بعد محاولات عديدة لحضور أحد عروض فرقة "أيامنا الحلوة" الغنائية، والتي كانت سبب فشل تحقيق معظمها هو أن تكون كاملة العدد قبل العرض بعدة أيام، تمكنت أخيرا من حضور عرضهم مساء الجمعة الماضي في ساقية عبد المنعم الصاوي بالزمالك.
غالبا سبب تمكني من الحضور هو إنشغال معطم البشر حالياً بموسم الإمتحانات، لذلك لم يكن ضغط الحجز عنيف قبل العرض، ورغم ذلك فقد كانت القاعة ممتلئة وعلى آخرها منذ بداية الحفلة وحتى آخر لحظة فيها.
سمعت كثيرا عنهم، ولحبي في الأغاني القديمة كنت أتمنى أن أراهم وأسمعهم، وخاصة بعد أن أخبرني كثيرين كيف يقدمون أوبريت "الليلة الكبيرة" بصوت جماعي مبدع، كنت أتوق لسماعه ورؤيته.
حضرت في الساعة التاسعة والربع مساءً، متأخرة ربع ساعة عن الموعد المحدد، ووجدتهم خارج القاعة يوزعون ورقة بها برنامج الحفل، وعلى خارجها "أيامنا الحلوة .. رؤية وقيادة محمد عثمان"، لن أقول لكم أني توقعت رجلا مسنا يقود الفرقة، في الواقع لا أتذكر ما توقعته، ولكن بالتأكيد أنا لم أتوقع ما رأيته "خالص".
وجدت على المسرح فرقة كاملة، هى مصغرة طبعاً، فيها باص جيتار وكي بورد وقانون، وأربعة من عازفي الكمان، ودرامز ورق وطبلة ودف، وصف بعرض المسرح من المطربين والمطربات عددهم حوالي 18، بس كده.
ووجدت شابا، لولا الشنب الذي على وجهه لتوقعت أنه في أوائل العشرينات من عمره، يعطينا ظهره ويقود فرقته بكل قوة وتحكم مثيرة للإعجاب، وعندما بدأ في التحدث مع الجمهور تجده شخص بسيط بل وقد يكون خجول جدا، لأفكر أنه قد يكون من الناس الذين يتحولون إلى شخصيات أقوى وأكثر سيطرة بعد أن تسيطر عليهم هيبة المسرح، أعتقد أنه في بداية الثلاثينات على الأكثر، واتضح لي من تقديمه لكل أغنية أنه هو محمد عثمان قائد هذه الفرقة!
المهم الأغنية الأولى كانت للمطرب رامي "إمتى الزمان"، لم أحضرها من البداية للأسف ولكن أداؤه أدخلني في الـ"موود" بعد ثانية واحدة، لتأتي بعده أميرة، والتي قال عنها عثمان أنها تتولى الشئون الإدارية للفرقة إلى جانب غناءها، وغنت "إبعد يا حب" لنجاة، ولكني شعرت أنها تحاول تقليد نجاة أكثر من تقديم أداء صوتها بشخصيته الخاصة، تلاها شادي الذي غنى "أهيم شوقاً" والذي رجّ القاعة بصوته المهيب القوي، وبأداءه الذي حمل نكهة خاصة بصوته.
ثم جاء أحمد الذي أعلن عثمان أنه سيغني "نار" للراحل عبد الحليم حافظ، طبعا صدرت همهمات خافتة مستنكرة وغير متفائلة من نجاح هذا المطرب الذي يقف على المسرح بجسده الضئيل كيف سيقدم أغنية لحليم، ولكنه ومع كلمة "نار" أخرس كل القاعة تماماً، لتعتقد أنك ستسمع صوت إبرة إذا وقعت على الأرض، وأدى الأغنية بأسلوب حاز فعلا على الإعجاب والتصفيق الشديد.
