روتردام (هولندا) (رويترز) - مشهدان للرئيس العراقي السابق صدام حسين في أولهما يضحك بثقة ممسكا سيجاره وسط رجاله وفي الثاني يسقط تمثاله كنهاية مرحلة وبين المشهدين مسافة تختصرها أفلام عربية في حروب كلامية بين عراقيين في الداخل والخارج فرقهم الاحتلال الامريكي بدرجة لا تقل عما فعله بهم صدام.
ففي فيلم (غير صالح) وهو العمل الاول للمخرج العراقي عدي رشيد يحاول البطل أن يرسم صورة لبلاده فيكتشف أن ما فعله صدام بالعراقيين لا يختلف كثيرا عما يعانيه المواطنون على أيدي القوات الامريكية.
وحصل الفيلم الذي بلغ 67 دقيقة على جائزة خاصة من مهرجان روتردام للفيلم العربي الذي انتهت دورته الخامسة مساء الاحد الماضي تقديرا لمخرجه الذي غامر باخراج أول فيلم روائي تم انجازه في بغداد بعد سقوط صدام.
وشنت الولايات المتحدة الحرب على العراق في 19 مارس اذار 2003 وسقطت بغداد في التاسع من ابريل وانتهى حكم حزب البعث بسقوط تمثال صدام في ساحة الفردوس ثم أعلنت القوات الامريكية القبض على صدام يوم 14 ديسمبر كانون الاول من العام نفسه.
فيلم (غير صالح) يصور بقايا جثث تخرج من تحت الركام اضافة الى رفات يصفها البطل بأنها "قبور جماعية لجنود لا يعرفون قاتلوا من. ومن أجل ماذا."
كما يستعرض نصب الحرية الشهير الذي أنجزه الفنان التشكيلي العراقي الرائد جواد سليم (1919 - 1961) حيث يظهر وحده في مشاهد تبدو فيها بغداد خالية من الحياة وساحة استعراض لدبابات ومدرعات فوقها قناصة أمريكيون بعد أن "نهبوا المتحف (العراقي) وحرقوا المكتبة (الوطنية)."
ولكن الحرية التي وعد بها العراقيون تتحول الى كابوس بسبب الفوضى وافتقاد الامان وتكون ميسون زوجة بطل الفيلم احدى الضحايا حيث تظل معتقلة في البيت في اشارة الى أن سقوط صدام أدى الى فراغ وخلل أمني واجتماعي يهدد استقرار أسرة بطل الفيلم.
هذا الاضطراب كان موضوع الفيلم التسجيلي (العراق الى أين) الذي صور في سبتمبر أيلول 2003 قبل نحو 70 يوما من اعلان القبض على صدام.
ويبدأ الفيلم الذي بلغ يبلغ 22 دقيقة وأخرجه العراقي المقيم بكندا باز شمعون بمشهد لفجر بغداد على صوت مؤذن يعلن "الصلاة خير من النوم" ثم تتفجر فيه طاقات الغضب على صدام والامريكيين.
فأحد العراقيين يقول ان "صدام دمر العراق. لم يترك شيئا الا خربه" ويضيف اخر أن "(الرئيس الامريكي جورج) بوش وفر الدولارات. بوش على رأسي" ويلخص ثالث فترة تزيد على ربع قرن قائلا ان صدام "أمريكي جاءت به أمريكا ثم أخرجته."
ولكن عراقيا يقول بثقة ان "صدام شريف العرب. أشرف من (حكام) الخليج. أشرف زعيم عربي والرئيس الامريكي... (قواد)."
وقال شمعون لرويترز انه صور الفيلم مع عراقيين في الاردن وتركيا بسبب ما وصفه بأنه مضايقات في دخول بلاده "أبطال الفيلم عراقيون مثلي غير قادرين على عبور الحدود ولاجئون أنهكتهم سنوات الحرب."
وأضاف أن المضايقات تمتد بصورة أو بأخرى اليه في كندا حيث يقيم حيث اضطر للانتظار أكثر من 90 دقيقة على الحدود وهو متوجه ذات مرة الى الولايات المتحدة الامريكية رغم قوله لمسئولي الحدود انه "مسيحي عراقي اشوري."
أما المخرج هادي ماهود فيعود بعد 13 عاما من غربته الاختيارية باستراليا الى العراق ليصور فيلمه التسجيلي (العراق موطني) بعد سنة من سقوط بغداد فيقوده صبي الى دروب مجهولة منها مبنى دائرة الامن العام وفي أسفله غرف كانت مخصصة لتعذيب المواطنين.
وكان الصبي أحمد يعمل نجارا للاسقف الخرسانية ولكنه فقد مهنته بعد أن سرق لصوص معداته فصار يبيع الطلقات الرصاصية التي أصبحت بضاعة رائجة.
تغير مهنة الصبي في الفيلم الذي بلغ 52 دقيقة تتسق مع تغيرات أخرى منها تغير اسم (مدرسة 17 تموز) الى (مدرسة انكيدو) والاسم الاول يشير الى تاريخ صعود البعث الى السلطة في العراق في 17 يوليو تموز 1968 والاسم الثاني لرفيق جلجامش صاحب الملحمة العراقية الشهيرة التي تعد من أقدم الملاحم في التاريخ وكان يبحث فيها عن عشب الخلود.
كما يسجل الفيلم على لسان مواطن يعتبر الاحتلال الامريكي لبلاده "حرب التحرير" قوله ان "صدام حسين استطاع تخريب عقلية الانسان العراقي" مقابل مواطن اخر يصرخ "أين الحرية التي وعد بها بوش؟ أين حقوق الانسان؟"
والاضطراب الذي يعانيه العراقيون تجاوز الجغرافيا في بعض الاحيان ففي الفيلم التسجسلي (أبدا لم نفارقه) الذي أخرجه المصري أحمد رشوان تتابع الكاميرا تدريبات منتخب العراق لكرة القدم في معسكر بالعاصمة الاردنية حيث يعترف لاعب بأن حدوث انفجار في مكان قريب من بيته يسبب له ارباكا فلا يستطيع اكمال المباراة وهو مشتت الذهن.
وفي الفيلم الذي بلغ 28 دقيقة يروي مسؤولون رياضي