وضع الفنان والدكتور ونقيب المهن التمثيلية أشرف زكي نفسه في مأزق صعب، عندما أعلن قراره الغريب بعدم السماح للفنانين العرب بالمشاركة سوي في عمل واحد فقط سنويا وبشرط أن يكون عضو نقابة الممثلين ببلده.
لن نحتاج لإعمال ذهننا كثيرا والبحث عن مبررات مختلفة لهذا القرار غير المسبوق، لا فنيا ولا في أي مجال من مجالات التجارة أو الاستثمار أو الصناعة أو........ لأن النقيب أعلن سبب قراره وحدده في نقطتين الأولى أنه يريد إغلاق الباب أمام العري والابتذال ودخول غير الفنانين المجال مستغلين ظروف تجارية وأخلاقية غير سوية.
والسبب الثاني الذي حاول النقيب إبرازه أكثر ومنحه المزيد من الأهمية هو إتاحة الفرصة لأعضاء نقابة المهن التمثيلية المصرية الذين جلسوا في بيوتهم ولا يجدون عملا بعدما أخذ "الغزاة" العرب أدوارهم وقطعوا لقمة عيشهم.
ولأن أشرف زكي أعلن أسباب محددة وصريحة لقراره، سأعلن أنا أيضا رأيي بصراحة ومباشرة و"ما فيش حد أحسن من حد"، كلام النقيب غير منطقي بالمرة لأسباب أوردها في النقاط التالية:
أولا: أشرف زكي يرأس نقابة مصرية وقرار كهذا لا يمكن أخذه بشكل منفرد دون مراجعة ومشاورة، لما له من ردود فعل قد تنعكس لن أقول على العلاقات المصرية العربية، ولكن ستنعكس بالتأكيد على العمالة المصرية الكبيرة في البلدان العربية المختلفة، وإن لم يكن بشكل رسمي فسيكون بشكل غير رسمي، عملا بمبدأ المعاملة بالمثل، خاصة أن المصريين العاملين بالوطن العربي "مش ناقصين وكفاية اللي هما فيه".
ثانيا: مثل هذا القرار من شأنه حرمان مصر من ريادة حقيقية للفن أهلتها لحمل لقب "هوليوود الشرق" لسنين طويلة، وهوليوود لو لم يكن السيد النقيب يعلم مدينة السينما العالمية وعلى الرغم من وجودها بأمريكا إلا أنها تضم أمهر وأقوى العاملين في مجال صناعة السينما في العالم كله ولا يُسأل فيها عن هوية وجنسية وجواز سفر كل نجم أو فنان، وفي النهاية تنسب الأفلام إلى هوليوود، وقرار النقيب يعطي الفرصة لمتربصين كثيرين لتجريد مصر من لقب الريادة، ووقتها سيكون عندهم ألف حق لأننا نحن الذين نفعل هذا بأنفسنا.
ثالثا: قرار النقيب لن يحرم مصر من الريادة الفنية فقط، وأحب أن أوضح لمن لا يعرف أنها ليست لقبا شرفيا، إنما يعني الكثير ماديا واجتماعيا وثقافيا، يكفي أن نشير إلى أن السينما والفن المصري هو السبب في أن اللهجة المصرية هى اللهجة المحلية الوحيدة التي يفهمها جميع العرب من الخليج إلى المحيط، وليس هذا فقط فمن شأن هذا القرار أن يحرم مصر من ثروة اقتصادية هائلة ويحيل مشروعا ضخما مثل مدينة الإنتاج الإعلامي إلى أطلال بعد هجرانها إلى مدن الإنتاج العربية التي كان آخر ما أعلن عنه مدينة دبي للإنتاج الإعلامي، أي أن القرار سيتسبب في خسائر اقتصادية فادحة.
