في كل المجتمعات تجد الإنسانية تقدس الأم، ونادرا ما يتعرض عمل سينمائي لشخصية الأم بصورة سلبية، على عكس الأب الذي طالما أمطرتنا السينما بنماذج للآباء القساة غلاظ المشاعر، بينما أضاءت السينما شخصية الأم بساعات وساعات من الأدوار القائمة على الحنان والعطف والحب بدون حدود أو قيود.
ولكن ماذا إذا داعبنا الأم السينمائية في عيدها.. ماذا لو اتخذنا ثلاثة أفلام كمثال وأعطينا دور الأم في كل منها لواحدة من ملكات الشر في سينمانا المصرية، لنتخيل كيف ستتعامل الأم الشريرة في هذه الحالة.
الافتراض الأول: ماذا لو أدارات ملك الجمل "إمبراطورية ميم"؟
تنضج عاطفة الأمومة وتتبلور عندما يصل الأبناء إلى فترة المراهقة، حيث الموازنة بين التفهم والحنان والشدة التي تصل إلى القسوة أحيانا، فما بالكم بسيدة لديها 6 أبناء، 5 منهم في تلك العاصفة.
في حالة ما إذا قدمت ملك الجمل شخصية "منى" بدلا من فاتن حمامة، وجاءت الأزمة عندما يثور الأبناء على سلطة الأم، ويقرروا إجراء إنتخابات لتحديد مجلس إدارة المنزل بدلا من الأم، فمن المؤكد ان ملك الجمل ستقوم برفع حاجبها وتنظر لهم نظرتها الشهيرة، ثم تتركهم وتنصرف وكان الأمر لا يعنيها.
وما أن ينام الأولاد حتى تعقد إجتماعا عاجلا مع العاملين بالمنزل ووالدتها، لتضع خطة داهية لقمع انتفاضة الأطفال الديمقراطية، إذ تدفع بوالدتها للدخول في السباق الانتخابي، وتنجح الجدة بتوجيهات الأم وبعض الحنية المعروفة عن الجدات، بينما تظل السيطرة الفعلية في يد الأم.
وبعد بعض الإصلاحات الشكلية، تعود الحياة لسابق عهدها، وتلعب الصدفة دورها، إذ يكشف ابنها الأصغر الملعوب، ويفضح الأمر لشقيقة الأكبر الذي يستغل الفرصة، ويكشف الأمور على مائدة الغذاء، لتنتهي بأن تأمر ملك الجمل بمنع المصروف عن الجميع، وتحبسهم في غرفهم، وتهدد الجميع بالعقاب الصارم لتنزل كلمة النهاية.
الافتراض الثاني: زوزو نبيل تصيح "لا تسألني من أنا"
هل كل الأبناء لهم نفس المشاعر داخل قلب الأم؟ الإجابة هي نعم بالتأكيد وفقا لقاعدة "كلهم أولادي"، ولكن في فيلم "لا تسألني من أنا" تضطر "عائشة" أن تبيع ابنتها زينب لسيدة ثرية لا تنجب، وتعيش عائشة في عذاب وترضى بأن تعمل خادمة لابنتها حتى تكون بالقرب منها، ولكن ماذا لو قدمت زوزو ماضي دور عائشة بدلا من شادية؟
في البداية أعتقد أن زوزو ماضي ستقوم بفصال شريفة هانم "مديحة يسري" حول سعر الطفلة، حتى تضمن لعائلتها وباقي أبنائها مبلغا محترما من المال، ثم ستفاصلها أيضا في أجره عن عملها في منزلها، لن تجد زوزو ماضي في يوم من الأيام تسأل أهل الدار عنما سيتناولون من طعام، فهي ستتعامل مع الجميع من مركز قوى، "فهي تكسر عين شريفة هانم وتتعامل مع زينب باعتبارها إبنتها، فستتحول شيئا فشيئا إلى صاحبة المنزل الحقيقة.
وربما تدير زوزو ماضي عملية ابتزاز لشريفة هانم، وعندما تسألها زينب السؤال الشهير "أنا بنت مين يا دادا؟"، هنا تخرج زوزو نبيل سيجارها الطويلة الرفيعة وتشعلها وهي تنظر إلى عين زينب، لتجيبها بثقة "بنتي يا زينب"، و تبدأ في سرد الأحداث، وكيف أنها بتلك الأموال استطاعت أن تكوّن ثروة صغيرة تقي أطفالها مصائب الدهر، وتبدأ في إقناع زينب بالاستيلاء على أموال شريفة هانم، التي تقتنع سريعا، وتحوّل كل أموال شريفة هانم إلى زوزو ماضي، لتنزل كلمة الختام، وشريفة هانم تسأل زوزو ماضي: "تحبي تتغدي إيه يا هانم؟".
الافتراض الثالث.. زوزو حمدي الحكيم أما للعروسة بدلا من تحية كاريوكا
تكتم الأم فرحتها عندما تطمئن على أبنائها في بيوتهم، فابنتها إلى بيت زوجها، وإبنها مع عروسه إلى منزله، لتجلس وحيدة تصنع العديد من البلوفرات الصوف للأحفاد المنتظرين، وفي فيلم "أم العروسة" يرينا المخرج عاطف سالم تلك المرحلة من حياة الأسرة المصرية في الستينيات، فماذا لو كانت زوزو حمدي الحكيم بدلا من تحية كاريوكا في دور "زينب"؟
في البداية كانت "أحلام" ستضع في بطنها بطيخة صيفي، فخلفها سيدة لن تُهزم أبدا، ولن يستطيع زوجها أو والدته أو والده أو أيا من كان أن يدوس لها على طرف خشية من انتقام والدتها زوزو حمدي الحكيم.
على الجانب الآخر كان أشقاء أحلام سيصبحون في منتهى الالتزام، فلا أحد يصحوا في الصباح الباكر ليعزف على الكمان، فـ "زوزو" كفيلة بأن تأخذه منه وتخبئه في مكان لا يعلمه إلا هي فقط، ولينسى هذا الطفل كل أحلامه عن الموسيقى.
كان الفيلم سيفقد الكثير من الجمل الحوارية الخفيفة والرشيقة، لا لضعف أو عيب في أداء زوزو حمدي الحكيم، تلك الممثلة القديرة للغاية، ولكنها كانت دائمة الحديث بعينيها وحاجبها فقط، وأيضا كان "حسين" زوجها سيصبح مقهورا أكثر وأكثر، والأطفال أيضا، فالصغار لن نسمع لهم صوت هل يجسر رضيع أن يبدأ في البكاء في حضرتها.
وأخيرا كان من المستحيل أن نشاهد المشهد اللطيف، عندما دخل الابن على والدته ووالده وهما في وصلة حب، فتعلل الزوج أنه يضع قطرة لزوجته.. فهل يستطيع رجل أن يضع قطرة لزوزو حمدي الحكيم؟