بعده تحدث عثمان على أنه أراد تقديم الأغنية القادمة لأن من غناها فنان حقيقي في كل شئ، رغم أنه ممثل ولكنه أداها بطريقة مؤثرة بديعة، أغنية "طيب يا صبر طيب" للعبقري عبد المنعم مدبولي، ليأتي على المسرح "علي" شاب ذو وجه بشوش يرتدي نظارة، وفكرت كيف سيقدم هذا الشخص أغنية كئيبة، ولكني وجدته يرتدي "الموود" بسرعة على وجهه وينطلق ليغني الأغنية بكل كلماتها الموجعة الحزينة بأسلوب مؤثر أعجبني وأعجب كل من في القاعة.
ثم قدم عثمان مطربة اسمها بلسم، مشيرا إلى أنها ستغني أغنية تحمل اسم "بابا"، ووجدت فتاة شابة قسمت شعرها لذيلين حصان على جانبي رأسها، وتوقعت أن تكون أغنية للأطفال "سخيفة"، ولكنها فعلا أذهلتني بصوتها الناعم القوي وأداءها الطفولي - في بعض أجزاء من الأغنية - هذا غير أنني لم أسمع كلمات الأغنية من قبل فكنت سعيدة جداً وأنا أراها تغنيها أمامي.
بعدها جاءت فتاة محجبة على المسرح اسمها رضوى لتغني "من حبي فيك يا جاري"، ووجدتها تغني بمزاج جميل هلل له كل الحاضرين.
ثم غنى إسلام أغنية "يومين وعدوا" للمطرب الشاب بهاء سلطان، ولقد قدمها بشكل لطيف، ولكني لم أكن سعيدة بالنقلة التي أجبرني عثمان عليها وهى الاستماع إلى أغنية من القرن الحالي بعد أن كنت في زمن ماضي جميل.
ثم جاءت الفقرة التي "فصلتني" تماماً عن "الدماغ اللي عملتها" خلال الساعة الماضية، عندما وجدت الفرقة كلها تنسحب من على المسرح، وأتى عثمان ليؤكد أن هذه ليست استراحة ولكنها فقرة خاصة للملحن نادر نور الذي كان واحد من ضمن الفريق سابقا، ولكنه منذ وأن "ربنا فتحها عليه" أصبحت له فقرته بعيدا عن باقي الفريق!
كنت أسمع عن نادر نور وبدأت أرى صوره منتشرة على الـFace Book مؤخراً، كوسيلة للدعاية لنفسه، فقلت لنفسي لا ضرر من إعطاءه فرصة لسماعه بشكل حي على المسرح، وقد قرر أن يهدي الحاضرين هدية وهى غناءه لجزء لم يتم تقديمه في الأغنية الأصلية للفنان الكبير عمرو دياب "خليني جنبك" التي لحنها له.
لأصدم وكأني تم "رزعي" بالقلم على وجهي، فصوته لا يصلح إلى أن يُسمع بشكل مباشر على الهواء أمام الجميع كما حدث، وتوقعت أن يكون مريضا بالبرد مثلا فيعتذر للناس عن سوء أداءه، ولكنه لم يعتذر، وظهر صوته محشرج وكأنه يحتاج إلى أن "يكحّ" مثلا لكي يتحسن صوته! فعلاً صدمت من فقرته التي دامت لخمس دقائق أعتقد وكانت تعد أطول خمس دقائق عشتها في حياتي!
لا أعلم إذا كان العرض يُقدم كل مرة بفقرة "نادر نور الخاصة" هذه أم أنه "على حظي أنا" قدمت، وأتمنى أن تكون الإجابة "على حظك إنتِ"!
من ناحية أخرى لابد لي من أن أشيد بنادر نفسه كملحن، هو فعلا ملحن فنان وموهوب، فهو صاحب ألحان "لو تعرفوه" لإليسا، و"عارف أنا جاية ليه" لزيزي، و"مقدرش أنساك" لحماقي، لكن للتوضيح .. أنا هنا أنقد وجوده كصوت غنائي ضمن برنامج حفل فرقة "أيامنا الحلوة".
جاء بعد ذلك عمرو ليغني "عارفة"، التي غناها علي الحجار من ألحان الموسيقار الكبير عمر خيرت، بصوت جميل بدأ يعيدني للـ"موود" مرة أخرى، ولكن مع إعتراضي على فكرة الأغاني الحديثة في الزمن القديم.
