عبد الرحيم كمال ومحمد رمضان في "زلزال".. من الخاسر الأكبر؟

تاريخ النشر: الجمعة، 24 مايو، 2019 | آخر تحديث: الجمعة، 24 مايو، 2019
مسلسل "زلزال"

بعد الكشف عن البوستر الخاص بمسلسل "زلزال"، ظهر كوميك بصورة الفنان رضا حامد وهو يقول "استنى متقولش، هيغتني وينتقم من أعدائه كلهم"، في سخرية من القصة التي اعتاد محمد رمضان تقديمها في أعماله التلفزيونية الأخيرة. لكن منذ متى يمكن قراءة القصة بأكملها من مجرد بوستر؟

يوجد عامل شديد الأهمية هذه المرة في هذا المسلسل وهو أن مؤلفه هو عبد الرحيم كمال الذي قدم عدة مسلسلات شديدة التميز من قبل، أبرزها "الخواجة عبد القادر" و"دهشة" من بطولة يحيى الفخراني وإخراج شادي الفخراني، بينما حقق أحدث أعماله "أهو ده اللي صار"، والذي عرض قبل رمضان مباشرة، نجاحًا جيدًا أيضًا.

والآن لدينا نجم جماهيري له تأثيره الواضح الذي يظهر في أعماله، ولدينا كاتب سيناريو له أعمال مختلفة ومميزة. فمن منهم نجح في الإضافة للآخر؟ ومن سحب من رصيد الآخر؟


محمد رمضان كما شاهدناه

كان أول مسلسلات البطولة لمحمد رمضان "ابن حلال" الذي عرض في شهر رمضان 2014 من إخراج "إبراهيم فخر" وهو نفسه مخرج "زلزال"، ومن بعدها قدم رمضان مسلسلين هما "الأسطورة" عام 2016، وهو أكثر مسلسلاته نجاحًا، ثم "نسر الصعيد" عام 2018.
المشاهد لهذه الأعمال سيجد عدة تفاصيل تتكرر فيها، خاصة في العملين الأخيرين، بينما يختلف الأول عنهما نسبيًا.

أولى هذه التفاصيل هي الانتقام، في "الأسطورة" ينتقم البطل ممن قتل شقيقه، في "نسر الصعيد" ينتقم ممن قتل أبيه. لا توجد جرائم قتل في "زلزال" لكن الانتقام حاضر أيضًا، إذ يسعى محمد حربي الشهير بزلزال (محمد رمضان) للانتقام من خليل (ماجد المصري) الذي سرق أرض أبيه الذي مات.

التفصيلة الثانية هي البطولة الزائدة، في "الأسطورة"، ورغم كونه مجرمًا لكننا نشاهد ناصر (محمد رمضان) بطلًا شعبيًا، ينتصر لأمه وأقربائه ويهزم جميع أعدائه، قوي بدنيًا وأذكى من منافسيه، والأمر نفسه يحدث في "نسر الصعيد" ولكن كونه ضابطًا هذه المرة فهذا يمنحه بطولة إضافية في مواجهة الإرهاب. في "زلزال"، ورغم كونه شاب جامعي فقير الحال لا يسعى إلا للارتباط بحبيبته وإعادة أرض أبيه، لكنه أيضًا يتمتع بصفات البطولة بشكل مبالغ فيه، فهو من يرتب أمور السكن لأصدقائه، وهو من يعد لهم ملخصات المواد الدراسية، وهو من يقف لمن يعتدي على بائع الفول، وكالعادة هو أكثر ذكاءً وأخف ظلًا من كل أقرانه.

هل يجب أن تكون شخصية "محمد حربي" بكل هذه المواصفات البطولية؟ بناء على قصة المسلسل ورحلة حربي لميراث أبيه فإن ما نشاهده مبالغ فيه، ولكنه الشكل المفضل لمحمد رمضان أو لجمهوره.

آخر التفاصيل المكررة في أعمال رمضان هي تعلق الجميلات به، وتعلقه هو في البداية بواحدة تعلوه قبل أن يلتفت لمن تحبه. هذا ما شاهدناه في "الأسطورة" ثم "نسر الصعيد" ويحدث الآن في "زلزال"، إذ يحب هو أمل (هنادي مهنى) ابنة عدوه والتي تتفوق عليه ماديًا، بينما تحبه صافية (حلا شيحه) وهو لا يشعر بها.

