًا وعلى رأسهم حمزة عقاب الذي قدم دور كيراس والذي اجتهد ليقدم شخصية جادة لكن شاب أداؤه الافتعال، في المقابل نجد أداءً أفضل من سلمى ملحس وعائشة شهالتو وسلطان الخيل، الذين كان أداؤهم أكثر تماسكًا طوال الحلقات.

لهذا كما ذكرنا سابقًا لم تقدم الشخصيات الحضور الكافي لدى المشاهد ليرتبط بها.

في "زودياك" نجد تصويرًا جيدًا من محمود كامل لمشاهد المولد في النهاية وكذلك مشاهد المعبد الفرعوني التي تدور في الماضي، ونجد طابعًا بصريًا مختلفًا لكل منهما، وإن كانت بعض المشاهد خرجت في صورة مظلمة أكثر من اللازم، حتى أن مشهد قتل عالم الفلك في عربة الماشية لم يكن واضحًا على الإطلاق.

لكننا نجد ميزة إضافية لهذا المسلسل، إذ حافظ على قدر أكبر من أجواء الرعب وكانت هناك عدة مشاهد مخيفة حاضرة أغلبها من نصيب أسماء أبو اليزيد، وهو ما لم يكن حاضرًا تقريبًا في "جِن".

لم يكن غائبًا على صناع المسلسل أيضًا أنه موجه لجمهور الشباب ولهذا فقد كان فريق التمثيل الرئيسي من الممثلين الشباب، وإن كان أغلبهم من الوجوه المعروفة نسبيًا والتي حققت نجاحًا من قبل لدى المشاهد، ورغم أن الأداء كان متفاوتًا لكن الأداء الجيد كان حاضرًا من أغلب الممثلين، بينما تقدم أسماء أبو اليزيد الأداء الأفضل في شخصية يمنى الفتاة الفقيرة التي تستحوذ عليها روح ساحرة فرعونية، وتقدم بعينيها ما يصعب على الكثير من الممثلين تقديمه.

نقطة أخيرة تجدر الإشارة إليها، هي التحرر من القيود الأخلاقية الذي كان في "جن" والذي كانت نتيجته هجومًا كبيرًا من الجمهور الأردني، رغم أنه من المعروف أن هناك الكثير من السُباب الذي ربما يكون حاضرًا في محادثات الشباب في هذه السن، لكن الكثير من الجمهور -كما هي العادة- ليس لديه مشكلة أن يكون هذا يحدث في الواقع لكن لديه مشكلة أن يحل هذا على الشاشة، حتى ولو كان على منصة مدفوعة وغير متاحة للجميع.

ربما يكون هذا التحرر النسبي في مسلسل عربي هو أفضل ما قدمه مسلسل "جن" بينما تظل التجربة في المطلق محبطة كأول أعمال نتفليكس العربية، في حين نجد أن "زودياك" خرج في صورة أفضل ويمكن اعتباره نواة حقيقية لمسلسلات المنصات الإلكترونية التي ستأخذ انتشارًا أكبر في الفترة القادمة.