في نهاية الألفية الأولى وتحديدا عام 1996 وضع عدد من نقاد السينما المصريين قائة بأهم 100 فيلم مصري ، و بعيدا عن إتفاقنا و او ختلافنا مع الأعمال المختارة و الأعمال غير المختارة، أو وجهة نظرنا في ان هناك اعمال لا تستحق التواجد في القائمة وأعمال اخرى تم غض الطرف عنها، والأمر في النهاية مجرد أراء شخصية لنخبة من نقاد السينما في مصر ولكنهم بالطبع يؤخذ ويرد عليهم وإختيارهم ليس مقدسا، وبعيدا عن اتفقنا أو إختلافنا على القائمة، إلا أن اللافت للنظر ان 7 من أفلام قدمها الراحل نور الشريف قد حلت بمراكز مختلفة في القائمة.
سواق الأتوبيس صرخة الطيب الأولي
في المركز الثامن من القائمة يجئ فيلم عاطف الطيب سواق الأتوبيس والذي عرض عام 1981 ، وقصة محمد خان و بشير الديك وسيناريو وحوار بشير الديك، الفيلم الذي جاء ليتم إعتباره الثمرة الاولى لكل محاولات التجديد و التغير في السينما المصرية و التي بدات منذ منتصف السبعينات وأخذت شكلها الأكثر وضوحا مع نهايتها وبداية الثمانينات، قدم أزمة جيل أكتوبر بطريقة غاية في السلاسة و العذوبة، هذا الجيل الذي سرقه المنتفعون و"الفهلوية"، الجيل الذي خرج من الحرب منتصرا ليهزمه النظام بسياساته والمجتمع بجحوده، نور الذي قدم دور حسن سائق الأتوبيس و الذي يجاهد لإنقاذ ورشة أبيه ليكتشف كل التغيرات التي شهدها المجتمع و تفسخه وهشاشة علاقته.
دور قدمه الشريف بكل إستاذية ليصبح هو احد النجوم الذين شكلوا مع عدد من المخرجين و كتاب السيناريو موجة التغير في السينما المصرية في الثمانينات و التي أطلق عليها إصطلاحا الواقعية الجديدة، و التي ضمت أسماء مثل أحمد زكي ومحمد خان وداوود عبد السيد وخيري بشارة وعاطف الطيب و محمودعبدالعزيز وسعيد الشيمي و نادية شكري وأحمد متولي وكمال بكير و بشير الديك ووحيد حامد وغيرهم من السينمائين الذين اثروا سينمانا بالعديد من الأعمال الهامة.
نور والسندريلا
أما الفيلم التالي في قائمة أفضل 100 فيلم مصري فهو فيلم زوجتي و الكلب والذي عرض عام 1971، من بطولة محمود مرسي و سعاد حسني ونور الشريف ومن تأليف وإخراج سعيد مرزوق، و الذي حل في المرتبة 33، حيث قدم نور الشريف شخصية نور عامل الفنار الشاب الذي يعمل مع الريس مرسي "محمود مرسي" المتزوج حديثا، بعيدا عن العمران، و الذي يسلي فراغه و فراغ زميله الشاب بحكاياته عن مغامراته العاطفية وهو في مثل سنه خاصة مع زوجات زملاءه في العمل.
حينما تقع أنت الممثل الشاب في صراع تمثيلي بين عملاق بحجم محمود مرسي وموهبة لا حدود لها بحجم السندريلا فأنت في موقف صعب، وربنا إذا عرض الفيلم على اي ممثل شاب وقتها كان سيتردد كثيرا لقبول مثل هذا الدور، خاصة وإذا كانت الشخصية التي ستؤديها تعد المعادل الموضوعي لشخصية مرسي المركبة و المعقدة، إلا أن نور الشريف المجتهد دائما وأبدا قدم دورا جيدا للغاية ، جعل الفيلم يخرج كمبارة تمثيل على اعلى مستوى وليكون الفائز الوحيد هو المشاهد.
عودة مرة أخرى للثمانينات وتحديدا عام 1981، حينما عرض فيلم أهل القمة والذي أحتل المركز 37 في قائمة أفضل 100 فيلم، الفيلم من إخراج على بدرخان عن قصة لنجيب محفوز وسيناريو وحوار مصطفى محرم، وبطولة سعاد حسني و عزت العلايلي وعمر الحريري وعايدة رياض.
مرة أخرى يقدم نور دور أحد أبناء فترة الغنفتاح ولكن هذه المرة من منظور مختلف منظور الشخص المنتفع حيث يقدم دور زعتر المهرب الصغير الي يعمل لحساب مهرب أخر كبير وهو زغلول "عمر الحريري" والذي يحاول أن يسرق منه حبه الوحيد سهام.
يقدم نور في الفيلم نموذج مختلف لجيل الإنفتاح الإقتصادي، حيث قدم شخصية المهمش الساعي للوصول إلى القمة كباقي لصوص تلك الفترة الذين بدءوا من أسفل سافلين و "بالفهلوة" والسرقة أصبحوا هم أهل القمة، بل إن السلطة في كثير من الأحيان تساندهم كما حدث حينما ساندت السلطة زغلول وقررت نقل ضابط المباحث بعيدا عن منطقة عمل زغلول عقابا على محاولته كشف النقاب عن أعما التهريب الذي يقوم بها.