إذن لدينا الكثير من العناصر التي لا يبدو أنها جديدة على أعمال محمد رمضان، تفاصيل مكررة ومعتادة، أحبها الجمهور مرة فكررها رمضان مرة أخرى، وها هو يفعلها للمرة الثالثة، فأين دور السيناريست في كل هذا؟

عبد الرحيم كمال كما لم نعرفه

مثلما توجد علامات مميزة لأعمال محمد رمضان، توجد أيضًا علامات في أعمال عبد الرحيم كمال، أبرزها بالطبع الأجواء الصوفية والتي تظهر بأشكال مختلفة، وكانت حاضرة بقوة في "الخواجة عبد القادر" متمثلة في تفاصيل العبادة الصوفية والتي تكررت في "ونوس"، ومن قبلهما في "شيخ العرب همام.

يمكن أيضًا ملاحظة قصص الحب الصعبة والمكتوبة بشكل جذاب، مثلما في "شيخ العرب همام" و"الخواجة عبد القادر" و"أهو ده اللي صار" والتي يصعب التقاء طرفيها ويربط بينهما حب بدايته غير تقليدية عادة. كما يجيد عبد الرحيم كمال صناعة التفاصيل الأسرية والصراعات بين أفراد الأسرة، فحتى إن كان "دهشة" مقتبسًا عن مسرحية "الملك لير" فقد أجاد كمال تحويلها إلى قالب مصري غير مصطنع، لينقل حالة التفكك الأسري من لير إلى دهشة. وفي كل أعماله نلاحظ وجود هذا التوتر بين أفراد الأسرة الواحدة، والترابط بينهم أيضًا في أشكال مختلفة.

وأخيرَا، يبرع عبد الرحيم كمال في صناعة الدراما التي تدور في الصعيد، بعد أن كانت هذه المسلسلات قد استنفذت الأفكار التي تطرحها، جاء هو ليقدم "الرحايا" أولًا، ثم "شيخ العرب همام" و"الخواجة عبد القادر"، وحتى عندما قدم معالجة الملك لير حولها للصعيد أيضًا في "دهشة"
.
هل قدم عبد الرحيم كمال أيًا من هذه التفاصيل في "زلزال"؟

نظريًا قدمها. سنجد قصة الحب الصعبة وبها ملامح صوفية أيضًا، بل إنها شديدة الشبه بقصة حب زينب وعبد القادر، إذ تردد صافية أنها تحب زلزال من قبل أن تراه، وتحلم به عندما كان في ضيقة، وتبدو هذه كقصة حب صعبة فهي على الأقل من طرف واحد. العلاقات الأسرية المعقدة حاضرة أيضًا في أسرة خليل، فالخلافات دائمة بينه وبين شقيقاته وزوجته وحتى ابنته.

قلنا نظريًا لأنه رغم هذا الحضور لبعض سمات عبد الرحيم كمال، فإن ما نشاهده ينتمي أكثر لعالم محمد رمضان، فقصة الحب تتحول من قصة جذابة ورقيقة إلى قصة باهتة لأسباب مختلفة سنذكرها لاحقًا.

والصراع العائلي تحول إلى حوارات مكررة بين الأم وابنتها أو بين الزوج وزوجته داخل عائلة خليل، من التي نشاهدها في أي مسلسل مصري آخر، ولا تحتوي على الحوارات الذكية التي يكتبها كمال عادة.

أما إذا نظرنا إلى الشخصيات الثانوية فسنجد أننا أمام شخصيات أغلبها أحادي البعد، وتحديدًا زملاء زلزال في السكن الذين يمثل كل منهم شخصية تقليدية موجودة في الأغلب بغرض الكوميديا دون عمق أو تأثير قوي داخل الأحداث، فلو استغنينا عن بعضهم لن تحدث مشكلة.

