لسوء الحظ الأوبرا بالنسبة لي هي أوبرا القاهرة، لم استطع زيارة أي أوبرا أخرى حتى أحكم على مدى جودة مبنى الأوبرا القاهري.
بالتأكيد لا تحتاج إلى زيارة أي بلد ثاني لاستنتاج أنه لا يمكن أن يكون الدخول والخروج إلى ومن الأوبرا يحتاج إلى ساعة قبل وساعة بعد، كما لا تحتاج زيارة بلد أخر لتعرف أن أوبرا القاهرة هي الوحيدة التي تصعد سلالمها صعوداً وهبوطاً عدة مرات حتى تصل إلى مقعدك.
تظل تبحث بعينيك عن زي مميز تفهم منه أنه للعاملين في الأوبرا، حيث أن في هذا الجو الممتليء برابطات العنق والبدل تصاب بحالة توهان شديدة، تخاف أن تسأل أحدهم عن مقعدك فتكتشف أنه مثلك تائه يبحث عن من ينقذه، فلا تملك من أمرك سوى رفع تذكرتك عالياً منتظراً أن يتعرف عليك موظف الأوبرا كما يفعل مستقبلو المسافرين في المطار.
تنتظر أن يدخل عليك أحدهم بتحية "مساء الخير" حتى تصل إلى وجهتك، فتتذكر رجال السينما المنتظرون أمام الأبواب وتكتشف أهميتهم، وبعد أن تنقطع أنفاسك صعوداً وهبوطاً، وبعد أن تسمع "هما قالولك فين؟!" تصل أخيرا إلى مقعدك تتصب عرقاً، مختنقاً بفعل رابطة العنق والبدلة، لتبدأ حفلك من المقعد A-52.
١) السقف
لم ولن أبحث عن مصمم أوبرا القاهرة، فهو شخص لا يستحق العناء المبذول في البحث عن اسمه لنقده، من المقعد A52 لن ترى المسرح إلى إذا جلست على طرف المقعد "متشعبطاً" في السور سانداً ذقنك عليه حتى ترى المسرح، وهي وضعية مثالية للولادة أو محاولة الوصول إلى إنزلاق غضروفي، فلو جلست مستندا بظهرك على الكرسي سوف ترى السقف.. فقط السقف.
٢) وردة عملاقة
في سقف الأوبرا يوجد وردة عملاقة تتكون من 24 ورقة.
٣) وديع الصافي
للأسف الشديد من بعد كل هذه السنوات من الغرام المتبادل بينك وبين ما عزفته أنامل عمر خيرت، ستكتشف من ذلك الإرتفاع أن عمر يشبه الراحل وديع الصافي بشدة، لدرجة ستفسد عليك الاستمتاع بإيمائته أثناء العزف.
٤) الوردة مرة أخرى
تحتوى الوردة العملاقة على ورد أقل حجماً تتكون من 24 ورقة أيضاً.
٥) نصف فرقة
هذا المكان المتطرف يميناً والمتطرف هندسيا بالتأكيد، تستطيع بعد أن تجلس تلك الجلسة العبقرية، أن ترى نصف الفرقة فقط وبناء عليه تفقد متعة مشاهدة عازفي النحاسيات وترى "قفا" عازفي الكونترباص والتشيلو، وبالتبعية بسبب الستائر المتدلية من سقف المسرح لا ترى "نسمة عبد العزيز" لكنك ترى الماريمبا والعصيان تتطاير في الهواء في مشهد عفاريتي مضحك حتى البكاء.
٦) وردة ثالثة
تحتوي الوردة الأولي الوردة الثانية وتحتوي الثانية الوردة الثالثة والأخيرة، هي أقل حجماً بالتأكيد لكنها مكونة من 24 ورقة هي الأخرى.
٧) سحب جوائز بأرقام المقاعد
يتميز المقعد A-52 بأنه لن يكسب الجوائز المقدمة من رعاة الحفل، ولا حتى من باب الشفقة والإحسان على المسكين الذي سيخرج من هذه الحفلة بتشوهات في العمود الفقري.
٨) أسمنت السقف
في لحظات التأمل السقفية التي يمنحها إياك هذا المقعد المميز سترى جزء من أسمنت السقف يظهر بوضوح ليجعلك تتخيل أنك بالتأكيد أكثر حظاً من المسكين الذي وقع عليه الجزء المفقود، لكنك أتوماتكياً ستنظر فوقك لتتأكد أن تجلس أسفل جزء سليم لن يسقط عليك.
٩) أنت لست إنجي المقدم أو يحيي الفخراني
تحلم كثيراً بأن تجلس في منتصف الصف الأول حتى تستمتع بالموسيقى ومشاهدة العازفين، شعور الطفل "اللازق" في شاشة التلفزيون على أمل لمس الممثلين، بل تتمنى أحياناً أن تجلس على البيانو نفسه، لكن الحصول على تذكرة لحفلات عمر خيرت إنجاز تاريخي تتفاخر به عبر الفيس بوك، أما الحصول على مقعد متقدم هو درب من دروب الخيال، فمقدمة الحفل المذيعة والممثلة "إنجي المقدم" كانت تجلس في الصف الثامن و"يحيي الفخراني" كان يجلس في كرسي متطرف في الصف الأول، فيصبح التعرف على الفائزين بالهدية الربانية بالجلوس في مواجهة عمر خيرت أمر يستحق العناء.
١٠) السلمة المرتفعة
لن يضيع الله عليك كل أحلامك تنظر خلف كرسيك تكتشف وجود سلمة مرتفعة كافية أن يجلس عليها شخصان جلسة مريحة، ترى من خلالها نصف المسرح، كما تستطع الاستناد على الحائط لتريح ظهرك الذي أصابه التشوه من الدقائق التي جلستها على الكرسي، فتشعر للحظات بأنك طالب يتلصص على مدرسة البنات جالساً على السور، لكنه بالتأكيد شعور أفضل من المقعد نفسه.
المقعد A52 بالكون هو تأكيد على أن "ربك بيقطع من هنا ويوصل من هنا" تأخذ مقعد لا ترى منه أي شيء ولا تكسب بسببه جوائز الحفل، لكنه يرزقك السلمة العالية التي تشاهد منها الحفل مستريحاً، وأخيراً تحية إلى أي أوبرا في العالم تجلس في أي مقعد بها وتشاهد المسرح بالكامل.
ناقشني عبر تويتر
Tweet to @mo7iahmed