"ولد الغلابة".. هل هو Breaking Bad المصري؟

تاريخ النشر: الخميس، 30 مايو، 2019 | آخر تحديث: الخميس، 30 مايو، 2019
مسلسل "ولد الغلابة" وBreaking Bad

منذ أسابيع قليلة، مع الحلقات الأخيرة لمسلسل Game of Trones (لعبة العروش) تعالت المقارنات بين نهاية المسلسل ونهاية مسلسل آخر هو Breaking Bad (انحراف)، لتميل الكثير من الآراء إلى تفوق الأخير على الأول، بل وتصفه بأحد أفضل المسلسلات على الإطلاق.

بالتزامن مع عرض الحلقتين الأخيرتين من "لعبة العروش" بدأ عرض مسلسلات رمضان، ومنها "ولد الغلابة" بطولة أحمد السقا وتأليف أيمن سلامة وإخراج محمد سامي. بعد حلقات قليلة ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من المقارنات بين المسلسل وBreaking Bad، ثم تحولت المقارنات إلى اتهامات بسرقة الحبكة ومشاهد وعبارات بعينها من المسلسل الأمريكي.

تبقت أيام قليلة على نهاية "ولد الغلابة" لكن ما شاهدناه يكفي للوقوف على ما إذا كان المسلسل مسروقًا بالفعل أم لا.

لماذا نحب Breaking Bad؟

امتدت حلقات المسلسل الأمريكي إلى 62 حلقة عرضت خلال خمسة مواسم بين عامي 2008 و2013، لكنه لا زال يتمتع بشعبية كبيرة بين المشاهدين. لهذا أسباب عديدة بالتأكيد لا يمكن حصرها هنا، لكن دعونا نقف عند نقطتين فقط.

الأولى هي القصة والحبكة شديدتا التميز، في هذا العمل شاهدنا تحول شخصية مدرس الكيمياء "والتر وايت" من رجل مسالم يعمل في مدرسة وفي مغسلة سيارات ليحصل على الدخل الكافي لعائلته إلى صانع وتاجر مخدرات صغير، ثم إلى قاتل وصانع نوع مخدرات مميز وأخيرًا إلى مؤسسة إجرامية متكاملة.

أفضل ما في هذا هو التدرج المنطقي لهذه الأحداث، والمفاجآت التي تتوالى، والتحولات التي تصيب هذه الشخصية، فعندما نشاهد آخر حلقة من الموسم الأخير لا نتخيل أن هذا هو نفسه الشخص الذي شاهدناه في الحلقة الأولى من الموسم الأول.

النقطة الثانية هي دقة كتابة الشخصيات الثانوية، كل شخصية يمكنك أن تشعر أنها من لحم ودم، لها أبعاد واضحة ومحركات ودوافع، لا يمكن حذف أيًا من هذه الشخصيات على الإطلاق فكل شخصية لها تأثيرها الواضح على الشخصية الرئيسية، كما لا ننزلق في تفاصيل جانبية لهذه الشخصيات طالما لن تضيف للشخصية الرئيسية، فعلى سبيل المثال لم نشاهد أية تفاصيل تخص الابن في المدرسة لأن هذا لم يكن مهمًا.

والآن لنتعرف أكثر على ما قدمه "ولد الغلابة"، نتابع شخصية "عيسى الغانم" أحمد السقا مدرس التاريخ الفقير الذي يعمل أيضًا سائقًا على سيارة أجرة لتوفير القوت اللازم لأسرته الكبيرة التي يعلوها. مع تزايد الضغوط والديون يعمل "عيسى" في نقل المخدرات، لكنه لاحقًا يقتل تجار المخدرات الذين يعمل لصالحهم ويبدأ في الإتجار وصناعة المخدرات لصالحه.

هل يكفي أن تكون مهنة الشخصية الرئيسية في العملين هي التدريس لنتهم المسلسل المصري بالسرقة؟ بالتأكيد لا، وإلا كنا اتهمنا Breaking Bad بسرقة فكرة فيلم "الكيف" لأن بطل الكيف كان أيضًا كيميائيًا تحول لصناعة المخدرات. حتى منتصف الحلقات تقريبًا كان هذا وجه التشابه الوحيد بين العملين، فبعد تحول عيسى لتجارة المخدرات وقتله للذين يعمل معهم، كان همه بيع ما تبقى من بضاعة للحصول على ثمنها والتخلص من أزماته المادية، لكن في الحلقات الأخيرة تحول الأمر لنشاهد المزيد من التشابهات القوية مع المسلسل الأمريكي، خاصة مع ظهور مصطلح الطبخ.

"أنا الطباخ"

في الحلقة الثانية والعشرين يقف عيسى أمام تجار المخدرات ليخبرهم أنه هو من يطبخ نوع مخدر الستروكس المسمى البريمو. فكرة طبخ المخدرات كانت من المحاور الرئيسية في Breaking Bad إذ أن والتر وايت دخل إلى سوق المخدرات نتيجة توظيفه خبراته في الكيمياء في صناعة نوع شديد التميز من مخدر الميث، وفي أحد المشاهد الشهيرة من المسلسل الأمريكي يقف وايت معرفًا نفسه بأنه الطباخ. وهكذا أصبح من الواضح اقتباس هذا التفاصيل من المسلسل الأمريكي.