ثم ظهرت مطربة سمراء جميلة اسمها رباب لتغني بطريقة ممتعة ومرحة وجميلة "الجيرة والعشرة" مصحوبة بابتسامتها الكبيرة البيضاء.
وجاء خلف ليُغني "بلياتشو"، والذي لم أحب أداءه، قد يكون السبب لأنه قدم أغنية حديثة أيضاً مازالت في أذني بصوت المطرب القوي مدحت صالح، ومن يقدم تلك الأغنية عليه أن يكون بنفس قوة صالح أو أفضل، ولكن هذه لم تكن الحالة مع خلف للأسف.
بعده غنت أحلام "حكايتي مع الزمان" وهى مع أن صوتها عذب وجميل، إلا أن أداء عينيها وهى تغني لم يساعدني على العيش في حالة الأغنية، فحركة عينيها "المتوترة" والعصبية بين اليمين والشمال طوال الغناء كانت عجيبة وكأنها "خائفة من شئ ما".
وجاء دور المطرب شريف، المعروف بألبومه "بُشرى وشريف – بعد الغرام" ، ليُغني "عبد الودود" من الشيخ إمام وكلمات أحمد فؤاد نجم، بطريقة صعيدية مصحوبة بضرب "مبهر" من هاني بدير على الـ"دُف" فقط، وقد أعجبت كل الحضور ليطلب منه الجميع أن يغينها مرة ثانية، لتكون فقرته هى الوحيدة من كل فقرات الحفل التي تعاد مرة ثانية.
بعده وقف خالد أمام الميكروفون ليغني "يا ليلة ما جاني" للراحل محمد رشدي، ولكني وجدت أنه نسخة مقلدة بشكل مقرب جدا من رشدي صوتا وأداءاً، وهو ما جعلني أفكر كيف سيكون أداء هذا الصوت العميق القوي مع أغنية لمطرب آخر غير رشدي، هذا ما أتمنى أن أسمعه وأراه!
أما الرقيقة سلمى فقد غنت بصوتها الناعم "فنان فقير" مصحوبة بضربات بسيطة من هاني على الطبلة وعزف خفيف على القانون من شريف كامل.
ختام الفقرات الفردية كان مع فهيم، النسخة الحديثة من الراحل إسماعيل ياسين، الذي قدم إحدى أغاني ياسين "ميمي وفيفي" بطريقة مضحكة ومقلدة للكوميديان الأسطوري الراحل جعلت القاعة تهتز من تصفيق وتهليل الحاضرين بعد إنتهاءه من الغناء.
وكان الختام الذي انتظرته وانتظره الجميع الأداء الجماعي لـ"الليلة الكبيرة"، ورغم أنهم لم يقدموها كلها، إلا أنهم قدموها بشكل فعلا أروع وأبهر مما تخيلت.
ولابد لي من الإشادة بمهندس صوت الحفل، لأن الصوت كان على درجة كبيرة من الجودة لم أرها إلا في حفلات قليلة، ومهندس الإضاءة الفنان الذي كان يحاول فعلا التأثيره بنوره مع الموسيقى الصادرة من فوق خشبة المسرح ليصبح العرض ممتعا للعين وللأذن.
ولن أنسى اللحظات التي كان ينفرد أحد العازفين بعزفه وحده فقط، مثل "صاحب المزاج" شريف كامل على القانون، و"الدماغ" هاني بدير على الـ"دف" والطبلة، وهو غالبا أمر يرجع الفضل فيه إلى محمد عثمان، الذي أجده ينسحب من على المسرح ليترك للعازف مساحته أمام الضوء وحده.
فعلا أرفع القبعة لفرقة "أيامنا الحلوة" بقائدهم محمد عثمان، الذين برغم ما أشرت إليه من نقاط "فصلتني" أحيانا، إلا أنهم يساهمون في جعلنا نعيش بجد أوقتا حلوة من أيام الأبيض والأسود ولكن بألواننا الحالية.