الجرأة ثم الجرأة ثم الجرأة أهم ما يميز مشوار نور الشريف السينمائي، ففي عام 1975 عرض فيلم الكرنك عن قصة نجيب محفوظ سيناريو وحوار وإنتاج ممدوح الليثي وإخراج على بدرخان، الفيلم الذي أثار ضجة كبيرة وقت عرضة لجرأته الشديدة في نقد ومهاجمة التجربة الناصرية خاصة الأسلوب الأمنى الذي كان يتعامل به النظام وقتها مع المعارضين او حتى المشتبه في معارضتهم للنظام الناصري، كما أن قسوة مشاهد التعذيب الفيلم كانت سببا أخر في تعرضه للعديد من الإنتقادات و لا سيما مشهد إغتصاب "زينب" سعاد حسني ومشهد إغتيال حلمي "محمد صبحي".
استطاع نور الشريف ان يلفت الأنظار وان يقدم أداءا تميليا جيدا للغاية وسط كوكبة كبيرة من النجوم أصحاب الموهبة الكبيرة و الباع الطويل الذين شاركوا في بطولة الفيلم، نور الذي قدم شخصية إسماعيل الشيخ إستطاع أن يقنعنا بكل المراحل التي مرت بها الشخصية منذ بداية الفيلم وحتي نهايته استطاع ان يدرك جيدا بخبرته جميع تحولات شخصية إسماعيل و ان يقدمها مستخدما نظرة عينيه و حركة جسده و صوته ليعبر بدقه عن هذه الشخصية غير العادية.
نور وتهمة تقليد يوسف شاهين
في عام 1982 قدم نور الشريف مع محمود عبدالعزيز وحسين فهمي واحد من الأفلام الهامة في تلك الفترة وهو فيلم العار للسيناريست محمود أبو زيد والمخرج على عبدالخالق وهو الفيلم الذي أحتل المركز 56 في القائمة.
ربما تجيء أهمية الفيلم لانه عرض في وقت كانت السينما المصرية في صراع بين الجودة و الإستهلاك وكان الصراع الأذلي بين القيمة الفنية وشباك التذاكر مستعر وقتها على اشده فجاء الفيلم ليحقق تلك المعادلة الصعبة حيث حقق نجاحا تجاريا كبيرا إضافة إلى قيمته الفنية الهامة.
في صراع تمثيلي من الدرجة الأولى فاز فيه المشاهد بطبيعة الحال تألق نور الشريف في شخصية كمال بلزماته الصوتيه و الحركية وطريقته العنيفة العفوية خارجا من إطار الإفتعال متسلقا سلم الإجادة بهدوء وثقة شديدين، وربما نجاح الثلاث شخصيات كمال وشكري وعادل مرتبط ببعضه بحيث أنها ظهرت شخصية أقل من الأخري، لأختل ميزان العمل تماما وربما كان هذا من أهم أولويات على عبدالخالق الحفاظ على "هارموني" العمل و التناغم بين الشخصيات الثلاث.
مع بداية السبعينات ظهرت ما سميّ بجماعة السينما الجديدة و التي كانت من روادها رأفت الميهي ومحمد راضي الذي قدم عام 1974 فيلمه الهام أبناء الصمت والذي جاء في المرتبة 74 في القائمة، وقام ببطولته عدد من النجوم على رأسهم احمد زكي ونور الشريف ومحمد صبحي وحمدي أحمد وسيد زيان مع العملاق محمود مرسي وميرفت أمين.
ربما تعود اهمية الفيلم الذي ناقش الحياة المصرية في فترة حرب الإستنزاف لصدقه الشديد في طرح كافة المشاكل التي عانى منها الشباب في تلك الفترة، بما فيها ضياع العمر خلال فترة التجنيد و التي استمرت لسنوات طويلة للغاية وخروجهم من الحرب منهكين نفسيا و جسديا، بل وانفصال المجتمع عن الجبهة في فترة حرب الإستنزاف إضافة إلى مناقشة قضية الأرقام ان في الحروب أو المواجهات تحسب الخسائر في الأرواح بالأرقام فقط دون النظر ان كل رقم من هذه الأرقام تاركا خلفه أهل و حبيبه وأولاد سيقتلهم فراقه.
في المرتبة 84 من القائمة يقع فيلم حدوتة مصرية عن قصة يوسف إدريس وسيناريو وحوار وإخراج يوسف شاهين وهو الفيلم الأول لنور الشريف مع يوسف شاهين ويقدم خلالها شاهين الجزء الثاني من سيرته الذاتية في قالب سردي مختلف تماما ليستأنف نور الشريف ما بداه الممثل الشاب وقتها محين محي الدين وبقدم شخصية يحيى شكري مراد.
في هذا الفيلم اتهم البعض الشريف بتقليد شخصية يوسف شاهين، وإن كنت أرى ان هذا الإتهام جائر و عاري من الصحة، فكيف يتهم ممثل بتقليد الشخصية المطلوب منه تأديتها، نور كان يؤدي شخصية يحيى شكرى مراد والتي هي جزء من شخصية يوسف شاهين فكان من المنطقي ان يستلهم نور من الحقيقة ما يفيد الشخصية و يثريها.
خارج القائمة رغم جودتهم
وبخلاف القائمة قدم نور الشريف عدد من الأدوار الهامة في مسيرتة الفنية في أعمال مثل " كتيبة الإعدام، قلب الليل، ليلة ساخنة، توحيدة، دنيا الله، الصعاليك، البحث عن سيد مرزوق، زمن حاتم زهران، الصرخة، دماء على الأسفلت، ناجي العلي، المصير، إختفاء جعفر المصري، دم الغزال" وغيرها من الأدوار التي امتعنها بها نور الشريف على مدار تاريخه الفني.