لم يكتف صناع "ولد الغلابة" بأخذ هذه التفاصيل ووضعها في مسلسلهم، رغم أن الحبكة كانت تسير بشكل مختلف في البداية كما ذكرنا، فأضافوا شخصية المحامي "جمال لبة" أحمد زاهر المأخوذة أيضًا من Breaking Bad من شخصية "سول جودمان" المحامي. هذه الشخصية مأخوذة بالكامل، ليس فقط في توظيفها الدرامي داخل الأحداث، ولكن أيضًا في حوراها وملابسها اللافتة للنظر.

إذن لم يعد الأمر مجرد تشابه في الأفكار الرئيسية، بل وصل إلى أخذ جمل وشخصيات وتفاصيل من الحبكة بالكامل ووضعها داخل المسلسل المصري.

السرقة أمر مرفوض بالتأكيد، وكان ينبغي الإشارة إلى أن "ولد الغلابة" مستوحى من عمل أمريكي، خاصة وقد بذل المؤلف في النصف الأول مجهودًا في صناعة مقدمات مختلفة. الأسوأ هنا هو أن التعدي وقع على مسلسل مشهور جدًا ومعروف لشريحة كبيرة من المشاهدين.

لكن إن كنا سنأخذ من "Breaking Bad" فلماذا لا نتعلم منه؟

ليته كان مسروقًا

كما ذكرنا فإن إحدى أهم مميزات المسلسل الأمريكي هو رسم الشخصيات الثانوية، وليس فقط التي ظهرت في كل المواسم مثل زوجة والتر أو جيسي مساعده، بل حتى الشخصيات التي ظهرت في عدد أقل مثل حبيبة جيسي الأولى أو توكو تاجر المخدرات الأول الذي عملوا معه. كل شخصية لها ما يميزها في أدائها وملامحها لتبقى مع المشاهد.

لكننا في "ولد الغلابة" سنجد الكثير من الخطوط الدرامية التي لا تضيف شيئًا للحبكة الرئيسية، أبرزها، الخط الخاص بطليقته "زينب" هبة مجدي التي تستغرق مشاكلها مع زوجها الجديد وأمها ورغبتها في العودة لـ "عيسى" الكثير من وقت الحلقات دون أن تقدم شيئًا إضافيًا. الأمر نفسه ينطبق على المعارك التي تكررت عدة مرات بين "ثريا" سلوى عثمان" و"فرح" مي عمر زوجتي عزت تاجر المخدرات، وهي المعارك التي تكررت مرارًا في الحلقات الأولى، وبالحوار نفسه تقريبًا.

لدينا أيضًا تاجري المخدرات "أسعد" فايق عزب و"خلف" عبد الرحيم حسن اللذان لا يوجد سبب أيضًا لكونهما اثنين، وحتى لو كان السبب سيظهر لاحقًا فإنه لم يتم التأسيس بأي شكل لوجود تباين بين الشخصيتين على الإطلاق.

لكن لماذا نُسهب في الحديث عن الشخصيات الثانوية؟ دعونا ننظر إلى شخصية "عيسى" نفسها وتطورها.

في Breaking Bad نجد أن كون "والتر" مدرسًا للكيمياء ليس لمجرد وضعه في قالب الموظف ذو الحياة الرتيبة، بل لأن الكيمياء هي نفسها ما ستجعله ينتقل للإجرام لاحقًا. فماذا عن "عيسى" مدرس التاريخ؟ لا شيء في الواقع، لو كان فلاحًا فقيرًا أو صاحب بقالة لم يكن الأمر سيؤثر سلبًا على الشخصية، بل إن تقديمه كمدرس أضاف ثغرة للمسلسل كان صناعه في غنى عنها، وهي التي تناولها رواد مواقع التواصل في الأيام الأولى، فعيسى المثالي يرفض أن يعطي دروسًا خصوصية للطالبات، لكنه ليس لديه مشكلة في نقل المخدرات.

كذلك نشاهد في شخصية "والتر وايت" ملامح الذكاء الشديد التي تظهر طوال الوقت، في كلامه وتحركاته، على العكس، لا نجد في عيسى ملامح الذكاء حاضرة بل في الكثير من الأحيان تحدث معه الأمور بالصدفة مثل اكتشافه للطباخ الذي يصنع الستروكس، وهو نفسه الشاب الذي يعمل في الصيدلية التي زارها "عيسى" في إحدى المرات، ثم شاهد الشاب لاحقًا بالصدفة في أحد الفيديوهات التي صورها تاجر المخدرات له أثناء إعداده المخدرات ليعلم أنه الطباخ، هكذا بمنتهى السهولة.

يمكننا بالطبع أن نتحدث كثيرًا عن الأداء الذي لا نبالغ إن قلنا إنه كان مدهشًا من فريق ممثلي Breaking Bad بينما لو توقفنا فقط عند أداء أحمد السقا في المسلسل، فسنجده يتراوح بين المبالغة بغرض تقديم بعض الكوميديا أحيانًا، وبين المبالغة أيضًا في أداء المشاهد الرومانسية أمام مي عمر التي تبتعد أيضًا عن تقديم أداء يليق بالشخصية المكتوبة.

يمكن أن نجد عدة عناصر مأخوذة بشكل واضح من Breaking Bad في "ولد الغلابة"، لكن عندما نشاهد المسلسل بأكمله سنقول "ليته كان مسروقًا".