وإذا ردت الدول العربية التي يريد النقيب حرمان فنانيها من العمل بمصر بالمثل وقررت مقاطعة منتجاتنا الدرامية فهذا سيعني بكل بساطة خسارة 35 مليون جنيه حسب آخر عائد لتسويق الدراما التليفزيونية المصرية في رمضان 2007 وحده، ولعل النقيب يعلم أن هذه الدول لن تغلق تليفزيوناتها خاصة بعد التفوق السوري الواضح في الدراما لدرجة جعلتنا نلهث لإحضار مخرجين ينفذون لنا المسلسلات التاريخية ونلجأ إلى تصويرها هناك في أراضيهم.
إذا لم يتبق لنا سوى العنصر البشري الذي يجب أن نحافظ عليه، وأنا واثق أنه سيظل عنصر التفوق المصري في الفنون وفي جميع المجالات، ولن يضيره أبدا أن يعمل بجواره فنانين العالم.
ثم أين مبدأ تكافؤ الفرص الذي يفرز الأفضل، وهو مبدأ معمول به في كل المجالات وأولى مجال به هو العمل الفني الذي لا يمكن أن أتصور أن يتم فرض وجوه معينة عليه.
أما إذا كان الدكتور أشرف يريد دعم أعضاء نقابته اللذين لا يجدون عمل لأسباب تتعلق بالسن أو غيره، فتعالوا نعقد جلسة ودية نفكر فيها معا ونطرح عدة اقتراحات عله يُعجب بواحد منها ويعمل به، ما رأيكم أن تفتح مصر باب نقابتها لمن تراه جديرا بها من الفنانين العرب فتذيبهم في مصريتنا وثقافتنا وهو ما حدث مع العديد من الفنانين على مدار التاريخ ولا ننسى يعقوب صنوع وعبد السلام النابلسي ونجيب الريحاني وفريد الأطرش وأسمهان ونجاح سلام وصباح ووردة وسميرة سعيد وغيرهم الكثير، إن عملهم في مصر جعلهم مصريين، هل سنفشل في استيعابهم وإذابتهم في مجتمعنا وثقافتنا؟ وهو ما نجحنا فيه مع الغزاة الأتراك والإنجليز والفرنسيين الذين غادروا مصر يتحدثون العربية؟!
ألا يمكن للنقابة الاستفادة من الفنانين العرب ماديا وبشكل مباشر عن طريق فرض ضرائب أو رسوم معينة مقابل منح تصاريح العمل؟ ثم تستخدمه النقابة في التزاماتها وواجباتها تجاه فنانيها بدلا من فرضهم بقوة القانون "القرار لا قانوني ولا دستوري أصلا" وأكرم لهم في نفس الوقت؟!
ثم ما فائدة هذا القرار من الأصل إذا كان النقيب عاد وأعلن أنه سيستثني الفنانين الملتزمين المبدعين، وللأسف لم تفلح اتهاماته للصحفيين بأنهم لم يفهموا كلامه جيدا في تصحيح الموقف خاصة أنه لا يقول طلاسم أو يتحدث بالشفرة أو بلغة منقرضة، فأنت لم تضف جديدا في المرة الثانية التي تحدثت فيها عن القرار سوى أنك قلت سنرحب فقط بمن هم نجوم في بلادهم.
من قال للنقيب أن الفنانين والفنانات العرب المقصود بهم غير ذلك؟ إذا كان يدخل ضمنهم مجموعات أخرى بمواصفات أخرى فهذه مشكلته ويجب ألا يعمم ويأخذ "العاطل بالباطل"، فعندما يتخذ قرارات ضد وقف منح تصاريح العمل لمن يصفهن بفنانات العري فلن يعترض أحد على العكس سنصفق له جميعا، لكن عندما يقرر حرمان الفن من مبدعين مثل: هند صبري وجمال سليمان وأمجد زيدان وغيرهم من المبدعين العرب الذين يمكن أن يقدموا لو تعاونوا أعمالا يحفظها التاريخ وأقرب مثال على ذلك مسلسل "الطارق" الذي شارك فيه النجم ممدوح عبد العليم كوكبة من فناني الدراما السورية.
رسالة للدكتور أشرف زكي:
حاولت تغازل أعضاء نقابتك لأسباب انتخابية فلم يرض عنك العرب ولا المصريين وفقدت الجميع "جيت تكحلها عميتها".