بل إن الأحداث الجانبية التي تقع لهذه الشخصيات أيضًا تبدو كمط للأحداث ليس أكثر، مثل الأزمة التي مر بها صديقه زياد (يوسف عثمان) الذي اضطر للزواج من الراقصة التي يعمل معها، ليأتي أصدقاؤه ويخلصوه منها في الحلقة التالية بشكل هزلي لا يتفق على الإطلاق مع شكل المسلسل.

لا وجود لأي خطوط ثانوية مكتوبة بإحكام لتصب في الحبكة الرئيسية، مثلما شاهدنا في خط كمال وابنه والعمدة وابنه في الحاضر بالتوازي مع الماضي الذي ينقل قصة الخواجة عبد القادر، هذا الانتقال بين الماضي والحاضر أيضًا كرره في "أهو ده اللي صار" وشاهدنا الكثير من الشخصيات والخطوط المكتوبة بشكل جيد، في "زلزال" لا يوجد إلا شخصية زلزال فقط.

حتى الحوار يحتوي على الكثير من العبارات التي لا تدل على العناية بتفاصيل الزمن، كأن يقول زلزال "ابنك أقوى من المخدرات" في تكرار لعبارة الإعلان الشهير، ويتناسى صناع المسلسل أن الأحداث تدور في نهاية التسعينيات بينما الإعلان ظهر في العام الماضي. وهذا يمتد لاستخدام كلمات ومواد لم تكن بهذه الشهرة في التسعينيات، مثل التشامبيونز ليج والشاي الأخضر.

لا نحتاج إلى ذكر العبارات المقفاة والتي هي علامة مسجلة لرمضان وليس لعبد الرحيم كمال مثل "أنا زلزال كابوس الأندال".

ومعهما المخرج إبراهيم فخر

منذ أيام قليلة نشر المؤلف عبد الرحيم كمال بيانًا يتبرأ فيه من المسلسل ويعلن فيه أن المخرج إبراهيم فخر عدل الكثير من تفاصيل العمل دون الرجوع إليه، وأن الشكل النهائي للمسلسل ليس كما كتبه.

لم يُشر الكاتب لنقاط أو أحداث محددة تغيرت، ونتمنى بعد انتهاء المسلسل أن ينشر السيناريو كاملًا لنقف على حجم التغييرات، ولكن مما شاهدناه فإن ملامح الضعف في السيناريو تتجاوز تعديل بعض التفاصيل والأسماء والنهاية، وتمتد إلى رسم الشخصيات والحوار بشكل واضح.

لكننا لا نعفي المخرج إبراهيم فخر من المسؤولية، فهو المسؤول في النهاية عن الشكل الذي يخرج به العمل، وواحدة من نقاط الضعف الواضحة هي أداء الممثلين، ليس كلهم بالطبع ولكن أغلبهم، فيبدو أن كل من يجيد فعل شيءٍ يفعله.

محمد رمضان يجيد تقديم دوره لكن أمامه مبالغة في الأداء من حلا شيحة لتمثل دور الفتاة الساذجة ولتضبط لهجتها، والأمر نفسه ينطبق على ماجد المصري الذي ينغمس بقوة في أداء الشخصية الشريرة بشكل تقليدي.

وليس التقصير في ضبط أداء الممثلين فقط هو ما يلام عليه المخرج بل إخراج عدة مشاهد بشكل غير مناسب يفقدها معناها، مثل الحلم الذي حلمته صافية والذي نشاهد فيه زلزال مربوطًا بسلاسل بين شجرتين والنيران تحيط به من كل جانب، وهو المفترض أن يكون شبه رؤيا من صافية تصور لها وقوع حبيبها في مشكلة، لكن الأمر خرج في صورة أقرب لمشاهد يوسف منصور في "قبضة الهلالي" أثناء التدريبات. مشهد المعركة أيضًا في موقف الميكروباص، استخدم فيه التصوير البطئ بشكل مبالغ فيه في مشهد حركة يحتاج إلى إيقاع سريع.

حتى الآن، وبعد عرض أكثر من نصف حلقات المسلسل، لا يبدو أن عبد الرحيم كمال قد نجح في إضافة جديد إلى محمد رمضان، وبالتالي نشاهد نسخة جديدة من نفس الأعمال السابقة لمحمد رمضان، ولكن في ملابس التسعينيات غير المتقنة هذه المرة.